الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ شراكة الضرورات، العلاقات الخليجية الأوروبية في سياق التحولات الجيوسياسية الدولية. ملف

أبريل 29, 2025

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا

ملف أمن دولي ـ شراكة الضرورات، العلاقات الخليجية الأوروبية في سياق التحولات الجيوسياسية الدولية

1 ـ أمن دولي ـ التحولات الدولية وصعود الخليج في موازين القوى

شهد النظام الدولي تحولات بعد حرب أوكرانيا في فبراير 2022، وبرزت ملامح التعددية القطبية العالمية، ما أفسح المجال أمام دول الخليج، للاضطلاع بأدوار دبلوماسية في حل النزاعات الإقليمية والدولية. كما تزايد نفوذ الدول الآسيوية، لا سيما الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي وسعت من نفوذها السياسي بجانب دورها الاقتصادي التقليدي. ولك في ظل تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط نتيجة لتغير الأولويات الاستراتيجية.

ما هي التحولات في النظام الدولي بعد الحرب في أوكرانيا وتأثيره على نفوذ أسيا؟

أشار تقرير ميونيخ للأمن لعام 2025، تحت عنوان “التعددية القطبية”، صراحةً إلى أن العالم يعيش بالفعل في نظام متعدد الأقطاب. ويتماشى هذا التقييم مع الإجماع السائد في المجتمع الدولي. تُعد التعددية القطبية انعكاسًا مباشرًا لديناميكيات القوة العالمية المتغيرة. وهو ما يُعد دليلًا على مسار التعدد القطبي العالمي. وأفاد التقرير أن دول الجنوب العالمي أكدت على استقلاليتها في الشؤون العالمية.

أكدت “آنا جاكوبس” كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية على أن “الصين باتت شريكا مهما للغاية للسعودية ما مهد الطريق أمام قيام البلدين بتعزيز العلاقات السياسية الثنائية بشكل متزايد”. وأضافت “جاكوبس” : أن الوساطة الصينية بين السعودية وإيران تعتبر تحولا من النفوذ الصيني الاقتصادي التقليدي في المنطقة إلى مشروع لنفوذ سياسي واضح عبر حل النزاعات ودعم جهود التهدئة في المنطقة”.

كيف يؤثر الموقع الاستراتيجي والاقتصادي لدول الخليج على موازين الأمن الدولي؟

تتمتع منطقة الخليج العربي بمكانة عالمية مرموقة، بفضل موقعها الجغرافي، مما جعلها حلقة وصل بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأروبا. شكل الموقع الجغرافي لدول الخليج نقطة تماس رئيسية للقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أوروبا، وامتداداً لها في المحيط الهندي، وقد انجذبت الإدارات الأمريكية إلى هذه المواقع منذ الحرب الباردة.

تشهد دول الخليج تحولاً اقتصادياً وتعمل على تنويع اقتصاداتها وتعزيز جاذبيتها للمستثمرين المحليين والدوليين. وينعكس ذلك في أداء أسواق الأسهم والسندات وأسواق الطاقة. من المتوقع أن تنمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل يقارب (4%) سنويًا حتى العام 2030، أي أكثر من ضعف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة. ويحتوي الخليج العربي على ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم، كما يُنتج أكثر من (25%) إجمالي الإنتاج العالمي من النفط ويخزّن قرابة ثلث إجمالي الاستهلاك العالمي.  أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟

لماذا تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وصعود الدور الخليجي؟

قوّضت الولايات المتحدة بنية الردع الاستراتيجي لها في الشرق الأوسط، ويُنظر إلى تراجع شعبية الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب تنامي شعبية روسيا والصين، بشكل إيجابي في معظم دول الشرق الأوسط وآسيا حسب استطلاع للرأي في الثامن من مايو 2024. حيث خلص الاستطلاع إلى تراجع شعبية أميركا كقوة عالمية خاصة في دول الشرق الأوسط والدول العربية لا سيما بعد دعم واشنطن الثابت لإسرائيل في حربها في غزة.

أفاد تقرير في 24 سبتمبر 2024  أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من الإبقاء على عقوبات صارمة ومعوقة اقتصاديًا على إيران، أفرجت عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة وسمحت لإيران بمضاعفة صادراتها النفطية. كما أنها لم تُقلص برنامج طهران للأسلحة النووية أو أنشطتها المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.

أثر تراجع قيادة الولايات المتحدةالأمريكية وتغير الأولويات بشكل عميق على كيفية رؤية قادة الخليج للعالم. فقد أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” عن التحول إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ في عام 2012. ثم رفض الرئيس الأم يكي “دونالد ترامب” التدخل بعد الهجمات الإيرانية على البنية التحتية النفطية السعودية في عام 2019. وفي عام 2021 جاء الانسحاب الكارثي للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان. وقد ساهم كل هذا في رسم صورة في الخليج للولايات المتحدة الأمريكية غير الموثوقة في حالة تدهور.

ما دور المملكة العربية السعودية كوسيط في الصراعات الدولية؟

عززت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، على سبيل المثال، انضمت إلى مجموعة البريكس، ورفضت إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، وطلبوا مساعدة الصين في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. بعد تجاهل الرئيس الأمريكي السابق “جو بايدن” المصالح الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية في المنطقة، كما رفضت المملكة العربية السعودية طلبات الرئيس الأمريكي السابق “جو بايدن” بزيادة إنتاج النفط. أمن دولي ـ التطور الدبلوماسي لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين

تحتاج واشنطن إلى دعم إقليمي لتعزيز شراكاتها ومواجهة خصومها بفعالية. ويُعد دعم المملكة العربية السعودية أساسيًا في هذا السياق، لما تملكه من علاقات دبلوماسية مع دول عربية متعددة، ومن خلال الدعم السعودي، تستطيع واشنطن الحد من نفوذ إيران والصين، والمساعدة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتفاوض على الاتفاق النووي الإيراني. ورغم تعدد العوامل، فإن دعم المملكة العربية السعودية يبقى عنصرًا لا غنى عنه في تحقيق هذه الأهداف.

تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في الاستقرار العالمي باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، وتدرك أن الصراعات المطولة والعقوبات تؤدي إلى تعطيل أسواق الطاقة. فعلى سبيل المثال في أوكرانيا تعمل المملكة العربية السعودية على ترسيخ دورها كوسيط في الصراعات الدولية، مستفيدة من علاقاتها العالمية حيث أظهرت المملكة العربية السعودية قدرتها على تسهيل المفاوضات، من خلال توسطها في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.

أعلنت المملكة العربية السعودية، أنها ستكون مستعدة لاستضافة قمة بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ونظيره الروسي “فلاديمير بوتن”، لإنهاء حرب أوكرانيا المستمرة منذ فبراير 2022. كما وسعت المملكة العربية السعودية جهود الوساطة إلى مناطق صراعات أخرى في العالم، حيث توسطت في إبرام صفقات في السودان وإيران وسوريا. ووقع وزيرا الدفاع اللبناني والسوري في مدينة جدة السعودية اتفاقية أمنية تهدف إلى مواجهة التهديدات الحدودية.

جهود الدبلوماسية لدولة الإمارات العربية المتحدة في تخفيف حدة الصراعات الدولية

تعد القوات الجوية لدولة الإمارات العربية المتحدة شريك مهم وموثوق به في المنطقة منذ سنوات عديدة. ويوفر هذا التعاون زخمًا مهمًا، ومن ثم فإن دعم دول الشرق الأوسط مهم في ضوء الانتشار المنتظم المخطط له للطائرات العسكرية الألمانية في منطقة المحيط الهادئ في المستقبل. حيث تشارك القوات الجوية الألمانية في مناورات تبدأ خلال أبريل 2025 في الإمارات العربية المتحدة بطائرات مقاتلة، تشارك في المناورات  دول خليجية أخرى كقطر، والبحرين، والمملكة العربية السعودية

تنظر إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى حلفائها الخليجيين، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة كشريك رئيسيي في الشرق الأوسط. حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على دور محوري في المفاوضات المتعلقة بحرب غزة. كما قررت الإمارات العربية المتحدة استخدام الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية لدعم أهل غزة. ونظمت الإمارات العربية المتحدة مليات إجلاء جرحى غزة جواً إلى أبوظبي عبر إسرائيل. أبلغ “محمد بن زايد آل نهيان” رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو” معارضته لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة 20 فبراير 2025.

ساهم توسط دولة الإمارات العربية المتحدة بين روسيا وأوكرانيا في تبادل (50) أسيرًا بين روسيا وأوكرانيا، ليرتفع إجمالي عدد الأسرى الذين تم تبادلهم بوساطة الإمارات إلى (2583) منذ بدء جهودها. وهذه هي عملية تبادل الأسرى الـ(11) التي تسهلها الإمارات منذ عام 2024. مما يمثل خطوة مهمة في الجهود الدبلوماسية الجارية لتخفيف التوترات بين البلدين. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟

يقول “نيكولاي ملادينوف” الدبلوماسي البلغاري والزميل الزائر بمعهد واشنطن “كان من الضروري ضمان الاتفاق بين المفوضية الأوروبية وقبرص والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشأن تفعيل الممر البحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وخلال فترة عضويتها الناجحة لمدة عامين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2022-2023)، ركزت دولة الإمارات العربية المتحدة على أن تكون وسيط بين الشمال والجنوب العالميين. وقد نجح هذا النهج في كسب الدعم لمبادراتها من خلال تبني أسلوب وساطة إيجابي يركز على تحقيق أهداف عامة”.

**

2 ـ أمن دولي ـ العلاقات الخليجية الأوروبية، من الشراكة التقليدية إلى التحالفات الاستراتيجية

تشهد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي مزيدًا من التطور والتحسن، لا سيما في ظل الأزمات والتقلبات السياسية التي تشهدها المنطقة. يُعدّ مجلس التعاون الخليجي شريكًا أساسيًا للاتحاد الأوروبي في مجالات أمن الطاقة، والبنية التحتية الاستراتيجية، وجهود الوساطة، ومكافحة الإرهاب، وغيرها. علاوة على ذلك، فإن اهتمام الاتحاد الأوروبي المتزايد بالخليج لا ينبع فقط من حاجة الاتحاد الأوروبي إلى الاستجابة للتحديات التي يواجهها في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، بل إنه يشهد أيضًا على الأهمية المتزايدة لمجلس التعاون الخليجي وقدرته على المساهمة في القضايا العالمية.

تطور العلاقات الخليجية الأوروبية

منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، عندما انطلقت دول المجلس نحو تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، فتم التوقيع على اتفاقية التجارة والاستثمار بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي عام 1988، والتي أرست حوارًا منتظمًا حول مواضيع تشمل العلاقات الاقتصادية وتغير المناخ والطاقة والبيئة. وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الأوروبية الخليجية خطوات إيجابية للمضي قدمًا، مثل إطلاق “الشراكة الاستراتيجية مع الخليج” في مايو 2022، وتنص هذه الشراكة الاستراتيجية على أبعاد متعددة، منها على سبيل المثال: التعاون الاقتصادي، والتعاون في مجال الطاقة والقضايا الأمنية والعلاقات المؤسسية، والتعاون في المساعي الإنسانية وحقوق الإنسان. وتذهب الشراكة لأبعد من ذلك لتشمل مجالات محورية مثل: التجارة والاستثمار، والمشروعات الريادية وتوظيف الشباب، ودعم مبادرات الرعاية الصحية. وتضم الشراكة أيضاً مجالات أخرى أساسية مثل: سلامة النقل والإدارة والاتصال والرقمنة والبحث والابتكار واستكشاف الفضاء.

وفي يونيو 2022  تم تعيين ممثل خاص للاتحاد الأوروبي في الخليج الخليج لمحاولة تطوير شراكة أقوى وأشمل وأكثر استراتيجية. وفي عام 2023، كثّف الاتحاد الأوروبي جهوده لمحاولة تنشيط مفاوضات الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي للتوصل إلى اتفاقية تجارية. إضافة إلى وافتتاح بعثات جديدة للاتحاد الأوروبي، وإنشاء غرفة التجارة الأوروبية في الخليج في مايو 2024. فيما شهدت العلاقات فترة من ”التواصل المكثف“ في عام 2024 تمثل في عدد غير مسبوق من الاجتماعات بين الكتلتين: حوار أمني إقليمي في الرياض في يناير 2024، ومنتدى للتعاون الأمني في لوكسمبورغ في أبريل 2024 ، وحوار اقتصادي في الدوحة في سبتمبر2024 ، وأول قمة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في بروكسل في أكتوبر 2024  ومنتدى للأعمال في الدوحة  في نوفمبر 2024.أمن دولي ـ التحولات الدولية وصعود الخليج في موازين القوى

تعاون متزايد في مجالات الطاقة

تلعب منطقة الخليج دوراً رئيسياً في مجالات التحول الأخضر والأمن الاقليمي وكأكبر منتج في العالم للوقود الأحفوري، كما تشكل عاملاً أساسياً في تحقيق الأستقرار في أسواق النفط، ومن المتوقع على المدى المتوسط والطويل فإن الخليج يمكن أن يصبح أيضاً من المنتجين والمصدرين المهمين للطاقة المستدامة بما في ذلك الهيدروجين. ان لدى دول الخليج العربي بعض من أفضل موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم وهذه الدول من الموردين الذين يمكن التعويل عليهم للغاز الطبيعي المسال وعليه فإن الاتحاد الأوروبي يرى من الأهمية بناء شراكة أقوى مع الخليج.

منذ عام 2020، زاد الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ من وارداته من الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي. ويفيد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بأنه من بين أكثر من (180)  اتفاقية طاقة جديدة وقّعها الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع حرب أوكرانيا، كان العدد الأكبر من هذه الاتفاقيات مع دول مجلس التعاون الخليجي. وتتصدر الإمارات العربية المتحدة القائمة بـ 24 اتفاقية، تليها قطر (11)، والمملكة العربية السعودية (4)، وعُمان (2)، والبحرين (1). تُبرز هذه الاتفاقيات حاجة أوروبا المُلحة إلى استبدال اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، وتأمين شراكات طويلة الأمد مع منتجي طاقة خليجيين موثوقين.

تُعزز الأرقام هذا التوجه، ففي عام 2023، شكّلت واردات الوقود المعدني أكثر من (75%) من واردات الاتحاد الأوروبي من دول مجلس التعاون الخليجي. علاوة على ذلك، تضاعفت واردات الوقود ثلاث مرات منذ عام 2020، مما يُشير إلى عمق توجه الاتحاد الأوروبي نحو دول الخليج لتلبية احتياجاته من الطاقة. ومع تراجع إمدادات الغاز الطبيعي والنفط من روسيا بسبب العقوبات والتوترات الجيوسياسية،  من المتوقع أن يزداد اعتماد أوروبا على دول الخليج بشكل أكبر في السنوات القادمة.

 شراكة اقتصادية متنامية

في حين يُمثل أمن الطاقة مصدر قلق مُلِحّ، فقد اكتسبت الشراكة الاقتصادية الأوسع للاتحاد الأوروبي مع دول مجلس التعاون الخليجي زخمًا متزايدًا. ويعمل الجانبان بنشاط على إبرام اتفاقية تجارية طال بحثها، والتي تُدرس حاليًا كجزء من استراتيجية الاتحاد الأوروبي الأوسع لتعزيز الشراكات مع الأسواق الناشئة الرئيسية. وفي حال نجاح هذه الاتفاقية، ستُمثل خطوةً مهمةً إلى الأمام في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد سنوات من المفاوضات والمناقشات المتعثرة.

يُعدّ مجلس التعاون الخليجي قوةً رئيسيةً في الاقتصاد العالمي مع ناتج محلي إجمالي يبلغ حوالي تريليوني دولار أمريكي في عام 2022. ووفقًا للبنك الدولي، إذا استمرّ التكتل في النموّ بمساره الحالي، فمن المتوقع أن يصل ناتجه المحلي الإجمالي إلى (6) تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2050. تُبيّن هذه الأرقام الإمكانات الاقتصادية لدول الخليج وتُبرز لماذا يرى الاتحاد الأوروبي المنطقة شريكًا تجاريًا جاذبًا.

فمن شأن اتفاقية تجارية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أن تُسهّل الوصول إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية، التي تُعدّ من بين الأكبر والأكثر نفوذاً في العالم. هذه الصناديق، المعروفة باستراتيجياتها الاستثمارية طويلة الأجل التي تمتد لعقود، قادرة على تعزيز الآفاق الاقتصادية الأوروبية بشكل كبير من خلال ضخّ رؤوس الأموال في قطاعات مُختلفة، بما في ذلك البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة المُتجددة.

يُعدّ الاتحاد الأوروبي حاليًا ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغ حجم التجارة بين الكتلتين (185) مليار دولار في عام 2023. ويمثل الاتحاد الأوروبي أكثر من (11%)  من إجمالي تجارة دول الخليج بقيمة زادت على 170 مليار يورو، في المقابل فإن الاتحاد الأوروبي هو رابع شريك تصدير لدول مجلس التعاون بنسبة (7.5%)  في المائة من إجمالي صادرات المجلس.

مع ذلك، لا تزال العلاقات الاقتصادية تركز بشكل كبير على الطاقة، حيث تُشكّل الوقود المعدني غالبية صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى أوروبا. ومن شأن اتفاقية تجارية شاملة أن تُسهم في تنويع تدفقات التجارة من خلال تعزيز التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا الرقمية والتصنيع والخدمات المالية.

من التطورات المحتملة التي قد تُعزز العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي مشروع الممر الاقتصادي الهندي-الشرق الأوسط-أوروبا (IMEC). يهدف هذا المشروع الطموح إلى تعزيز التواصل بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الشحن.

قُدِّم اقتراحٌ لأول مرة خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في سبتمبر 2023، وحظي مشروع IMEC بدعمٍ كبير، حيث حظي بدعمٍ رئيسي من الهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي. في حال تنفيذه، سيُنشئ هذا الممر طريقًا تجاريًا مباشرًا من الهند عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر اليونان. ومن شأن هذا التطور أن يُحسّن كفاءة التجارة بشكل كبير، ويُخفّض تكاليف النقل، ويُعزّز التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج. أمن دولي ـ أبعاد التعاون ما بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي (ملف)

تعاون سياسي وأمني 

بينما لا تزال الطاقة العامل المهيمن في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، تُعزز الدول الأوروبية أيضًا انخراطها الجيوسياسي في المنطقة، لا سيما اتساع نطاق الصراع في غزة، والذي يهدد بالامتداد مناطق أخرى. وبينما لا تزال العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج مستقرة إلى حد كبير، يدرك الاتحاد الأوروبي أن استمرار حالة عدم الاستقرار قد يؤثر على مصالحه التجارية ومصالح الطاقة. وللتخفيف من هذه المخاطر، كثّفت أوروبا جهودها الدبلوماسية وبحثت عن سبل جديدة للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

خطا الاتحاد الأوروبي خطوة كبيرة في عام 2024 لتعزيز علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية الإسلامية الأوسع من خلال التحالف مع المملكة العربية السعودية والنرويج في إطلاق التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين.

في الأونة الأخيرة، تكثفت العلاقات الأمنية والدفاعية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على مستوى الحوار. وانعقد أول  منتدى رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول الأمن والتعاون الإقليمي ، على مستوى وزراء الخارجية، في لوكسمبورغ في أبريل 2024. وقبل ذلك، انعقد أول  حوار أمني إقليمي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي  في الرياض في يناير 2024، حيث اتفق الطرفان على إجراء حوارات أمنية منتظمة حول قضايا مثل الأمن البحري والأمن السيبراني.

يُؤكد القرار الأخير الذي اتخذه الجانبان بتطوير علاقاتهما المؤسسية من خلال اجتماعات رفيعة المستوى ومنتظمة، على إدراكهما الاستراتيجي للمشاكل الأمنية المُلحة التي تواجهها كلتا المنطقتين. وفي الوقت الحالي، أوجدت التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط بعد أحداث السابع من أكتوبر  والحرب على غزة شعورًا بالحاجة المُلِحّة لدى أعضاء مجلس التعاون الخليجي للعمل مع شركاء خارجيين. وبالمثل، “اكتشف” الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه دول مجلس التعاون الخليجي كشركاء يسعون إلى تحقيق مصالح مُتشابهة، بالنظر إلى قضايا أمن الطاقة الناجمة عن الصراع في أوكرانيا واحتمالات نشوب حرب أوسع في الشرق الأوسط وأمن البحر الأحمر. أمن دولي ـ انعكاسات تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر على أمن الخليج وأوروبا. ملف

**

3 ـ أمن دولي ـ ما التحديات والفرص أمام الشراكة الخليجية الأوروبية في ظل عالم مضطرب؟

 اتفقت دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية، على تعزيز التعاون المشترك بينهما على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويصبح هذا الاتفاق والشراكة الثنائية بين الجانبين أكثر إلحاحاً، في التوقيت الراهن في ظل تزايد التحديات الأمنية عالمياً، جراء تداعيات التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، وانتهاج واشنطن استراتيجية جديدة في التعامل مع حلفائها الأوروبيين، إضافة إلى تحديات اقتصادية جراء التعريفات الجمركية الأمريكية. الأمر الذي يدفع دول الخليج والاتحاد الأوروبي إلى بناء شراكة أوثق، للتصدي لأي أزمات محتملة ولتعزيز مكانتهم دولياً للحفاظ على الأمن والسلم العالميين.

ما التحديات الأمنية المشتركة أمام دول الخليج وأوروبا؟

النفوذ الإيراني

رغم حرص دول الخليج والاتحاد الأوروبي على تقوية العلاقات، فإن هناك عدة تحديات تهدد هذه الشراكة وتعيق من توسعها. ويعد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط في مقدمة التحديات. خسائر إيران خلال أعوام 2023 و2024 و2025 لنفوذها في سوريا ولبنان واليمن، لا يعني تراجع دورها بالمنطقة، خاصة وأنها تمتلك برامج صاروخية وتسعى لامتلاك أسلحة نووية. حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2024، من أن تخصيب اليورانيوم في إيران تتسارع وتيرته، حيث فتحت طهران نقاشاً داخلياً حول ضرورة تطوير الأسلحة النووية.

ستنتهي صلاحية إعادة فرض العقوبات على إيران في أكتوبر 2025، بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وستعيد هذه الآلية فرض القيود على الأسلحة التقليدية والصواريخ التي رُفعت بحسب خطة العمل الشاملة.

عودة التصعيد الإسرائيلي على جبهتي غزة ولبنان، ورغبة إسرائيل في توجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال الأشهر المقبلة، حيث أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في 18 أبريل 2025، على لسان مسؤولين أمنيين، إلى أن بلادهم قادرة على ضرب منشآت إيران دون الحاجة لضوء أخضر من الولايات المتحدة، مؤكدين أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن إيران تمر بأضعف حالاتها داخلياً، لكنها باتت أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك سلاح نووي.

هذا الموقف الإسرائيلي، قد يؤدي إلى حرب إقليمية مفتوحة بين تل أبيب وطهران، أو بين تل أبيب ووكلاء طهران، الأمر الذي يزيد مخاوف دول الخليج من تداعيات هذا التصعيد، ويضع دول الاتحاد الأوروبي في مأزق حول توسع الاستثمارات بالمنطقة.

عادت الهجمات الإسرائيلية على محافظة درعا السورية، في مارس 2025، ما تسبب في سقوط ضحايا، وبررت إسرائيل هذه الهجمات بأنها رداً على تعرض قواتها لإطلاق نار من مسلحين. وظهرت رواية بأن عناصر تابعة لإيران، تقف وراء هذه الهجمات وتسعى لإنشاء خلايا جديدة في الجنوب السوري. ويرى خبراء أنه في حالة محاولة إيران لإعادة تموضعها بسوريا مرة أخرى، ستلجأ إلى المنطقة القريبة من الحدود السورية العراقية والسورية اللبنانية، خاصة وأن هناك عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني ونظام الأسد، فرت للبنان والعراق.أمن دولي ـ تهديدات ترامب .. ماذا عن الرد الإيراني والموقف الأوروبي؟ملف

مفاوضات الملف النووي

المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي، تحظى باهتمام دول الخليج والاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه يتخوفان من تعثر المفاوضات وتعقيد المشهد بين الولايات المتحدة وإيران. أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، في 14 أبريل 2025، أن المفاوضات الإيرانية الأمريكية يجب أن تتوافق مع مصالح أوروبا الأمنية.

ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 17 أبريل 2025، إلى أنه لا يتطلع لضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، مشيراً إلى أن المفاوضات هي الخيار الأول، بينما يصبح الخيار الثاني سيئاً جداً لإيران.

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في 19 أبريل 2025، إن “تقدماً نسبياً في مبادئ اتفاق محتمل تم إحرازه خلال المباحثات في روما”. كما أكد مسؤول أمريكي رفيع المستوى، أن بلاده وإيران أحرزتا تقدماً جيداً جداً.

إعلان إيران شكوكها حول جدية الولايات المتحدة في المحادثات، دفعها للتأكيد على أن روسيا سيكون لها دور في أي اتفاق نووي، وأن أي شروط غير واقعية من واشنطن ستقلل فرص التفاهم، ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 21 أبريل 2025، على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران.

أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر

تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، مر بمراحل متعددة تشير إلى توترات غير مسبوقة مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة، وفي ديسمبر 2023 انتقلت المواجهات من استهداف مدينة إيلات إلى الهجمات ضد السفن التجارية ذات الصلة بإسرائيل بالبحر الأحمر، ونفذ الحوثيون أكثر من (100) هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ ضد (10) سفن تجارية وهجمات ضد سفن حربية أمريكية، ما أدى لإطلاق واشنطن تحالف “حارس الازدهار” لحماية الملاحة الدولية.

استهدف الحوثيون السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا بداية من يناير 2024، وتوسعت الهجمات في مايو 2024، لتشمل السفن التي يمتلكها مشغلو شركات تزور سفنهم إسرائيل. وفي أكتوبر وديسمبر 2024 قصف الحوثيون أهدافاً في تل أبيب، وخلال مارس وأبريل 2025 شنت الولايات المتحدة حملة عسكرية ضد أهداف للحوثيين في اليمن. وأكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، في 21 أبريل 2025، مواصلة قتال الحوثيين حتى النهاية.

تستهدف الحملة العسكرية التي تقودها واشنطن الآن ضد الحوثيين، بنك أهداف البنية التحتية العسكرية مثل مخازن الأسلحة ومواقع القيادة والسيطرة، ومنظومة اتصالات عسكرية ومصانع حربية، والبنية التحتية المدنية مثل شركات نفط ومحطات كهرباء، إضافة إلى استهداف قيادات الحوثيين في صعدة وصنعاء.

تسبب التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة، في ارتفاع أسعار النفط في مارس 2025، وانخفاض متوسط حركة المرور بباب المندب بنسبة (46%) حتى يناير 2024. ووصلت حركة السفن بقناة السويس إلى (63%) في 2024، وارتفعت حركة مرور السفن بطريق رأس الرجاء الصالح بنسبة (70%).

انتهاج الحوثيين لاستراتيجية “وحدة الساحات” ضد إسرائيل، بتصعيد جماعي من جانب وكلاء إيران بالمنطقة، تزيد من احتمالية انخراط لبنان والعراق واليمن وسوريا، بصورة مباشرة مع إسرائيل، ما يهدد أمن دول الخليج والاتحاد الأوروبي، خاصة وأن الممرات المائية مثل البحر الأحمر ومضيقي باب المندب وهرمز والخليج العربي ستصبح في مرمى هجمات الحوثيين وقتها.أمن دولي ـ تصاعد تهديدات الحوثيين للأمن البحري والتجارة العالمية

هل هناك تباين في مواقف دول الخليج وأوروبا حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

رغم أن المواقف تبدو متباعدة بين دول الاتحاد الأوروبي والخليج حول ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، إلا أن التحولات الأخيرة التي باتت تشهدها دول الخليج على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، دليل على اتباعها نهج متقارب مع الاتحاد الأوروبي لتعزيز الشراكة الاستراتيجية في هذه الملفات.

يدعم الاتحاد الأوروبي دول الخليج، بشأن التصديق على معاهدات الأمم المتحدة المرتبطة بحقوق الإنسان وتعزيز النظام الديمقراطي، والتعاون مع مكاتب الأمم المتحدة المعنية بهذه القضايا والمنظمات الحقوقية الدولية، بعد أن اتخذت دول مثل الإمارات والسعودية، خطوات بشأن دعم حقوق المرأة واللاجئين وقضايا العمل، وإصلاحات تعزز من حوار الأديان ومفاهيم التعايش المشترك والتسامح.

أكد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي والخليج، في القمة المشتركة في 16 أكتوبر 2024، على الشراكة الاستراتيجية التي ترتكز على احترام النظام الدولي القائم على القواعد، وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان المعترف بها دولياً. تتماشى هذه الشراكة مع برنامج العمل المشترك (2022-2027).

قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي، إن مسؤولين الخليج والاتحاد الأوروبي مستمرون، في الحوار حول حقوق الإنسان بعقد حوار سنوي يناقش قضايا العمل وتمكين المرأة وحقوق الطفل. وأشار إلى التزام دول الخليج بتلبية متطلبات المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان. تجري دول الخليج مراجعة كل (5) سنوات في جنيف، حول تطابق أوضاع حقوق الإنسان فيها مع معايير المجتمع الدولي.

ما فرص التكامل بين دول الخليج وأوروبا حول ملفات الاقتصاد والتكنولوجيا والتحول الأخضر؟

يعمل الاتحاد الأوروبي والخليج، على تعزيز الأطر المتعددة لدعم التعاون الثنائي والإقليمي، وتزدهر الشراكة في التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي، بتوفير بيئة الأعمال المعززة والتحولات الخضراء الرقمية والطاقة المستدامة، بهدف الوصول إلى اتفاقية جماعية للتجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، عبر توحيد المعايير المنظمة للتجارة والاستثمارات، وزيادة حماية حقوق الملكية الفكرية.

تدرك أوروبا أهمية التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، وتعد ألمانيا نموذجاً لهذا التعاون، وعقدت شركة “كوفسترو” أكبر شركة كيمياويات بألمانيا صفقة مع شركة “أدنوك” الإماراتية بقيمة (16) مليار دولار في أكتوبر 2024. ونظراً لأن دول الخليج تعد أكبر سادس سوق تصدير للاتحاد الأوروبي، ويعد الاتحاد الشريك التجاري الثاني لمجلس التعاون الخليجي، بحسب اتفاقية التعاون التي تعود إلى 1988، لذا تدشن دول الاتحاد حوارات منتظمة مع دول الخليج، لمناقشة تغير المناخ والطاقة والبيئة والملفات الاقتصادية. وبلغت المبادلات التجارية بين دول التكتل الأوروبي والسعودية (80) مليار دولار، بوجود (1300) شركة أوروبية مستثمرة في قطاعات الاقتصاد السعودي.

شدد الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج لويجي دي مايو، على النقلة النوعية التي تشهدها العلاقات الأوروبية الخليجية، لمواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية مثل حرب أوكرانيا والتصعيد في فلسطين ولبنان. تعد دول الخليج أحد أهم مراكز الطاقة من النفط والغاز عالمياً، وبالمثل تمثل دول الاتحاد الأوروبي شريكاً مهماً استراتيجياً للخليج، بالاستفادة من تجارب الصناعات العسكرية والتكنولوجية.

يتعاون الطرفان في إنشاء هيئة لممثلي قطاعات الأعمال التجارية الأوروبية والخليجية في دول المنطقتين، بإقامة فعاليات مثل منتدى الأعمال، وتعزيز المنتديات الاستثمارية وورش العمل للقطاع الخاص.

ركز الجانبان على تعزيز التعاون في مجال الطاقة، عبر خبراء طاقة مشتركين، لتقليل تداعيات الحروب على أمن الطاقة، والتحول إلى الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر بتفعيل دور التكنولوجيا، والتعاون في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين والكهرباء المتجددة، بجانب معالجة تغيرات المناخ وفقاً لاتفاقية باريس للمناخ.

ظهر التوافق بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج حول آليات مكافحة التغير المناخي، خلال مؤتمر “cope 28” في الإمارات لعام 2023، بالالتزام لمواجهة فقدان التنوع البيولوجي والتصحر، وتدهور المحيطات والأراضي والجفاف والتلوث، والتأكيد على أهمية الحد من زيادة درجة الحرار إلى (1.5) درجة مئوية، لذا يدعم الاتحاد الأوروبي استضافة الإمارات مؤتمر الأمم المتحدة القادم للمياه في 2026، لتنفيذ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.

تتعاون دول الخليج والاتحاد الأوروبي، في تنويع وضمان سلاسل الإمداد عالمياً لتحول الطاقة وضمان كفاءتها وفقاً للأسعار المعقولة بالأسواق العالمية للطاقة المستدامة. ويتوافقان على التعاون في مجالات التقنيات المتقدمة والاتصالات والاقتصاد الرقمي، والابتكار والفضاء لإنشاء عالم رقمي أفضل، والعمل في النقل المستدام، والبنية التحتية عالية الجودة المستدامة والمقاومة للتغيرات المناخية، بما يتناسب مع المعايير الدولية ذات الصلة، وبتوظيف الذكاء الاصطناعي في تسريع التنمية المستدامة.أمن دولي ـ كيف تواجه أوروبا ودول الخليج تهديدات الحوثيين؟  

 **

تقييم وقراءة مستقبلية

– يمثل الموقع الاستراتيجي، والنفوذ الاقتصادي، والقدرات الدبلوماسية المتنامية لدول الخليج لاعبا أكثر فاعلية في تشكيل نتائج النزاعات الإقليمية والدولية. كما يعد مشاركة دول الخليج في جهود الوساطة دليلٌ على تنامي نفوذ القوى المتوسطة في السياسة الدولية. وهو انعكاسٌ لجهود الوسطاء التقليديين في التكيف مع تعقيدات عالمٍ متعدد الأقطاب ومترابط ومتشابك بشكلٍ متزايد.

– إن نفوذ المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط له دورا حاسماً كوسيط في حل الصراعات، واستعدادها للانخراط في الدبلوماسية والمفاوضات. و تستطيع واشنطن من خلال الحفاظ على علاقات قوية مع الدبلوماسية السعودية في دفع استراتيجيتها الأوسع في الشرق الأوسط إلى الأمام مع ضمان بقاء المملكة منسجمةً مع جهود السلام التي يقودها الغرب.

– إن تنامي الحاجة للطاقة يجعل من منطقة الخليج العربي المنطقة الوحيدة في العالم، التي تملك قدرات إضافية كبيرة تؤهلها لتلبية الطلب العالمي للطاقة المتزايد، لاسيما احتياجات الدول ذات الاقتصاد المزدهر.

– بات متوقعا أن تلعب دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً رئيسياً في وقت وصلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وإيران إلى نقطة المواجهة المحتملة بشأن البرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن تطلع المنطقة إلى ما هو أبعد من الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة.

– من المرجح أن يستمر دور دول الخليج في الوساطة الدولية في التطور والتوسع، متأثرًا بعوامل مختلفة، منها المشهد الجيوسياسي المتغير، والتقدم التكنولوجي. وستساهم دول الخليج تحول ديناميكيات القوة العالمية نحو عالم أكثر تعددية الأقطاب.

– من المحتمل أن تسعى دول الخليج إلى بناء شراكات جديدة بما في ذلك مع الصين لتطوير سياسات خارجية أكثر مرونة وطموحًا واستقلالية، وويُمكن لمنطقة الخليج أن تُرسي معيارًا جديدًا للحوكمة المرنة.

**

ـ تتمتع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بأهمية استراتيجية متزايدة، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتشابكة التي تواجه العالم اليوم. تشكل هذه الشراكة ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتوفر إطارًا للتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتطرف والتغير المناخي.

ـ مع استمرار أوروبا في مواجهة تحديات أمن الطاقة، وعدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، والحاجة إلى التنويع الاقتصادي، ستظل علاقتها بمجلس التعاون الخليجي بالغة الأهمية. ومن المتوقع أن تشهد اتفاقيات الطاقة بين المنطقتين نموًا أكبر، بينما من المرجح أن يصبح التفاعل الدبلوماسي في الشرق الأوسط سمةً أكثر استدامةً في السياسة الخارجية الأوروبية.

ـ من المتوقع أن يُسهم الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي في دفع عجلة النمو التآزري بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وتُكمّل مشاريع المدن الذكية الطموحة في الخليج، مثل مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية، خبرة أوروبا في الحوكمة الرقمية والتخطيط الحضري المستدام. ومن خلال إنشاء مراكز ابتكار وتعزيز البحوث المشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي يُمكن للمنطقتين تسريع التقدم التكنولوجي الذي يُعزز التنوع الاقتصادي ويُحسّن جودة الحياة. وستكون هذه المراكز بمثابة حاضنات للتقنيات المتطورة، مما يُسهّل تبادل المعرفة وأفضل الممارسات التي يُمكن تطبيقها على نطاق واسع في كلتا المنطقتين.

ينبغي أن يُعزز التعاون في القضايا الأكثر إلحاحًا شراكةً حقيقيةً، ألا وهي: مكافحة الإرهاب المشتركة، وتعزيز ثقافة الاحترام والتفاهم المتبادل بين الجانبين. كما ينبغي على الطرفين السعيَ جاهدين للمساهمة في إيجاد حلٍّ دائمٍ في فلسطين، لتجنُّب استغلال هذا الصراع المُطوّل من قِبَل المتطرفين

**

– تنظر دول الاتحاد الأوروبي والخليج العربي، إلى الشراكة والحوار بينهما في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، بأنها ضرورة ملحة نظراً لطبيعة الظرف السياسي الذي يمر به العالم، لتصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وتداعياتها على الأمن الدولي وأمن الطاقة والغذاء. ويسعى الطرفان إلى توظيف نقاط القوة لديهما وتبادل الخبرات، لتعزيز الشراكة الاستراتيجية في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، والتفاهم بشأن الصراعات العالمية الراهنة.

– رغم حرص الجانبين الأوروبي والخليجي على استمرار التعاون معاً، فإن هناك تحديات أمام هذه العلاقات تمثل نقاط ضعف وتؤثر سلباً على الشراكة الحالية، فالنفوذ الإيراني في المنطقة وبقاء وكلاء لها داخل سوريا ولبنان والعراق، يزيد من احتمالية التصعيد بين إسرائيل وإيران، ويجعل منطقة الخليج غير مؤهلة للاستثمارات الأوروبية، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على التعاون الاقتصادي الأوروبي الخليجي، ويزيد من التحديات الاقتصادية أمام السوق الأوروبي الذي يتجه نحو دول الخليج بشكل أوسع منذ السنوات القليلة الماضية.

– يتجه التصعيد في البحر الأحمر إلى منحى خطير، خاصة وأن واشنطن مستمرة في حملتها العسكرية ضد الحوثيين، وفي المقابل لا يتوقف الحوثيون عن استهداف السفن بالبحر الأحمر، وتتمدد هجماتهم إلى تل أبيب، وفي اللحظة نفسها تتعالى الأصوات في حكومة بنيامين نتنياهو، لشن هجمات ضد منشآت نووية إيرانية، ما يعقد المشهدين السياسي والأمني في المنطقة، ويزيد من الخسائر المادية التي تتكبدها هذه الممرات المائية، ويعيق من حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر، ما قد يدفع دول أوروبا للبحث عن بدائل عن دول الخليج في التجارة، ويعني هذا السيناريو تأثر العلاقات الخليجية الأوروبية بشكل تدريجي الفترة المقبلة.

– المواقف المتوازنة التي تتبنها دول الخليج والاتحاد الأوروبي تجاه هجمات الحوثيين، والضغط الأوروبي الحالي على إسرائيل لوقف تصعيدها بالمنطقة، يشير إلى حرصهما الشديد على توسع العلاقات بينهما لتصبح شراكة ذات أبعاد متعددة، لذا وقع اختيار إيران والولايات المتحدة على سلطنة عمان، كوسيط للمفاوضات الجارية بينهما، إذ ينظر لها بالمفاوض الهادئ الذي لا ينحاز لطرف. وربما استضافة روما للجولة الثانية من المباحثات، تشير إلى احتمالية استعانة طرفا المباحثات بأوروبا ضمن الحوار القائم بين واشنطن وطهران، الأمر الذي يؤكد على تقارب المواقف الخليجية الأوروبية حول احتواء التوترات الأمريكية الإيرانية.

– إدراك دول التكتل الأوروبي والخليج، أهمية الشراكة وتوافق المصالح في التوقيت الحالي، قد يدفعهما لتجاوز أي تباين في المواقف، والسعي للوقوف على مسافة واحدة من ملفات حقوق الإنسان والالتزام بالقوانين الأممية بخصوص هذا الشأن، وأبدت دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية، اهتماماً كبيراً بحقوق المرأة وبملفات الحريات وقوانين العمل، ما شجع الاتحاد الأوروبي على إبرام اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة، وتبادل الخبرات في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا مع الدولتين.

– كما تعول دول الخليج على أوروبا، في الحفاظ على أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيقي هرمز وباب المندب والخليج العربي، بإطلاقها العمليات الأمنية مثل “أجينور” و”أسبيدس” و”أتلانتا” لحماية الشحن البحري التجاري في المنطقة، يستند الاتحاد الأوروبي على دول الخليج في مسألة الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، خاصة وأن المباحثات التي تقودها واشنطن الآن من أجل إنهاء حرب أوكرانيا تسير بعيداً عن أوروبا، وفي الوقت نفسه لعبت الدبلوماسية الإماراتية دوراً كبيراً في عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، ما يعني أن العلاقات الخليجية الأوروبية تتجه لمزيد من الشراكة وتستند على أسس واضحة، ولا تعد علاقة مرتبطة بالظروف المتوترة عالمياً فقط.

رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=103573

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI

هوامش

US popularity shrinks worldwide, new report says
https://tinyurl.com/ccws7j5n

Four Years of U.S. Failure in the Middle East | Opinion
https://tinyurl.com/329n4n2k

The Arab Approach to Mediation—Reshaping Diplomacy in a Multipolar World
https://tinyurl.com/3brk4efz

East meets middle: China’s blossoming relationship with Saudi Arabia and the UAE
https://tinyurl.com/53kjk3ab

 **

Gulf Cooperation Council (GCC) and the EU
https://2u.pw/MK8Vn

Enhancing EU-Gulf Strategic Relations: An Analytical and Foresight-Driven Policy Framework
https://2u.pw/dmHea

EU trade relations with the Gulf region
https://2u.pw/fcj7GmPf

Lost in the Mix: The EU and the Complexities of an Evolving GCC-ASIA Relationship
https://2u.pw/IQhtM

**

“جسر بروكسل”.. قمة بنظرة مستقبلية لتعزيز التعاون بين أوروبا و”التعاون الخليجي”

https://shorturl.at/t3Co4

Opportunities and challenges in EU’s quest for closer ties with Gulf states

https://shorturl.at/Qwwct

EU-Gulf summit in Brussels addresses Middle East conflict and Ukraine war

https://shorturl.at/6oOtW

البيان المشترك للقمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية

https://shorturl.at/ctTQ1

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...