المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولنداECCI
أمن دولي ـ تهديدات ترامب .. ماذا عن الرد الإيراني والموقف الأوروبي؟ ملف
1 ـ أمن دولي ـ النهج التصعيدي لترامب بالضربات العسكرية وحسابات إيران الاستراتيجية
تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل متسارع في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تعكس التصريحات الرسمية والمناورات العسكرية تصعيدًا خطيرًا قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة. تأتي هذه التطورات في سياق سياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها واشنطن ضد طهران، بهدف كبح برنامجها النووي ومنعها من تحقيق تقدم يمكن أن يهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
السؤال الأبرز في الأوساط السياسية والعسكرية هو حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وما العوائق والتحديات التي تواجه هذا السيناريو. كما تثار التساؤلات حول مدى قدرة إيران على الرد، والدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الإقليمية والدولية في تهدئة أو تصعيد هذا النزاع المحتمل.
بعد مرور شهرين على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت معالم نهج الإدارة الجديدة تجاه الملف النووي الإيراني في الظهور. لا يزال باب الدبلوماسية مفتوحًا، ولكن هناك أيضًا إصرار واضح على زيادة الضغط على طهران، بما في ذلك من خلال التهديدات العسكرية.
من وجهة نظر العديد من المراقبين، أصبح من المسلّم به أن القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني باستخدام الوسائل العسكرية غير ممكن، وأن حتى الضربات المحدودة ستكون محفوفة بالمخاطر وذات فعالية محدودة. ومع ذلك، لا تزال التقييمات التقنية لهذه الادعاءات محدودة. فما هي الخيارات المتاحة لتنفيذ عمليات عسكرية لمنع الانتشار النووي؟ أمن دولي ـ ما أسباب تهميش الأوروبيين في محادثات أميركا وإيران حول الملف النووي؟
الأهداف المحتملة
يمكن للضربات العسكرية ضد إيران استهداف عدد من المواقع المرتبطة ببرنامجها النووي، بما في ذلك مواقع تحويل اليورانيوم، منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي، والمراكز البحثية. لكي يكون للهجوم تأثير مادي كبير، يجب أن يقضي على مخزون إيران من المواد الانشطارية أو يلحق ضررًا كبيرًا بقدراتها الإنتاجية.
في الوضع الحالي، يعني ذلك استهداف منشآت تخصيب اليورانيوم والمخزونات ذات الصلة. أشارت تقارير استخباراتية حديثة تحذر من احتمال تنفيذ إسرائيل لضربات ضد البرنامج النووي الإيراني إلى أن منشآت فوردو ونطنز، اللتين تستضيفان مرافق التخصيب وإنتاج أجهزة الطرد المركزي، هما من الأهداف المحتملة.
تقع بعض الأهداف الرئيسية المحتملة، مثل منشأة تخصيب الوقود في نطنز (FEP) ومنشأة فوردو لتخصيب الوقود (FFEP)، تحت الأرض. بالإضافة إلى ذلك، يتم بناء منشأة جديدة داخل جبل جنوب مجمع نطنز، من المتوقع أن تستضيف وحدة إنتاج أجهزة الطرد المركزي، رغم أن بعض التقارير تشير إلى احتمال استخدامها أيضًا لتخصيب اليورانيوم. وإن إلحاق ضرر كبير بهذه المنشآت تحت الأرض يتطلب قوة نارية هائلة، مما يطرح تحديات عملية ومخاطر تصعيدية.
التصعيد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط
مع تصاعد التوترات مع إيران، عزز الجيش الأمريكي وجوده في الشرق الأوسط من خلال إرسال المزيد من الطائرات الحربية، حسبما أعلن البنتاغون يوم الأول من أبريل 2025، وسط حملة قصف أمريكية مستمرة منذ أكثر من أسبوعين في اليمن وتزايد التوترات مع إيران. لم يحدد البنتاغون نوع الطائرات المنتشرة أو وجهتها الدقيقة. ومع ذلك، يقول الخبراء إن قاذفات B-2، التي تتمتع بتقنية التخفي وقادرة على حمل أقوى القنابل والأسلحة النووية الأمريكية، في وضع مثالي لتنفيذ عمليات في الشرق الأوسط.
المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران قد تتصاعد
أكدت القيادة الاستراتيجية للقوات الجوية الأمريكية وصول قاذفات B-2 Spirit إلى قاعدة دييغو غارسيا، مما يعزز استعداد واشنطن لأي عمل عسكري ضد إيران. دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس دونالد ترامب إلى تنفيذ ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، في إطار ممارسة ضغوط قصوى على طهران. ويقول مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل والتز، في 16 فبراير 2025: “الإدارة الجديدة ستتحدث إلى إيران فقط إذا قررت التخلي عن كامل برنامجها النووي، وليس الانخراط في مناورات كما حدث في المفاوضات السابقة.”
تشير التقاريروالتحليلات إلى أن المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران قد تتصاعد، سواء عبر الضربات الجوية أو من خلال الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية. في الوقت الذي تحاول فيه إيران الحفاظ على برنامجها النووي كورقة ردع، يبدو أن إدارة ترامب تتجه نحو ممارسة أقصى الضغوط العسكرية والاقتصادية لإجبار طهران على التراجع أو مواجهة عواقب وخيمة.
هوامش
[1]The Challenges Involved in Military Strikes Against Iran’s Nuclear Programme
[2]As Iran tensions build, US military moves warplanes to reinforce Middle East
[3]‘There Will Be a Bombing’: Trump Threatens to Attack Iran if No Nuclear Deal Reached
[4]Trump Maximalist Approach and Iran’s Strategic Calculus
2 ـ أمن دولي ـ أوروبا بين التصعيد الأمريكي وإيران، وسيط أم طرف في الأزمة؟
تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط تحركات عسكرية ودبلوماسية متسارعة تنذر بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط. وبينما تسعى واشنطن وإسرائيل إلى تشديد الضغوط على طهران، تتبنى الدول الأوروبية الكبرى، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مقاربة مختلفة تهدف إلى احتواء الأزمة عبر المسار الدبلوماسي.
كشفت الاجتماعات الوزارية الأوروبية الأخيرة يوم الثالث من أبريل 2025 في باريس، ولا سيما الاجتماع الطارئ لمجلس الدفاع الأوروبي في باريس، عن قلق متزايد إزاء سيناريو توجيه ضربة عسكرية أمريكية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، في حال فشل الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق جديد يحد من أنشطة طهران النووية. ويتزامن هذا القلق مع تعزيز واشنطن لقدراتها العسكرية في المنطقة، وسط تصعيد مستمر في الحملات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، ما دفع المحللين الأوروبيين إلى التساؤل عن مدى ارتباط هذه التحركات بتمهيد لضربة محتملة ضد إيران. [1]
في ظل هذه المعطيات، يبرز التساؤل الرئيسي: هل تستطيع أوروبا الحفاظ على سياستها المستقلة في التعامل مع الملف الإيراني، أم أنها ستجد نفسها مضطرة للتماشي مع النهج الأمريكي المتشدد تجاه طهران؟
وتاتي هذه المخاوف في أعقاب إعلان البنتاغون في الثاني من أبريل 2025 إن الولايات المتحدة عززت قدراتها العسكرية في الشرق الأوسط بمزيد من الطائرات الحربية، وسط حملة قصف أمريكية ضد الحوثيين في اليمن . وقال مسؤول أوروبي بارز إن الاستراتيجيين الأوروبيين يتساءلون عما إذا كانت هذه الحملة مقدمة لضربة أمريكية محتملة ضد إيران في الأشهر المقبلة.
ويتطلع وزراء من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وجميعهم أطراف في اتفاق 2015، لمناقشة الملف الإيراني مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال اجتماع وزاري لحلف الناتو.كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، والذي فرض قيودًا صارمة على الأنشطة النووية لطهران مقابل تخفيف العقوبات.
رغم ذلك فما زالت دول أوروبا تسعى إلى إيجاد مسار دبلوماسي بهدف التوصل إلى اتفاق للحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية بحلول الصيف، وقبل موعد انتهاء العقوبات الأممية المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في أكتوبر 2025. تقول دول أوروبا إن البرنامج النووي الإيراني يمثل جهدًا خفيًا لتطوير قنبلة ذرية، بينما تنكر إيران منذ فترة طويلة سعيها لامتلاك أسلحة نووية.[2]
الدعوات الأوروبية لخفض التصعيد ورفض التدخل العسكري: ترامب وإيران
تعتقد فرنسا بإن المواجهة العسكرية تبدو حتمية في حال عدم التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران عام 2025 هو العام الذي من المقرر أن ينتهي فيه الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي تم توقيعه عام 2015. ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 خلال إدارة ترامب الأولى، ظل الاتفاق في حالة “احتضار”. وفشلت جهود إحيائه أو التوصل إلى اتفاق أطول وأقوى بسبب فقدان الثقة، وسياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية، والأزمات الجيوسياسية والإقليمية، وخاصة الحرب في غزة. ومع انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة، ستنتهي أيضًا الأدوات القليلة المتبقية لفرض الضغوط على طهران، بما في ذلك آلية “سناب باك” (إعادة فرض العقوبات تلقائيًا) التي يمكن لأي طرف في مجلس الأمن الدولي تفعيلها. أمن دولي ـ الرد الإيراني المحتمل على تهديدات ترامب
وسوف لن يكون من السهل على القوى الأوروبية الثلاث (E3) والاتحاد الأوروبي تخصيص الإرادة السياسية المطلوبة لهذه المهمة، حيث إنهم منشغلون بمفاوضات ترامب مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإعادة تشكيله للهيكل الأمني الأوروبي، وسياسته التجارية القائمة على الرسوم الجمركية. لكن عدم التحرك قد يؤدي إلى تحدٍ أمني أسوأ، يتمثل في سياسة أمريكية تجاه إيران بدون أي مشاركة أوروبية، وربما اعتماد واشنطن على روسيا كوسيط. في هذه الأثناء، بدأت إيران بالفعل محادثات منفصلة مع الصين وروسيا لمناقشة القضايا النووية.
يٌذكر بانه لم تعقد طهران أي مفاوضات مباشرة مع المسؤولين الأمريكيين منذ انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة. ومحاولة ترامب العلنية في مارس 2025 للتواصل مع المرشد الأعلى لإيران من أجل التوصل إلى اتفاق جديد، بينما يهدد بضربات عسكرية، قوبلت برفض علني مماثل بسبب استمرار سياسة “الضغط الأقصى”. [3]
فرنسا تعقد اجتماعًا أمنيًا طارئًا بسبب التوترات بين إيران والولايات المتحدة
عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثالث من أبريل 2025 اجتماعًا في قصر الإليزيه مع وزراء ومسؤولين بارزين في قطاع الدفاع لمناقشة الوضع الأمني في إيران. يأتي هذا الاجتماع وسط تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، حيث تصدرت أجندته إمكانية تنفيذ هجوم مشترك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية.
تعكس هذه الخطوة تزايد القلق بين حلفاء أمريكا الأوروبيين إزاء المخاطر المتزايدة في المنطقة. وقد حذرت مصادر دبلوماسية من احتمال تنفيذ ضربة عسكرية مشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا لم تسفر المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران عن نتائج إيجابية. لقد تفاقمت هذه المخاوف بعد تصعيد العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك نشر حاملة طائرات أمريكية إضافية في الشرق الأوسط، والضربات الأخيرة على اليمن.[4]
تحذيرات فرنسية من مواجهة عسكرية وشيكة
حذر وزير الخارجية الفرنسي جان- نويل بارو من أن الفرص المتاحة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران تتضاءل بسرعة، مشيرًا إلى أن احتمال وقوع مواجهة عسكرية “يكاد يكون حتميًا” إذا فشلت المحادثات مع طهران .وفي تصريح نيابة عن البرلمان الفرنسي، قال بارو: ” بعد عشر سنوات من توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لا نزال مقتنعين بأنه يجب منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. أولويتنا هي التوصل إلى اتفاق يُبقي البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة بطريقة مستدامة وموثوقة. لدينا بضعة أشهر فقط قبل انتهاء الاتفاقية التي أُبرمت قبل عقد من الزمن بمبادرة من فرنسا. إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، فإن المواجهة العسكرية ستكون شبه حتمية، مما سيؤدي إلى تداعيات كارثية على المنطقة.”
هل دول أوروبا، لديها فرصة لاستعادة دورها كوسيط بين إيران والولايات المتحدة ؟
يمكن للقوى الأوروبية الثلاث (E3) أن تلعب دورًا محوريًا، حيث عقد ممثلوها بالفعل عدد من الأجتماعات بين نوفمبر 2024 وفبراير 2025 مع المسؤولين الإيرانيين لمناقشة نطاق ومستوى المفاوضات المباشرة. وبفضل عقود من الخبرة في التعامل مع طهران، وبإيجاد أرضية مشتركة مع واشنطن، يمكن لأوروبا أن تبدأ مفاوضات جديدة بشأن اتفاق نووي معدل. كما أن علاقاتها القوية مع إسرائيل ودول الخليج العربي قد تساعد في تأمين دعم إقليمي، ما قد يساهم في تجنب أخطاء الماضي وبناء اتفاق أكثر استدامة.
من المقرر أن تبدأ جولة جديدة من المفاوضات الأوروبية الثلاثية. وإذا أرادت أوروبا تجاوز حالة الجمود الحالية، فيجب عليها وضع جدول زمني واضح وصارم للتوصل إلى اتفاق قبل انتهاء آلية سناب باك، وتحديد نطاق المفاوضات والحوافز المتاحة. الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا) لن تسمح لإيران باللعب ضد الولايات المتحدة. بينما لم تتخلّ روسيا والصين عن الاتفاق النووي، وهما من أكبر مستوردي المنتجات والمواد الخام الإيرانية، إلا أن ترامب يفرض عليهما رسومًا جمركية كإجراء عقابي. حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أي تهدئة بين الولايات المتحدة وإيران.[5]
يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران. ففي مطلع شهر فيراير 2025، فرض عقوبات على شركات تجارية وشحن وأفراد يساهمون في تصدير النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية. وتعد هذه الحزمة الثانية من العقوبات ضد إيران خلال فترة حكمه القصيرة.
بدورها، فرضت الاتحاد الأوروبي سابقاً “إجراءات تقييدية” ضد إيران، بعضها مرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان مثل إعدام المتظاهرين، وبعضها الآخر مرتبط بالحرب الروسية ضد أوكرانيا ودعم الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. التقارير كشفت بإن عائدات مبيعات النفط الإيراني الخاضعة للعقوبات مباشرة تذهب إلى خزائن الدولة، مما مكّنها من الاستمرار في دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن في حربهم ضد إسرائيل، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها إيران. [6]
الاتحاد الأوروبي وألمانيا بين مطرقة إيران وسندان الولايات المتحدة
إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران جعل العالم أكثر خطورة. فالتوترات الحالية في الخليج تهدد باندلاع نزاع عسكري في منطقة غير مستقرة أصلًا، وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية في مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، مما قد تكون له تداعيات خطيرة على التجارة العالمية.
تسعى واشنطن لإرسال سفن حربية إلى الخليج لضمان حرية الملاحة ضد إرادة إيران. بينما قررت الحكومة البريطانية الجديدة، على عكس سابقتها، المشاركة في عملية بحرية تقودها الولايات المتحدة. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز التحالف الأنجلو- أمريكي، لكنها تضعف فرص التعاون الأمني المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي. تسعى بريطانيا لعقد اتفاقية تجارة حرة سريعة مع واشنطن، رغم أنها لا تزال قانونيًا مقيدة بالاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن مبدأ “أمريكا أولًا” الذي يتبناه ترامب قد ينعكس على بريطانيا أيضًا، حيث يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني جونسون يبالغ في تقدير نفوذه وعلاقته بالرئيس الأمريكي.
العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإيران
بذلت دول الاتحاد الأوروبي جهود كبيرة للحفاظ على التجارة مع الشركات الإيرانية، لكنها لم تحقق نجاحًا يذكر. الشركات الألمانية المتوسطة الحجم، التي استثمرت في إيران ، تكبدت خسائر فادحة بسبب العقوبات الأمريكية، حيث تراجعت الصادرات والاستثمارات الألمانية الضئيلة أساسًا إلى حد كبير نتيجة لهذه العقوبات. وهذا يعني بأنه لا ترغب أي شركة في المخاطرة بمخالفة العقوبات الأمريكية، لأن العديد من المنتجات المصدرة تحتوي على مكونات أمريكية، مما يجعلها خاضعة للحظر. إضافة إلى ذلك، يخشى رجال الأعمال الألمان من أن تحد هذه العقوبات من قدرتهم على السفر وإجراء الأعمال في الولايات المتحدة مستقبلاً.
منذ البداية، لم تتمكن جهود المفوضية الأوروبية من حل مشكلات تمويل الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران. رغم جميع الوعود التي قُدمت للشركات حول إيجاد طرق للالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلا أن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها. فقد بقي كل من آلية “إنستكس” التي طورتها المفوضية الأوروبية، والمؤسسة الإيرانية المقابلة لها “معهد التجارة والتمويل الخاص”، عديمي الفاعلية بسبب هذه العقوبات.
من جهتها، تتوقع إيران أكثر من مجرد دعم معنوي من الاتحاد الأوروبي، لكنها لن تحصل على التعويضات التي تطالب بها عن خسائرها الاقتصادية. وفي الوقت الذي تتدهور فيه العلاقات الأوروبية الإيرانية، تبقى الصين وروسيا حلفاءً ثابتين لطهران، مع تحقيق الصين لمكاسب كبيرة في هذا السياق. بالنسبة للشركات الألمانية، يبقى الأمل قائماً في تحسن الأوضاع بعد انتهاء عهد ترامب، وحتى ذلك الحين، من المستحسن أن تحافظ هذه الشركات على علاقاتها مع شركائها الإيرانيين دون قطعها نهائياً.[7]
3 ـ أمن دولي ـ الرد الإيراني المحتمل على تهديدات ترامب ودور وكلائها الإقليميين
إيران: تفاوض أو المخاطرة بالحرب
الهجمات ضد الحوثيين أضفت مصداقية على تحذير ترامب المبطن بأنه إذا لم يتم إحراز تقدم في وقف وتراجع التقدم النووي الإيراني ـ الذي يبدو أنه أوصل البلاد إلى عتبة امتلاك الأسلحة النووية ـ فإن الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو كلاهما، قد تنفذ ضربات عسكرية مدمرة ضد المنشآت النووية الإيرانية. سعت إدارة ترامب إلى تعزيز الرسالة بأنها مستعدة لضرب البرنامج النووي الإيراني من خلال إجراء تدريبات جوية مشتركة مع إسرائيل، شاركت فيها قاذفة أمريكية من طراز B-52 – القادرة على حمل قنابل تخترق المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض وطائرات إسرائيلية من طراز F-15I وF-35I، حيث مارست التنسيق العملياتي… لتعزيز قدرتهم على التعامل مع… التهديدات الإقليمية.
وتدرك إيران أن قدرتها على التصدي لضربة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة قد تضاءلت بشكل كبير منذ أن دمرت إسرائيل أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا في إيران خلال ضربة في أكتوبر 2024.إذن، رغم أن لدى إدارة ترامب العديد من عناصر استراتيجية متماسكة تجاه الشرق الأوسط، إلا أن هناك الكثير مما قد يسوء في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
بدايةً، قد يكون من الصعب كبح جماح الحوثيين على الرغم من حملة عسكرية مطوّلة. وربما تتحدى طهران واشنطن برفض التفاوض بشأن برنامجها النووي ما لم تبدأ الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات. يمكن أن تجبر هذه السيناريوهات البيت الأبيض على تصعيد عملياته بشكل كبير ضد الحوثيين، وربما اللجوء إلى هجوم عسكري واسع على إيران أو التراجع والظهور بمظهر الضعف. وقد تنهار الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار في لبنان وسوريا، مما يجعل البلدين عرضة لتجدد التدخل الإيراني ونشاط حزب الله. وقد تتحول غزة إلى مستنقع طويل الأمد لإسرائيل ومصدر رئيسي للتوتر يعوق جهود الولايات المتحدة في تعزيز التعاون الأقوى مع الشركاء الإقليميين. [ 8]
استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط تتمحور حول إبرام صفقة مع إيران. غزة قد تعيق ذلك
يقول مستشار لخامنئي : “لن يكون أمامنا خيار سوى الحصول على أسلحة نووية إذا تعرضنا لهجوم”، وحذر مستشار للمرشد الأعلى بأن إيران “ستضطر إلى الحصول على سلاح نووي” إذا تعرضت لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو أحد حلفائها. وفي هذا السياق، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال في السفارة السويسرية ، التي تمثل المصالح الأمريكية في إيران ، عقب تهديدات الرئيس الأمريكي. وقال الجنرال أمير علي حاجي زاده، وهو قائد رفيع في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني: “الأمريكيون لديهم على الأقل 10 قواعد في المنطقة المحيطة بإيران، ولديهم 50 ألف جندي”. وأضاف المسؤول عن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني: “من يكون في غرفة زجاجية، لا يجب أن يرمي الآخرين بالحجارة”. [9]
“إيران :’لا خيار’ سوى الحصول على أسلحة نووية إذا تعرضت لهجوم
منذ توليه منصبه في يناير 2025، أعاد ترامب تطبيق سياسة “الضغط الأقصى”، والتي شهدت خلال فترته الأولى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق تاريخي بشأن البرنامج النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على طهران. الاحتكاكات بين الولايات المتحدة وإيران تتزايد دون وجود أي مؤشر على بدء مفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، مع تهديد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجوم إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. حالة الجمود المستمرة تزيد من خطر وقوع مواجهة عسكرية مباشرة في الشرق الأوسط المتوتر بالفعل.
لكن رغم ذلك الدول الأوروبية تحث إيران على الدخول في محادثات لمعالجة المخاوف بشأن تقدم برنامجها النووي. في ظل حالة عدم اليقين، من غير المعروف ما إذا كانت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران ستزداد. فمواجهة عسكرية شاملة لن تزعزع استقرار الشرق الأوسط فقط، بل ستؤثر مباشرة على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب الثانية.[10]
الرئيس الإيراني:” إيران مستعدة للدفاع عن أراضيها بعد إنذار ترامب” قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن إيران مستعدة للرد على أي هجوم أمريكي، مضيفًا أن بلاده لن تقبل الإنذارات التي تصدر عن إدارة ترامب فيما يخص المحادثات النووية. [11]
رئيس البرلمان الإيراني:” القواعد الأمريكية ستُضرب إذا هاجم ترامب إيران“
قال رئيس البرلمان الإيراني يوم 28 ابريل 2025 إن طهران ستضرب القواعد الأمريكية في المنطقة إذا نفذت واشنطن تهديدها بعمل عسكري ضد إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق نووي جديد.وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا الشهر إنه بعث برسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، محذرًا من أن “هناك طريقتين يمكن التعامل بهما مع إيران: عسكريًا، أو عبر التوصل إلى اتفاق”.أمن دولي ـ النهج التصعيدي لترامب بالضربات العسكرية وحسابات إيران
وقال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف: “إذا هاجم الأمريكيون إيران، فإن المنطقة بأكملها ستنفجر مثل شرارة في مستودع ذخيرة”. وأضاف: “قواعدهم وقواعد حلفائهم لن تكون آمنة”. جاءت تصريحاته في خطاب مباشر خلال يوم القدس السنوي أواخر شهر مارس 2025. وصف خامنئي رسالة ترامب بأنها خادعة، وقال وزير الخارجية عباس عراقجي في أعقاب ذلك،إن المحادثات مستحيلة ما لم تغير واشنطن سياستها القائمة على “الضغط الأقصى” و أن إيران درست رسالة ترامب بدقة وأرسلت “ردًا مناسبًا عبر سلطنة عمان”.[12]
العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية وفرص التهدئة
تتمتع إيران بالقدرة على تنفيذ ضربات ضد أهداف بعيدة عن منطقة الخليج باستخدام سفن مزودة بأسلحة طويلة المدى وعبر تفعيل وكلاء حول العالم. وبعبارة بسيطة، فإن رد إيران قد يكون عقابيًا ودمويًا جدًا، مع احتمال حقيقي في جر دول الخليج التي تستضيف قوات أمريكية، بالإضافة إلى أصحاب المصالح المعتمدين على الطاقة من المنطقة، إلى صراع أوسع.
كانت التصعيدات تقتصر على ضربة وردّ. وبعد ذلك، توقف الجميع عن التصعيد. هذا قد يكون الحال في هذه الحالة أيضًا، لكن محاولة سحق البرنامج النووي الإيراني عسكريًا تمثل مستوى تصعيد آخر تمامًا، لذلك من غير الممكن التنبؤ بمدى التصعيد وسرعته.
هل ستشارك إسرائيل في ضربة ضد إيران؟
القوة الجوية الإسرائيلية وقدراتها العسكرية الأخرى ستكون ذات قيمة كبيرة، لكن إشراكها سيزيد على الفور من حدة الوضع المتفجر أصلًا. حتى الآن، لا شيء واضح. ترامب مقرب جدًا من نتنياهو، ومن الواضح أن الإدارة الحالية في القدس سترغب بشدة في المساعدة في القضاء على أخطر قدرات خصمها الأكبر إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لتولي القيادة. رغم أن سلاح الجو الإسرائيلي قوة ذات خبرة ومجهزة بشكل جيد، إلا أنه لا يستطيع تحقيق نفس النتائج في ما يتعلق بضرب البرنامج النووي الإيراني باستخدام القوة الجوية وحدها دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة.[13]
التحذيرات الإيرانية المتبادلة بشأن الخليج
عندما كانت إيران في أكتوبر 2024 تستعد لرد إسرائيلي على هجومها الصاروخي المباشر الثاني على إسرائيل، حذّرت دول الخليج من أنها ستقصف منشآتها النفطية ردًا على أي ضربة إسرائيلية. تلك التحذيرات المبنية على أساس المعاملة بالمثل سمحت لإيران بردع ضربة إسرائيلية ضد منشآتها للطاقة في ذلك الوقت. ومع ذلك، إذا استخدمت الولايات المتحدة “قاعدة دييغو غارسيا” لمهاجمة إيران، فيمكنها تجنب المجال الجوي لدول الخليج تمامًا. هذا يمنح إيران خيارات أقل لردع الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية من خلال التهديد بضرب الخليج. وكانت إيران وراء الهجوم الذي وقع عام 2019 على منشآت النفط التابعة لأرامكو السعودية. لكن إيران والممالك الخليجية السنية قد أصلحت العلاقات منذ ذلك الحين.
قال بهنام بن طالبلو، الخبير في الشأن الإيراني لدى مركز “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في واشنطن، على منصة X، إنه على الرغم من أن مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية محدد علنًا بـ2000 كيلومتر، إلا أنه يمكن لإيران أن تضرب الجزيرة من خلال تزويد الحوثيين بصواريخ باليستية متوسطة المدى قد تكون قادرة على إنتاجها، أو من خلال إطلاق طائرات مسيّرة من طراز شاهد من السفن، أو باستخدام صواريخ كروز تُطلق من حاويات، وهي من إنتاج روسيا والصين، للهجوم من المحيط الهندي.[14]
جماعات مسلحة عراقية تُصدر إنذارًا لترامب بشأن القوات الأمريكية
قال مسؤول كبير في مجموعة عراقية مسلحة، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجب أن يفي بالتزام سلفه بسحب القوات من البلاد بحلول نهاية العام، وسط سلسلة من التصعيدات التي أعادت الشرق الأوسط مرة أخرى إلى حافة صراع أكبر. وقال فراس الياسر، عضو المجلس السياسي ل “حركة النجباء” : “ترامب مُلزَم بسحب قواته من العراق بحلول نهاية عام 2025، ويجب عليهم الالتزام بوعودهم للحكومة العراقية”، هكذا نحن نعلم أن القوات الأمريكية المحتلة لا يمكنها الصمود أمام ضربات المقاومة المتقدمة والحديثة”.
تعد حركة النجباء جزءًا من مظلة الفصائل العراقية التي تعمل تحت راية “المقاومة الإسلاموية في العراق”. ويشمل هذا التكتل الائتلاف الأوسع المعروف بـ”محور المقاومة”، المتحالف مع إيران، والذي تدخل نيابة عن حركة حماس الفلسطينية في حربها مع إسرائيل، والتي سُميت بـ”طوفان الأقصى”. وعلى الرغم من أن الفصائل العراقية قد أوقفت إلى حد كبير حملتها من الهجمات الصاروخية ضد القوات الأمريكية منذ فبراير 2024، إلا أن التوترات التي تشمل كلًا من الولايات المتحدة وإسرائيل قد اشتعلت مجددًا في الأسابيع الأخيرة.أمن دولي ـ هل بدات الحرب على إيران؟
وجاءت تصريحات الياسر بعد أيام فقط من كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن بغداد تلقت مؤشرات على خطط إسرائيلية وشيكة لضرب البلاد. وقال حسين مطلع شهر أبريل 2025 إن الخطر الفوري قد تم تجنبه، لكن تهديد العمل العسكري الإسرائيلي لا يزال قائمًا.
وأكد رئيس الوزراء السوداني (محمد شياع السوداني) على الشراكة الدائمة بين الولايات المتحدة والعراق ضد داعش، مع التأكيد على أن “خفض التصعيد والحوار هما الوسيلتان الأكثر فاعلية لمعالجة الأزمات في منطقة حساسة وحيوية مثل الشرق الأوسط”، وفقًا لما جاء في بيان صادر عن مكتبه.
لكن الياسر حذّر من أن “ترامب ارتكب خطأً فادحًا في عملياته العسكرية ضد الشعب اليمني، وكذلك في إعطائه الأوامر للكيان المحتل لاستئناف عملياته ضد الفلسطينيين في غزة، لأن هذا كشف للعالم أن أمريكا لا تلتزم بوعودها، وأن قادتها لا يمكن الوثوق بهم”. [15]
تقييم وقراءة مستقبلية
هل سيوجه ترامب ضربة عسكرية لإيران؟
ـ يسعى ترامب إلى تعزيز صورته كرئيس قوي ماقبل انتخابات 2028. إن أي تصعيد كبير قد يواجه معارضة من الكونغرس، خاصة من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين المتشككين في جدوى الحرب.
ـ من الواضح أن لدى واشنطن القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة، لكن تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل صعب للغاية نظرًا لانتشاره في منشآت تحت الأرض. وهناك مخاوف أمريكية من انتقام إيراني واسع النطاق، سواء عبر ضربات مباشرة أو هجمات تشنها أذرع إيران :حزب الله، الحوثيون، والجماعات المسلحة العراقية.
ـ أما إسرائيل، فهي تدفع بقوة نحو العمل العسكري، لكنها قد تواجه تحفظات من دول خليجية تخشى التصعيد المباشر. يبقى الموقف الأوروبي رافضًا للحل العسكري، ويفضل المسار الدبلوماسي، بينما تحاول الصين وروسيا عرقلة أي تحرك أمريكي عبر مجلس الأمن، لكن تأثيرهما الفعلي محدود في حال قررت واشنطن التحرك منفردة.
ـ احتمالات الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران، سيناريو ضربة أمريكية واسعة ضد إيران ،باستهداف منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، ومواقع إنتاج الصواريخ والمسيرات. وتنفيذ هجوم متزامن على مواقع الحرس الثوري للحد من قدرة إيران على الرد الفوري. هذا السيناريو يحمل مخاطر تصعيد إيراني كبير، مثل قصف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، أو استهداف إسرائيل مباشرة.
ـ سيناريو ضربات محدودة ضد منشآت معينة، استهداف مواقع نووية محددة دون توجيه ضربات واسعة.مع تنفيذ عمليات سيبرانية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، كما حدث في هجوم ستوكسنت 2010.هذا السيناريو يقلل من خطر اندلاع حرب شاملة، لكنه قد يدفع إيران إلى تسريع تخصيب اليورانيوم بدلًا من التراجع.
ـ سيناريو تصعيد الضغط بدون ضربة عسكرية، استمرار التصعيد الكلامي والتهديدات لإجبار إيران على تقديم تنازلات دبلوماسية وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية كبديل للحرب. هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا إذا نجحت الجهود الأوروبية في التهدئة أو أظهر الرأي العام الأمريكي معارضة للحرب.
ـ الموقف الإيراني ورد الفعل المتوقع، من المتوقع إن إيران لن تقدم تنازلات جوهرية، لكنها قد تتجنب الرد العنيف لتجنب حرب مفتوحة. في حال وقوع هجوم، من المرجح أن يكون رد طهران عبر وكلائها بدلًا من مواجهة مباشرة. وقد تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز، مما قد يؤدي إلى أزمة نفطية عالمية وضغوط دولية على واشنطن لوقف التصعيد. إن نشر قاذفات أمريكية جديدة أو تحركات غير معتادة في الخليج، فقد تكون مؤشرات مبكرة على نية الضربة.
**
ـ من الواضح أن هناك تباينًا بين الموقف الأوروبي والموقف الأمريكي تجاه إيران. فقد رفضت ألمانيا وفرنسا، ومعهما العديد من الدول الأوروبية، نهج “الضغط الأقصى” الذي تبنته إدارة ترامب، وفضلت اتباع استراتيجية أكثر توازناً تقوم على الحوار والدبلوماسية.
ـ من المتوقع أن تستمر دول أوروبا في مقاومة الضغوط الأمريكية لإرسال قوات بحرية إلى الخليج، إذ تدرك أن مثل هذا التصعيد قد يؤدي إلى وقوع حوادث عسكرية غير محسوبة العواقب.
ـ ممكن أن تلعب دول أوروبا، خاصة فرسا، دور الوسيط، لكنها بدأت تُظهر قلقًا متزايدًا بشأن فشل المفاوضات النووية واحتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية إسرائيلية لإيران.
ـ قد تواجه أوروبا صعوبات أكبر في الحفاظ على وحدتها بشأن السياسة الإيرانية، خاصة إذا استمرت إدارة ترامب في الضغط على الدول الأوروبية وتهديدها بعقوبات اقتصادية، مثل فرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية. رغم المساعي الأوروبية للحفاظ على قنوات الاتصال مع إيران، فإن قدرتها على منع تصعيد عسكري ستكون محدودة للغاية بسبب عدم امتلاك الاتحاد الأوروبي نفوذاً عسكريًا كبيرًا في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة. والتأثير الاقتصادي الضعيف لدول أوروبا على إيران بعد فشل آلية INSTEX في تجاوز العقوبات الأمريكية، مما أدى إلى انهيار التجارة الأوروبية الإيرانية.
فإذا قررت الولايات المتحدة وإسرائيل تنفيذ ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، فمن المرجح أن يكون الدور الأوروبي محصورًا في الوساطة الدبلوماسية واحتواء تداعيات الصراع بدلًا من منعه.
ـ الاقتصاد الأوروبي، الألماني لديه مصلحة حيوية في إبقاء طرق الملاحة البحرية مفتوحة، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطالب بإصرار بإرسال سفن حربية أوروبيةـ ألمانية إلى الخليج، مما يضع الحكومة الألمانية ودول أوروبا في موقف حرج عن قصد. ترامب معروف بقراراته المتقلبة وغير المنسقة، وهناك خطر كبير من وقوع حادث عسكري يمكن أن يؤدي إلى نزاع حول المسؤولية عنه. لهذا السبب، لا ترغب الحكومة الألمانية في الانجرار إلى مثل هذا الصراع.
ـ هناك اختلاف جوهري بين أهداف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في سياستهما تجاه إيران، حيث ترفض برلين وبعض دول أوروبا بشكل صريح “استراتيجية الضغط الأقصى” الأمريكية ضد إيران، وتؤيد بدلاً من ذلك تنفيذ مهمة مراقبة بحرية بقيادة أوروبية، وهو توجه يحظى بدعم الأحزاب الحاكمة وحتى حزب الخضر في ألمانيا. كما أن فرنسا تدعم حلاً أوروبياً، لكن لا يزال هناك حاجة لإقناع شركاء أوروبيين آخرين.
ـ تعتبر المحافظة على قنوات الحوار مع إيران أمراً حاسماً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لأنه بدون ذلك، لن يكون هناك أي أمل في التوصل إلى حل دبلوماسي لإنقاذ الاتفاق النووي. في هذا السياق، ترى أوروبا أن الولايات المتحدة جزء من المشكلة وليس الحل.
من المتوقع أن يستغل الرئيس ترامب رفض ألمانيا وبعض دول اوروبا، لمطالبه كذريعة جديدة لوضعها في موقف الاتهام، والتشكيك في ولائها للتحالف الغربي. إن رفض ترامب المتكرر للسياسات الألمانية والأوروبية غالباً ما يكون مصحوباً بتهديدات بفرض عقوبات اقتصادية، مثل فرض رسوم جمركية على السيارات الألمانية كوسيلة للعقاب.
ـ تعيش دول أوروبا اليوم في واحدة من أكثر الفترات الحرجة منذ الحرب العالمية الثانية. فلطالما كانت الولايات المتحدة الحليف الذي وفر “المظلة الأمنية” ضد التهديدات الروسية المحتملة، لكنها الآن تتحول إلى منافس تجاري، وربما حتى إلى خصم.
ـ أدت التطورات الجيوسياسية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية إلى اتساع الفجوة بين ضفتي الأطلسي، مما دفع أوروبا إلى إعادة تقييم سياساتها، خاصة في مجال الأمن والدفاع، وإدراك ضرورة تحملها مسؤولية أمنها القومي بشكل مستقل.
ـ التحدي الأكبر الآن يكمن في كيفية رسم أوروبا لخارطة مصالحها بعيدًا عن الولايات المتحدة، ومدى قدرتها على تحقيق ذلك. فالضغوط الأمريكية على أوروبا كبيرة، ويبدو أن ترامب يسعى إلى “جرّ” القارة العجوز إلى أي مواجهة محتملة مع إيران، وربما في مناطق صراع أخرى مثل الصين، معتبرًا ذلك ثمنًا لما قدمته بلاده لأوروبا من “مظلة دفاعية” منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى دورها في تحرير أوروبا من النازية.
ـ أوروبا، اليوم بين المطرقة والسندان في ظل التصعيد الأمريكي تجاه إيران. وهذا ما دفع الدول الأوروبية الكبرى، لا سيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (E3)، إلى تبني موقف مغاير تمامًا للولايات المتحدة في التعامل مع طهران. فالدول الأوروبية لا ترغب في الانخراط في حرب جديدة مع إيران، نظرًا للخسائر المحتملة التي قد تلحق بمصالحها، فضلًا عن التهديدات التي قد تطال الممرات البحرية، مما سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية سلبية، في وقت تعاني فيه بالفعل من أزمات اقتصادية متفاقمة نتيجة الحرب في أوكرانيا.وعليه، يُتوقع أن تحافظ أوروبا على موقف “المراقب”، وتسعى لحماية مصالحها بدلًا من الانجرار إلى صراعات جديدة إلى جانب واشنطن.
ـ ماينبغي أن تقوم به الدول الأوروبية الثلاث التحرك بسرعة فالبديل هو الانزلاق إلى تصعيد نووي أو عسكري، مما سيزيد من تعقيد المشهد الأمني الأوروبي المتوتر بالفعل، وسيجعله أكثر خطورة وعدم استقرار.
ـ أما فيما يتعلق بتقدير الموقف بين إيران وإدارة ترامب، فيبدو أن المرحلة الحالية تتسم بـ”تصعيد الضغط” الأمريكي لدفع إيران نحو المفاوضات، وإجبارها على التراجع عن دعم جماعة الحوثي. وتشير التطورات إلى أن هذه الاستراتيجية بدأت تؤتي ثمارها، إذ أدركت إيران حجم التهديدات التي أطلقها ترامب، ولجأت إلى الخيار الدبلوماسي من خلال إعلانها سحب دعمها للحوثيين، في محاولة لنزع فتيل الأزمة.
هذا التطور قد يفتح الباب أمام مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران، وكأن العالم يشهد إعادة تشكيل لمفاهيم العلاقات الدولية وموازين القوى، بعيدًا عن السياقات التقليدية التي حكمت النظام الدولي لعقود.
ـ بات من الواضح أن إيران متورطة في دعم العديد من الجماعات المسلحة اقليمياً وهذا مايسبب العديد من الأزمات لدول الغرب، ما تحاول الولايات المتحدة الأن هو اضعاف الدور الإيراني في هذه المرحلة.
**
إن تصريحات رئيس البرلمان الإيراني بأن “المنطقة ستنفجر مثل شرارة في مستودع ذخيرة” تعكس تحول الخطاب الإيراني من الردع إلى التهديد المباشر باستخدام القوة. ومع تصريح ترامب بأنه “لا يوجد سوى خيارين: عسكري أو اتفاق”، يبدو أن الطرفين قد وصلا إلى حالة اشتباك لفظي قد تسبق العمل العسكري. إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، فإن خطر الضربة الأمريكية ـ وربما الإسرائيلية ـ ضد منشآت نووية إيرانية قد يصبح واقعيًا خلال صيف 2025، خاصة مع تصاعد الضغط الداخلي على ترامب لإظهار الحزم أمام إيران.
ـ الرد الإيراني المحتمل لن يكون فقط مباشرًا، بل هجينًا عبر استهداف القواعد الأمريكية في الخليج والعراق. ومن خلال تفعيل وكلائها الإقليميين حزب الله، الحوثيين، الفصائل العراقية لضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية. أي ضربة مزدوجة (أمريكية-إسرائيلية) ستؤدي على الأرجح إلى رد جماعي من محور المقاومة على أكثر من جبهة، وخاصة في الجولان وجنوب لبنان.
ـ استخدام أدوات بحرية وصاروخية ضد الشحن والطاقة في الخليج، وهو ما يهدد الاقتصاد العالمي. تصعيد بهذا النطاق قد يفضي إلى مواجهة إقليمية واسعة، مع احتمال كبير لانخراط إسرائيل، مما يدفع بالخليج إلى قلب المعركة، سواء أرادت أم لا.
ـ إن مشاركة إسرائيل في أي ضربة ـ حتى وإن كانت غير مباشرة ـ ستؤدي إلى انفجار إقليمي ومن المرجح ان تشارك إسرائيل استخبارياً استخباريًا وجويًا.
ـ دول الخليج لا تريد الدخول في حرب شاملة مع إيران. وقد تسعى إلى لعب دور وساطة محايد، أو الضغط على واشنطن لعدم شن هجمات انطلاقًا من أراضيها، لتجنب الرد الإيراني المباشر على منشآتها النفطية.
ـ رغم التهديدات من كلا الطرفين، هناك عدد من عوامل الردع المتبادل التي قد تمنع تحول التوتر إلى حرب شاملة، إن إيران تدرك أن أي هجوم مباشر على قواعد أمريكية سيستدعي ردًا قوياُ. وترامب يعلم أن حربًا واسعة في الخليج قد تؤثر على الاقتصاد الأمريكي وتحالفاته قبل الانتخابات النصفية القادمة.وسطاء مثل سلطنة عمان، قطر، وربما أوروبا، قد يتدخلون في اللحظة الأخيرة لتخفيف التصعيد وفتح قناة تفاوض سرية.
نحن أمام مرحلة انتقالية خطرة، حيث باتت كل الأطراف تقف على حافة الهاوية. التحول من التصعيد الكلامي إلى المواجهة المحدودة أو “ضربة-رد- تهدئة” يبدو مرجحًا أكثر من حرب شاملة، ولكن كل خطوة خاطئة قد تقود إلى دوامة غير محسوبة.
رابط نشر .. https://www.europarabct.com/?p=103203
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
هوامش
[1]Trump’s Middle East strategy is all about striking an Iran deal. Gaza could get in the way.
[2]‘Texting War Plans’—Trump Team Breach Illustrates Business Security Threat
[3] Iran will have ‘no choice’ but to get nukes if attacked, says Khamenei adviser
[4] Iran Ready To Defend Territory From US After Trump Ultimatum: President
[5]Iran speaker says US bases will be struck if Trump attacks Iran
[6]Iran and U.S. Threat of War: Seven Signs To Watch
[7]Gulf states refuse to be launching pad for any US attacks against Iran
[8]Exclusive: Iraq Militia Issues Trump Ultimatum on US Troops
**
[9]France says military confrontation seems inevitable if no new Iran nuclear deal
[10]Military confrontation seems inevitable if no new Iran nuclear deal, France says
[11]The US and Iran are on the road to escalation. Europe can and should create an off-ramp
[12]Scharfe Töne zwischen den USA und dem Iran
[13]Europe’s Strategic Position Between Iran and the United States
146]Europa sollte den USA folgen
[15]Die EU und Deutschland im Spannungsfeld zwischen dem Iran und den USA