بون ـ جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي ECCI
أعلنت المعارضة السورية في بيان على التلفزيون الرسمي يوم الثامن من ديسمبر 2024، إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد الذي امتد 24 عاما في أول بيان من نوعه بعد تقدم خاطف للمعارضة المسلحة. ورد في البيان أنه “تم بحمد لله تحرير مدينة دمشق وإسقاط بشار الأسد”. وأضافت أنه تم إطلاق سراح جميع المعتقلين. ودخل أفراد قوات المعارضة السورية إلى القصر الرئاسي في دمشق، وهم يهتفون ” الله أكبر”. ويطلق على القصر اسم قصر الشعب، ويقع في منطقة المزة بغرب المدينة.
وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي قوات المعارضة وهي في ساحة القصر وعند بوابات الدخول. ولا يعرف مصير بشار الأسد إلى غاية اللحظة، إذ قال رئيس وزراء سوريا محمد غازي الجلالي إن مكان تواجد الرئيس الأسد ووزير دفاعه غير معروف منذ يوم السابع من ديسمبر 2024. وذكر مصدران من الجيش السوري نقلا عن وكالة رويترز، أن الأسد فرّ من البلاد فجر الأحد إلى وجهة غير معلومة.
ان سيطرة “جبهة تحرير الشام ” والفصائل المحلية المسلحة على مواقع للجيش السوري في عدة مدن سورية أبرزها حلب ومدن أخرى، تعكس هشاشة الوضع الأمني في المنطقة الجنوبية من سوريا، حيث تعاني هذه المناطق من توتر مستمر منذ اتفاقات المصالحة التي توسطت فيها روسيا في عام 2018.
التوقعات تتوقف على عدة عوامل محلية وإقليمية، وتشمل:
التصعيد العسكري : ردة فعل النظام السوري وحلفائه: من المتوقع أن ينفذ الجيش السوري مساعي عسكرية لاستعادة السيطرة ، خاصة إذا تضمنت هذه المواقع أهمية استراتيجية أو رمزية. قد يشهد الوضع تصعيدًا محدودًا إذا اقتصر الأمر على عمليات أمنية مركزة، أو تصعيدًا شاملًا إذا اعتبر النظام أن السيطرة على هذه المواقع تهدد نفوذه بشكل أكبر في المنطقة.
موقف القوى الإقليمية والدولية : روسيا، من المتوقع أن تضغط موسكو لإعادة التهدئة في المنطقة، خاصة أن جنوب سوريا يقع ضمن مناطق “خفض التصعيد” التي رعتها روسيا في المراحل السابقة. ويثيرالوجود الإيراني في الجنوب السوري حساسيات لدى إسرائيل، مما قد يدفع تل أبيب إلى تكثيف عملياتها الجوية، خاصة إذا استغل المسلحون المحليون الوضع لتهريب أو نقل أسلحة إلى جماعات مدعومة من إيران.
الأوضاع المحلية: رفض السكان المحليين للوجود العسكري: استمرار السخط الشعبي في درعا ضد النظام قد يؤدي إلى تعقيد محاولاته لاستعادة السيطرة بشكل كامل.
ظهور فصائل جديدة: إذا استمرت الفوضى، قد تظهر مجموعات مسلحة جديدة تحاول ملء الفراغ الأمني أو توسيع نفوذها.
احتمالات التسوية: من المحتمل أن تتدخل روسيا كوسيط لاحتواء التصعيد وإعادة الأمور إلى نصابها، ربما عبر اتفاق جديد يعيد ترتيب النفوذ في المنطقة.
اتفاقات محلية: ممكن أن تسعى الفصائل والنظام إلى التوصل لاتفاق محلي مؤقت يحفظ مصالح الطرفين.
انتشار قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور، غرب الفرات؟ ما التداعيات؟
انتشار قوات سوريا الديمقراطية قسد في مناطق شرق الفرات بمحافظة دير الزور، وخاصة تلك التي شهدت توترات مع العشائر العربية في الأشهر الأخيرة، يحمل تداعيات سياسية وأمنية معقدة على المستويات المحلية والإقليمية.
التداعيات المحتملة: التوتر مع العشائر العربية،إعادة إشعال النزاع: انتشار قسد في مناطق ذات غالبية عربية قد يُعيد التوتر مع العشائر العربية التي أبدت تحفظاتها أو مقاومتها لهيمنة قسد. داعش و”الجهاديون” في سوريا ـ ما أهمية البادية؟
تصاعد الاحتقان المحلي: قد يؤدي تجاهل قسد لمطالب العشائر في تحسين الإدارة المحلية وتوزيع الموارد بشكل عادل إلى تعزيز السخط الشعبي وزيادة احتمالات اندلاع مواجهات جديدة.
تعزيز النفوذ الأمريكي: التحكم بمصادر الطاقة: هذه المناطق تُعتبر غنية بالموارد النفطية، واستمرار انتشار قسد بدعم أمريكي يعزز السيطرة على هذه الموارد، ما يمنح واشنطن أدوات ضغط في الملف السوري.
تحجيم النفوذ الإيراني والنظام السوري: بقاء قسد شرق الفرات يُعقّد محاولات النظام وإيران للسيطرة على المنطقة ومواردها.
العلاقة مع تركيا: زيادة التوتر، أنقرة تعتبر قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، وأي توسع لها يُغضب تركيا، ما قد يدفعها لزيادة عملياتها العسكرية في الشمال السوري.
ضغط أمريكي: قد تستخدم الولايات المتحدة وجود قسد كورقة للتفاوض مع تركيا بشأن قضايا أخرى، مثل توسع الناتو ودور تركيا في المنطقة.
تأثيرات إقليمية: إيران والنظام السوري: انتشار قسد يعقّد وصول النفوذ الإيراني والنظام إلى مناطق شرق الفرات، ما يدفعهم إلى تكثيف الجهود لإضعافها عبر دعم حركات عشائرية معارضة أو تنفيذ عمليات عسكرية غير مباشرة. وترى موسكو في هذا الانتشار تحديًا لرؤيتها حول إعادة بسط سيادة النظام على كامل الأراضي السورية، لكنها قد تلتزم بموقف غير تصعيدي طالما الوضع لا يؤثر مباشرة على مناطق النفوذ الروسي.
التوازنات داخل قسد: قسد، التي تضم عناصر كردية وعربية، قد تواجه صعوبة في الحفاظ على وحدة صفوفها إذا تفاقمت الاحتجاجات العربية في المنطقة.
الأبعاد الاقتصادية: قسد تسيطر على موارد النفط والغاز في شرق الفرات، لكن سوء إدارة الموارد أو عدم توزيعها بشكل عادل قد يزيد التوترات، ما يؤثر على الاستقرار الاقتصادي المحلي.
التنافس على المعابر الحدودية: المنطقة تضم معابر استراتيجية على الحدود مع العراق، والسيطرة عليها تعني النفوذ على حركة التجارة وتهريب السلع. وسوف تعمل قسد إلى التفاوض مع العشائر لتخفيف الاحتقان وخلق نوع من الاستقرار النسبي. وإذا استمرت التوترات، قد تُشعل مواجهات جديدة مع العشائر أو محاولات من النظام وحلفائه لاختراق المنطقة.
الوجود الأمريكي يدعم قسد حاليًا، لكن أي تغيّر في السياسة الأمريكية، مثل انسحاب محتمل أو تقليص الدعم، قد يترك قسد في مواجهة مباشرة مع خصومها. بالتالي، سيظل الوضع في دير الزور زاخمًا بالتحديات الأمنية والسياسية التي تجعل من الصعب تحقيق استقرار طويل الأمد.
ماهي التوقعات للدور الإسرائيلي في سوريا؟
تزايد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، بما في ذلك الغارات قرب الحدود السورية اللبنانية، يعكس استراتيجية إسرائيلية مستمرة تهدف إلى تحقيق أهداف أمنية متعددة. إذا اقترن هذا النشاط بمستجدات مثل دخول “أبو محمد الجولاني” وفصائل هيئة تحرير الشام في صراعات جديدة داخل سوريا، فقد يكون للدور الإسرائيلي تداعيات معقدة.التوقعات لدور إسرائيل في سوريا:
مواصلة استراتيجية استهداف النفوذ الإيراني: ستواصل إسرائيل استهداف شحنات الأسلحة والبنية التحتية العسكرية المرتبطة بإيران وحزب الله، لا سيما في مناطق الحدود السورية اللبنانية ومحيط دمشق. والعمل على تقييد قدرة حزب الله: العمليات الإسرائيلية تهدف إلى منع حزب الله من تعزيز قدراته على الجبهة الشمالية، سواء من حيث تسليحه أو تطوير منظوماته الصاروخية الدقيقة.
تجد إسرائيل التوترات الداخلية السورية فرصة لتقليص خطر كل من النظام السوري وحلفائه الإيرانيين، وكذلك القوى المسلحة غير النظامية التي قد تشكل تهديدًا في المستقبل. وهنا يمكن أن تدعم إسرائيل ضمنيًا سيناريوهات تؤدي إلى تفتيت النفوذ داخل سوريا، ما يضمن عدم عودة النظام للسيطرة الكاملة أو تماسك أي قوة معارضة قوية.
التصعيد مع إيران وحزب الله: مخاطر توسيع المواجهة: الغارات الإسرائيلية المستمرة قد تؤدي إلى ردود إيرانية أو من حزب الله، سواء عبر الحدود السورية أو اللبنانية، مما قد يدفع إلى تصعيد إقليمي. وتعمل إسرائيل إلى استنزاف إيران وحزب الله عبر تصعيد محسوب داخل سوريا، ما يضعف دورهما في أي صراعات إقليمية أوسع. مكافحة الإرهاب ـ تداعيات سيطرة “جبهة تحرير الشام” على حلب؟
التدخل ضد “هيئة تحرير الشام”؟
الجولاني والهيئة: إذا دخلت هيئة تحرير الشام في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو اقتربت من الحدود في الجولان، فقد تتعرض لضربات إسرائيلية مباشرة. وهنا تفضل إسرائيل إبقاء الهيئة مشغولة في صراعاتها الداخلية وعدم تمكينها من تشكيل تهديد على الحدود.
التأثير على التوازن الإقليمي: سوف تعمل إسرائيل على التنسيق مع واشنطن لضمان استمرار الدعم السياسي والعسكري، خصوصًا ضد التهديد الإيراني ومن أجل تعزيز الدور العسكري الإسرائيلي قد يُستخدم لإرسال رسائل إلى دول عربية، بعضها منخرط في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، للتأكيد على أنها قادرة على مواجهة التهديدات المشتركة.
زيادة وتيرة الضربات: مع استمرار الوجود الإيراني، ستزيد إسرائيل من هجماتها، خصوصًا إذا رصدت تحركات لنقل أسلحة نوعية. ومن المرجح ان يكون هناك تصاعد التوتر مع حزب الله أو إيران في سوريا، لكن من المستبعد أن يتحول إلى مواجهة شاملة بسبب توازن الردع. وسوف تسعى إسرائيل إلى تتعاون بشكل غير مباشر مع مجموعات محلية في الجنوب السوري مثل فصائل المعارضة لخلق منطقة عازلة. ورغم النشاط العسكري، ستظل إسرائيل تعمل على استثمار نفوذها الدبلوماسي لكسب الدعم الدولي لعملياتها، خصوصًا لدى روسيا والولايات المتحدة.الدور الإسرائيلي في سوريا سيظل متركزًا على استراتيجية استباقية تهدف إلى منع أي تهديد استراتيجي من إيران أو حلفائها، مع استغلال التوترات الداخلية السورية لإضعاف خصومها وتحقيق أهدافها الأمنية والجيوسياسية.
تركيا : ماهو نوع الدعم ؟
تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن تقدم الفصائل المسلحة في سوريا وهدفهم “الوصول إلى دمشق” تحمل دلالات سياسية وعسكرية، وتعكس توجهات أنقرة تجاه الأزمة السورية. تحليل هذه التصريحات يتطلب النظر إلى طبيعة العلاقات بين تركيا والفصائل المسلحة، وسياق التطورات على الأرض. المقصود من التصريحات، رسالة سياسية موجهة للنظام السوري وحلفائه كرسالة ضغط، خصوصًا في ظل الجمود في المفاوضات السياسية أو التوترات على الحدود التركية السورية. وتعزيز شرعية التدخل التركي: أردوغان يسعى إلى تقديم تركيا كطرف مؤثر قادر على تغيير موازين القوى في سوريا، خاصة أمام القوى الإقليمية والدولية. وإن الحديث عن “الوصول إلى دمشق” قد يُفسَّر كرمز لتمكين المعارضة المسلحة، لكنه لا يعني بالضرورة نية فعلية لشن هجوم مباشر نحو العاصمة.
طبيعة الدعم التركي للفصائل المسلحة:
الدعم التركي للفصائل المسلحة في سوريا ليس جديدًا، لكنه تطور بمرور الوقت وفقًا للمصالح التركية: قدمت تركيا الدعم العسكري المباشر لعدة فصائل في الشمال السوري، سواء بالأسلحة الخفيفة أو الثقيلة. وتوفر إسناد مدفعي وجوي وإسنادًا عسكريًا أثناء العمليات المشتركة، مثل “غصن الزيتون” و”درع الفرات”. استخدمت تركيا ا الطائرات المسيّرة لضرب أهداف استراتيجية دعماً للفصائل، مما غيّر موازين القوة على الأرض.
تصريحات الرئيس التركي أردوغان تبدو أقرب إلى رسالة سياسية لإظهار قوة تركيا وتأثيرها في الملف السوري، لكنها لا تعكس خطة فعلية للوصول إلى دمشق. الدعم التركي للفصائل المسلحة يبقى متعدد الأشكال عسكري، لوجستي، سياسي، ويهدف إلى تعزيز موقف أنقرة في مواجهة النظام السوري وحلفائه، وتأمين مصالحها الاستراتيجية في الشمال السوري.
ماهي الأمكانيات والقدرات التي ممكن ان تقدمها إيران وروسيا إلى سوريا ؟
إن اجتياح أو توسع عسكري من قبل أبو محمد الجولاني و”هيئة تحرير الشام” في سوريا، ستعتبره روسيا وإيران تهديدًا مباشرًا لنفوذهما في البلاد، ما قد يدفعهما لتقديم دعم كبير للنظام السوري لمواجهة هذا التطور. الإمكانيات والقدرات التي قد تقدمها روسيا وإيران يمكن أن تشمل الآتي:
روسيا : الاستراتيجيات الميدانية، حملات برية منسق، تنسيق هجمات برية كبيرة بين الجيش السوري والقوات الإيرانية والروسية لاستعادة السيطرة على المناطق التي قد تسيطر عليها الهيئة. والتركيز على اغتيال قيادات الهيئة عبر الضربات الجوية أو العمليات الاستخباراتية الخاصة. وبدون شك فإن الدعم الروسي والإيراني سيؤدي إلى تصعيد عسكري كبير في الشمال السوري، مع احتمال امتداد القتال لمناطق أخرى.وهذا يعمل على إضعاف “هيئة تحرير الشام” من خلال التدخل المكثف لكنه قد يزيد تعقيد المشهد السوري ويطيل أمد الصراع. وأن التحركات الروسية ولإيرانية ضد الهيئة قد تدفع تركيا إلى إعادة تقييم موقفها، خاصة إذا امتد القتال إلى مناطق قريبة من نفوذها في إدلب. وهذا الدعم سيبقى مشروطًا بمدى الخطورة التي يمثلها توسع الجولاني على النظام السوري ومصالح حلفائه الإقليميين والدوليين.
المعابر الحدودية السورية
تعتبر الحدود مع تركيا الأطول، وتضم عدة معابر، أهمها:
باب الهوى ـ إدلب: يقع بين إدلب وولاية هاتاي التركية. يُعد شريانًا للمساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة. حاليًا تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.
باب السلامة ـ حلب: بين مدينة إعزاز وولاية كيليس التركية.
يقع تحت سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
جرابلس ـ حلب : يخدم المناطق الخاضعة للجيش الوطني السوري شرق حلب.
تل أبيض ـ الرقةيقع في منطقة تسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا.
معابر الحدود مع العراق شرقًا
القائم – البوكمال: يربط مدينة البوكمال السورية بمدينة القائم العراقية.
تسيطر عليه القوات الحكومية السورية بدعم من الميليشيات الإيرانية.
اليعربية ـ تل كوجر:يقع في محافظة الحسكة.
تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
كان شريانًا للمساعدات الأممية حتى إغلاقه بقرار من مجلس الأمن عام 2020.
الوليد التنف : يقع في منطقة التنف القريبة من المثلث الحدودي :سوريا-العراق-الأردن تسيطر عليه القوات الأمريكية وقوات المعارضة المدعومة منها.
معابر الحدود مع الأردن جنوبًا
نصيب – جابر: يُعتبر المعبر الرسمي الوحيد مع الأردن ويقع تحت سيطرة الحكومة السورية.
أعيد فتحه عام 2018 بعد سنوات من الإغلاق.
الركبان :يقع بالقرب من مخيم الركبان على الحدود السورية-الأردنية ويستخدم بشكل غير قانوني، مع التركيز على الحركة الإنسانية.
معابر الحدود مع لبنان غربًا
جديدة يابوس ـ المصنع: يربط دمشق ببيروت، وهو المعبر الأهم.
الدبوسية: يربط حمص بشمال لبنان.
القصير: يربط حمص بمنطقة البقاع اللبناني.
طرطوس – العبودية: يقع شمال غرب سوريا.
معابر الحدود مع فلسطين ـ إسرائيل جنوب غرب
معبر القنيطرة: يقع في الجولان السوري المحتل. يُستخدم بشكل محدود تحت إشراف الأمم المتحدة.
هل يعزز حزب الله وجوده في القصير بعد اجتياح الجولاني الى المدن السورية؟
تعزيز حزب الله لوجوده في مدينة القصير ومحيطها، وخاصةً بعد أي تحركات ميدانية رئيسية في شمال سوريا مثل اجتياح هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني لبعض المناطق، يمكن قراءته ضمن سياق استراتيجي وأمني أوسع. القصير، الواقعة على الحدود السورية-اللبنانية، تُعد منطقة حيوية بالنسبة لحزب الله للأسباب التالية:
الأهمية الاستراتيجية للقصير
القصير تمثل بوابة جغرافية بين لبنان وسوريا، خاصةً لمنطقة البقاع اللبنانية وتعتبر نقطة رئيسية لنقل الإمدادات والأسلحة من سوريا إلى لبنان، وهي جزء من “الممر البري” الذي يربط طهران ببيروت عبر العراق وسوريا، وإن سيطرة حزب الله على القصير تؤمن منطقة البقاع ومناطق نفوذه الرئيسية في جنوب لبنان.
إن اجتياح هيئة تحرير الشام لمناطق جديدة في شمال سوريا قد يثير قلق حزب الله وحلفائه بسبب: الخوف من تمدد المعارضة المسلحة، رغم أن نشاط الهيئة يتركز في الشمال، إلا أن أي تحرك نحو مناطق أخرى ممكن أن يدفع حزب الله لاتخاذ خطوات احترازية. الخشية من إعادة تنشيط خلايا معارضة في القصير والتي سبق وشهدت نشاطًا للمعارضة السورية، وقد يسعى حزب الله لضمان عدم تكرار ذلك.
هل تخسر إيران خطوط الدعم من طهران عبر سوريا إلى لبنان؟
إيران تعتمد بشكل كبير على سوريا كجزء من “الهلال الشيعي”، الذي يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق. سقوط نظام بشار الأسد أو حدوث تغييرات جوهرية في سوريا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قدرة إيران على الحفاظ على هذا الممر الاستراتيجي. اذا سيطرت معارضة أو قوى أخرى على سوريا، ستواجه إيران صعوبة في نقل الأسلحة والإمدادات إلى حلفائها في لبنان، خاصة حزب الله. قد تضطر إيران للبحث عن طرق بديلة، مثل العراق أو البحر المتوسط، لكن هذه الطرق أكثر تعقيدًا وأقل أمانًا. وإن انقطاع الممر سيضعف قدرة حزب الله على تعزيز ترسانته العسكرية، مما يحد من دوره الإقليمي. وممكن ان تعمل إيران على تعزيز نفوذها في العراق لتعويض الخسائر في سوريا، مما يعزز محورية العراق كجزء من هذا الممر. إن فقدان كامل للممر الإيراني من طهران إلى بيروت سيشكل ضربة استراتيجية كبيرة لإيران، خاصة فيما يتعلق بدعمها لحزب الله. مع ذلك، من غير المتوقع أن تتخلى إيران بسهولة عن نفوذها في سوريا، وستسعى لتأمين خطوط بديلة أو تعزيز وجودها في مناطق أخرى مثل العراق واليمن.
هل يمكن ان تكون جبهة النصرة في سوريا بديلاً إلى إيران؟
المخاوف الإسرائيلية والأمريكية من الإرهاب
تعتبر إسرائيل أي وجود لجماعات “جهادية “على حدودها الشمالية تهديدًا أمنيًا مباشرًا. حتى لو كانت الجبهة معادية لإيران، فإن أيديولوجيتها قد تؤدي إلى صراع مستقبلي مع إسرائيل. أما الولايات المتحدة، لديها سياسة طويلة الأمد بعدم دعم الجماعات الإرهابية، خاصة بعد دروس مؤلمة من سياسات مماثلة في أفغانستان والعراق. وهنا تفضيل قوات سوريا الديمقراطية قسد ،الولايات المتحدة تدعم قسد كحليف محلي في الحرب ضد الإرهاب، نظرًا لاعتدالها النسبي مقارنة بجبهة النصرة. ويمكن القول بإن الولايات المتحدة تعتمد سياسة “الاحتواء المزدوج” قد تكون أكثر قبولًا، حيث تعمل واشنطن وتل أبيب على إضعاف إيران وحلفائها دون تعزيز جماعات متشددة مثل النصرة.
التعاملات التكتيكية المحتملة
في حالات نادرة، قد تسعى أطراف غربية أو إسرائيلية إلى استغلال الانقسامات الداخلية بين الفصائل السورية، بما في ذلك النصرة، لتحقيق أهداف تكتيكية محدودة مثل: إضعاف النفوذ الإيراني، عبر خلق ضغوط على الميليشيات الإيرانية والنظام السوري. وتقليص تهديدات محددة، مثل منع سيطرة إيران على طرق أو مناطق استراتيجية. لكن هذا لا يعني تقديم دعم مباشر أو اعتبار النصرة شريكًا استراتيجيًا. لذا يمكن القول بإن من منظور أمريكي وإسرائيلي، جبهة النصرة ليست بديلاً مقبولًا عن إيران أو الميليشيات الإيرانية في سوريا. رغم وجود عداوة بين الجبهة وإيران، فإن الطبيعة الجهادية للجبهة، وأهدافها الأيديولوجية، وتصنيفها كمنظمة إرهابية تجعلها خيارًا غير وارد كحليف أو بديل استراتيجي.
ماهو موقف أوروبا من اجتياح الجولاني على مدن سورية؟
موقف الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا من اجتياح هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني لمدن سورية يندرج ضمن إطار سياسي وأمني يعكس مصالحه في استقرار المنطقة ومنع تصاعد التهديدات الإرهابية. هذا الموقف يتأثر بعدة عوامل رئيسية: إن توسع هيئة تحرير الشام يزيد من تعقيد إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة. الاتحاد الأوروبي يركز على ضمان استمرار دخول المساعدات عبر آليات الأمم المتحدة، والتي قد تتعرض لضغوط بسبب سيطرة الجولاني على معبر باب الهوى الرئيسي لإيصال المساعدات إلى إدلب. ويدعم الاتحاد الأوروبي الحل السياسي للأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ويرفض أي تصعيد عسكري من أي طرف، بما في ذلك هيئة تحرير الشام. وتركز الدول الأوروبية على تعزيز القوى المعارضة المعتدلة كبديل عن الجماعات المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام.
وكذلك العمل عبر الأمم المتحدة لإبقاء المساعدات الإنسانية بعيدًا عن سيطرة الهيئة، مع الضغط على جميع الأطراف لاحترام القانون الدولي.من المتوقع أن يستمر الاتحاد الأوروبي في إصدار بيانات إدانة لأي تمدد لهيئة تحرير الشام. ومن المتوقع أن تفرض الدول الأوروبية عقوبات جديدة على أفراد أو كيانات مرتبطة بالهيئة. داعش و”الجهاديون” في سوريا ـ تهديدات لازالت قائمة
ومن المتوقع جداً اتخاذ تدابير إضافية لمكافحة التطرف داخل أوروبا لمنع أي تأثير محتمل للجماعات “الجهادية “السورية . لذا يمكن القول بإن الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا ينظرون بحذر وقلق إلى أي تمدد لهيئة تحرير الشام في سوريا، نظرًا لتداعياته على الاستقرار الإقليمي، الأزمة الإنسانية، وزيادة التهديدات الإرهابية. الموقف الأوروبي يركز على الحل السياسي، رفض الجماعات المتطرفة، ودعم الجهود الإنسانية بالتنسيق مع الشركاء الدوليين مثل تركيا والأمم المتحدة.
كيف سكون مصير سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟
السيناريوهات المحتملة بناءً على الوضع الحالي والتحديات:
استمرار الفوضى والصراعات الداخلية : قد يؤدي سقوط النظام إلى فراغ في السلطة، مما يفتح المجال لتفاقم الصراعات بين الفصائل المسلحة والقوى المحلية المختلفة. الانقسامات العرقية والطائفية قد تعيق الوصول إلى توافق سياسي ، وممكن أن تشهد البلاد فترة من العنف والانهيار الأمني، على غرار ما حدث في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.
تقسيم سوريا : يمكن أن تؤدي الاختلافات العرقية والطائفية إلى تقسيم فعلي أو رسمي للبلاد إلى مناطق نفوذ: مناطق تحت سيطرة الأكراد، مناطق أخرى تحت سيطرة الفصائل المعارضة، ربما مناطق ذات نفوذ إيراني أو روسي. هذا السيناريو يعزز احتمال تدخلات خارجية أكبر.
نظام حكم انتقالي مدعوم دوليًا: قد يتفق اللاعبون الدوليون والإقليميون على صيغة انتقالية تؤدي إلى حكومة تمثيلية مؤقتة، بإشراف أممي. إن نجاح هذا السيناريو يعتمد على مدى التزام القوى الخارجية والمؤسسات الدولية بإعادة بناء سوريا سياسيًا واقتصاديًا.
صعود قوى متطرفة: في حالة غياب قيادة موحدة، قد تملأ الجماعات المتطرفة الفراغ، خاصة في المناطق التي تعاني من الفقر والحرمان، هذا السيناريو يمثل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي. التدخلات الخارجية: استمرار المنافسة بين القوى الإقليمية والدولية قد يعقّد الحلول.
النتائج
إن سقوط نظام بشار الأسد، يعني مرحلة جديدة ليس في سوريا وانما تغيير في خريطة سوريا وربما خريطة الشرق الأوسط في مجال اعادة توزيع القوى. إن مصير سوريا بعد سقوط نظام الأسد يعتمد على العديد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية. المشهد السوري معقد ومتداخل، ويصعب التنبؤ بمستقبله بدقة. لكن سيناريو سوريا ربما يكون قؤيبا من سيناريو ليبيا مابع مقتل القذافي: المتمثل بالفوضى وصعود الجماعات المتطرفة. قد يؤدي سقوط النظام إلى انتشار المقاتلين والجماعات الإرهابية إلى دول الجوار، مثل العراق ولبنان، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة، لكن من المبكر التوقع فب مثل هذا السيناريو، ويمكن ان يكون سيناريو ايجابي ان كانت مصالحة وطنية داخل سوريا، رغم ذلك فان هذا السيناريو من الصعب التكهن به في الوقت الحاضر.
تعتمد إيران بشكل كبير على سوريا كجزء من “الهلال الشيعي”، الذي يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق. سقوط نظام بشار الأسد أو حدوث تغييرات جوهرية في سوريا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قدرة إيران على الحفاظ على هذا الممر الاستراتيجي.
تصاعد الجماعات المتطرف، إذا حدث فراغ أمني نتيجة انهيار النظام دون وجود بديل سياسي مستقر، فقد تستغل الجماعات المتطرفة مثل داعش أو هيئة تحرير الشام الوضع لإعادة تنظيم صفوفها والسيطرة على أراضٍ جديدة. ظهور جماعات جديدة: مع سقوط النظام، قد تنشأ جماعات محلية جديدة تعتمد على الأيديولوجيا المتطرفة، مستغلة الشعور بالانتقام أو الفوضى.
إن سقوط نظام الأسد ممكن أن يؤدي إلى تصاعد الصراعات الطائفية، زيادة الاستقطاب الطائفي وهذا ما يعزز بيئة خصبة للجماعات المتطرفة التي تستغل الانقسامات الطائفية لتعزيز وجودها.
إذا لم تستطع المعارضة تحقيق الاستقرار والسيطرة على كامل الأراضي السورية، قد تستغل الجماعات المتطرفة مثل “داعش” و”القاعدة” الفراغ الأمني والسياسي للعودة أو تعزيز نفوذها. وتطرف المعارضة نفسها ، إذا كانت المعارضة منقسمة أو ذات طابع إيديولوجي قوي، قد يتحول بعضها نحو سياسات متطرفة أو دكتاتورية، خاصة في ظل الانقسامات الطائفية والعرقية. الصراعات الداخلية داخل المعارضة قد تؤدي إلى تشكل ميليشيات متطرفة جديدة.
تعتبر تركيا شريان الإمداد الأساسي للفصائل المسلحة، سواء بالأسلحة أو الإمدادات الطبية والغذائية. لذا يمكن القول بإن المناطق التي تسيطر عليها تركيا شمال سوريا تعمل كقاعدة خلفية للفصائل. وتحقيق مصالح أمنية، تركيا تريد القضاء على خطر الجماعات الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. وتستمر تركيا بدعم الفصائل المسلحة يتيح لأنقرة الاحتفاظ بنفوذ قوي في المعادلة السورية، بما يضمن دورها في أي تسوية سياسية مستقبلية.وتعمل تركيالإنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري توفر لها حماية أمنية وتستوعب اللاجئين.
من المرجح جداً إن يقوم حزب الله بتكثيف وجوده العسكري وتحصيناته في القصير والمناطق الحدودية القريبة وتعزيز شبكة التجنيد بين سكان القصير والمناطق المحيطة لزيادة الحاضنة الشعبية وتحقيق سيطرة طويلة الأمد وتوسيع النشاط الاستخباراتي لمراقبة أي نشاط قد يهدد وجوده. إن تعزيز وجود حزب الله في القصير قد يثير مخاوف إسرائيلية، خاصةً إذا كان يهدف لتعزيز نقل الأسلحة الاستراتيجية. إن تعزيز حزب الله لوجوده في القصير يبدو أمرًا منطقيًا في ظل استمرار التوترات في سوريا وتصاعد النشاط المسلح في الشمال. هذا التعزيز يهدف إلى حماية مصالحه الاستراتيجية على الحدود اللبنانية وضمان استمرار دوره العسكري والسياسي في سوريا ولبنان.
من المستبعد أن تعتبر الولايات المتحدة أو إسرائيل جبهة النصرة المعروفة حاليًا باسم هيئة تحرير الشام بديلاً استراتيجياً لإيران أوالمجموعات المسلحة الموالية الى إيران في سوريا، نظرًا لعدة عوامل، إن جبهة النصرة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من الدول الغربية. التعامل مع منظمة تحمل هذه الصفة يُعد خطًا أحمر سياسيًا، خاصة في ظل طبيعتها الجهادية المتشددة المرتبطة تاريخيًا بتنظيم القاعدة. وتتبنى الجبهة أيديولوجيا لا تتوافق مع القيم الغربية أو المصالح الإسرائيلية، مما يجعلها خيارًا غير قابل للتعاون.
تهدف هيئة تحرير الشام لإقامة نظام حكم إسلامي وفق رؤيتها المتشددة. هذا الهدف يتعارض مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية. لذا لا يمكن لواشنطن أو تل أبيب أن تغامر بخلق توازن جديد في سوريا عبر دعم جهة تُشكل تهديدًا على المدى البعيد للأمن الإقليمي والدولي. وإن الجبهة ليست بديلاً وظيفيًا حتى من منظور تكتيكي، جبهة النصرة لا يمكنها تحقيق نفس الأهداف الإيرانية، خصوصًا فيما يتعلق بخلق توازن طويل الأمد مع إسرائيل.
باتت هيئة تحرير الشام مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، أي تحركات عسكرية من قبلها تُقابل بإدانة باعتبارها انتهاكًا لحقوق الإنسان وتحديًا للاستقرار الإقليمي. الدول الأوروبية ترى في تعزيز سيطرة الجولاني خطرًا يهدد بزيادة التطرف والإرهاب العابر للحدود. تخشى أوروبا أن يؤدي تمدد هيئة تحرير الشام إلى تعزيز البيئة الحاضنة للجماعات “الجهادية” المتطرفة في سوريا. هناك مخاوف من استخدام سوريا مجددًا كقاعدة لتجنيد وتمويل وتدريب الإرهابيين الذين قد يستهدفون الدول الأوروبية.
إن توسع هيئة تحرير الشام وزيادة التوتر في شمال سوريا قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، مما يثير قلقًا أوروبيًا بشأن تدفق اللاجئين إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. الدول الأوروبية، خاصة تلك القريبة من البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وإيطاليا، تشعر بالضغط جراء أي تصعيد يهدد بتزايد الهجرة غير النظامية. الاتحاد الأوروبي ممكن ان يطلب من تركيا لضبط نفوذ هيئة تحرير الشام، باعتبار أن أنقرة تمتلك نفوذًا كبيرًا على الأرض في شمال سوريا.
رابط نشر مختصر … https://www.europarabct.com/?p=99203
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI