بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)
يشهد الأمن البحري في البحر الأحمر تهديدات متزايدة تؤثر على حركة الملاحة والتجارة العالمية في ظل تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية، كذلك التعاون الإيراني الاستخباري والعسكري مع جماعة الحوثيين. مما زاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية، وتداعيات ذلك على الاستقرار الإقليمي والدولي. بالتزامن مع الجهود الدولية لمواجهة التهديدات الحوثية، مثل الضربات الأمريكية في مارس 2025 والمهمة الأوروبية في البحر الأحمر.
ما هي مراحل الهجمات الحوثية في البحر الأحمر؟
أفاد تقرير في نوفمبر 2024 أن ألحوثيين نفذوا حملة تجنيد، مكَّنت من حشد قوة قوامها (350) ألف مقاتل، مقارنة بـ(220) ألفا في عام 2022. ويسيطر الحوثيون على المناطق الشمالية الغربية من اليمن، بما في ذلك صنعاء. وأنشأ الحوثيون خنادق ومخابئ جديدة لتجنب استهدافهم من قبل الولايات المتحدة. وتُمثل الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون أكثر من (60%) من اليمن.
استهدفت الهجمات الأميركية المواقع التي أنشئت حديثا وأجبرت قيادة الحوثيين على الاختباء، وقد قام القادة بإغلاق هواتفهم المحمولة أو التخلص منها لتجنب اكتشافهم، مما أدى إلى قطع الاتصالات. وشنّ الحوثيون أكثر من (100) هجوم على سفن الشحن منذ نوفمبر 2023، وقسم الحوثيون هجماتهم البحرية في البحر الأحمر إلى خمس مراحل:
ـ المرحلة الأولى: هجمات تركز على الصواريخ التي تطلق على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر اعتبارًا من نوفمبر 2023.
ـ المرحلة الثانية: توسّعت الهجمات في ديسمبر 2023 لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. كما أصبحت السفن التي لها صلات مباشرة أو غير مباشرة بإسرائيل أهدافًا، بالإضافة إلى السفن التي زارت الموانئ الإسرائيلية.
ـ المرحلة الثالثة: استهدفت هجمات الحوثيين في يناير 2024 السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.
ـ المرحلة الرابعة: توسعت الهجمات في مايو 2024 لتشمل السفن التي يمتلكها مالكوها/مشغلوها سفنًا تزور الموانئ الإسرائيلية.
ـ المرحلة الخامسة: هذه المرحلة التي تم الإعلان عنها عقب إطلاق الحوثيين طائرة “يافا” المسيرة على تل أبيب في 19 يوليو2024، تأتي استكمالاً للمراحل السابقة. أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
حجم التأثير الاقتصادي الدولي والإقليمي لهجمات الحوثيين
ارتفعت أسعار النفط الخام في 17 مارس 2025 عقب الضربات العسكرية الأمريكية على الحوثيين، ردًا على هجمات الجماعة على سفن تجارية في البحر الأحمر. ومع ذلك، من المتوقع أن يستمر تدهور التوقعات الاقتصادية في الضغط على أسعار النفط . في حال إغلاق البحر الأحمر على المدى الطويل، ستتحمل أوروبا والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط العبء الأكبر. سيؤثر أي انقطاع طويل الأمد لحركة الملاحة عبر البحر الأحمر على أسعار الطاقة، وخاصةً على المستهلكين في أوروبا.
انخفض متوسط حركة المرور بباب المندب وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي حتى 22 يناير 2024، إلى (46%) مقارنةً بالفترة نفسها من العام 2023. وبلغت حركة مرور قناة السويس (63%) مقارنةً بالعام 2023، بينما ارتفعت حركة مرور رأس الرجاء الصالح بنسبة (70%) ويؤدي ازدياد تحويلات السفن إلى زيادة تكاليف الوقود والعمالة، مع انخفاض متوسط كمية حركة البضائع التي تصل إلى وجهتها.
من أين يحصل الحوثيون على المعلومات لاستهداف السفن؟
لا يمتلك الحوثيون تقنية الرادار اللازمة لاستهداف السفن لذلك إنهم بحاجة إلى مساعدة من إيران، يستغل الحوثيون المعلومات الاستخباراتية البحرية المتاحة تجاريًا لتحديد مواقع السفن في البحر الأحمر ومهاجمتها. بالإضافة تقديم القادة ومستشارو الحرس الثوري الإيراني المعلومات والبيانات والدعم الاستخباراتي لتحديد أي من العشرات من السفن التي تمر عبر البحر الأحمر وتشكل أهدافا للحوثيين. فضلًا عن المعلومات الاستخباراتية يتم جمعها بواسطة سفن إيرانية في البحر الأحمر ثم نقلها إلى الحوثيين.
يقول “نيكوس جورجوبولوس” خبير الأمن البحري في ديابلوس “بالطبع، أثبت الحوثيون أنهم يستخدمون معلومات بحرية أساسية وعامة مثل نظام التعريف التلقائي”، ولكن لشن هجماتهم بنجاح، فإنهم بحاجة إلى المزيد”. لديهم أيضا إمكانية الوصول إلى معلومات ليست سرية، لكن يصعب الحصول عليها. ولا بد من خبرة في مجال الاستخبارات البحرية لمعرفتها”.
هل تستطيع إيران تمكين الحوثيين من قطع كابلات الاتصالات البحرية؟
نقلت إيران منذ عام 2015 أنظمة أسلحة متطورة إلى الحوثيين، بما في ذلك أنظمة صواريخ باليستية تم استخدامها في هجمات ضد السفن البحرية، بما في ذلك السفن التجارية. هدد الحوثيون بتخريب كابلات الاتصالات البحرية الحيوية، بما في ذلك خطوط الإنترنت، التي تمر تحت البحر الأحمر والتي تربط آسيا بأوروبا. وذكرت الجماعة أنها تمكنت بسهولة من الوصول إلى خرائط تظهر التقاء كابلات الاتصالات البحرية التي تمر عبر سواحلها، أثناء مرورها عبر مضيق باب المندب.
يقول قائد الغواصات السابق في البحرية الملكية البريطانية الأدميرال “جون جوير” تعليقا على التهديدات بتخريب الكابلات: “أعتقد أن هذا مجرد خدعة، ما لم يكن هجوما على محطة طرفية”. وأضاف “إن الأمر سيحتاج إلى حليف يتمتع بالقدرة، لديه غواصة بالإضافة إلى القدرة على تحديد موقع الكابلات”. أوضح القائد السابق في البحرية الملكية البريطانية “توم شارب”: “لم أر شيئًا في أسطول المعركة الإيراني يمكن أن يمس هذه الكابلات، وبالتأكيد ليس غواصاتهم”. وتابع “الغوص خيارٌ وارد، لكنه عميقٌ، لذا أعتقد أنه سيكون مُرهقًا”. ويتفق القائد “شارب” مع الأدميرال “جون جوير” قائلاً: “أعتقد أن هذه مُخادعة”. أمن دولي ـ التطور الدبلوماسي لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين
جهود دولية لتقويض قدرات الحوثيين
أطلق الاتحاد الأوروبي مهمته البحرية “ASPIDES”، في 19 فبراير 2024، كعملية دفاعية أمنية بحرية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر وحماية حرية الملاحة من هجمات الحوثيين. قرر الاتحاد الأوروبي تمديد “ولاية عملية الأمن البحري للاتحاد الأوروبي لحماية حرية الملاحة فيما يتعلق بأزمة البحر الأحمر “EUNAVFOR ASPIDES” حتى 28 فبراير 2026″. بعد مراجعة استراتيجية للعملية البحرية، حيث تجاوزت الميزانية المرجعية (17) مليون يورو. بالإضافة إلى تعزيز نظام “ASPIDES” من خلال تمكينه من جمع المعلومات الاستخباراتية وجمع البيانات المتعلقة بتجارة الأسلحة والأساطيل الموازية.
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في ديسمبر 2023، عن إطلاق عملية “حارس الازدهار” وهي عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، تشمل الدول المشاركة بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، من خلال دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
استهدفت الضربات الأمريكية معاقل الحوثيين المعروفة بتواجد بنيتهم التحتية وقواعد الحوثيين ودفاعاتهم الصاروخية. تبدو الضربات الأمريكية للحوثيين، مختلفة عن سابقاتها، إذ هناك اتفاق بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وقادته العسكريين على توسيع نطاق الأهداف، لتتجاوز المنشآت وخطوط الإمداد للحوثيين، لتركز على استهداف قياداتهم، وقد كان لافتًا استهداف الغارات، لمناطق سكنية يعيش فيها بعض من قادة الحوثيين في اليمن.
أشار تقرير في مارس 2025 أنه يوجد ثلاثة أهداف، للضربات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن وهي: منصات إطلاق صواريخ حوثية كانت تُنقل نحو الساحل استعدادا لهجمات جديدة على السفن، وقيادات الحوثيين المختبئين، ورسالة إلى إيران مفادها أنها قد تكون التالية. ولكن الهدف الأول، للعمليات الأخيرة التي تستهدف الحوثيين، ربما يتعدى الشأن الحوثي الداخلي، إلى الارتباطات والتعقيدات الأقليمية في المنطقة. فبعد أن ساعدت إسرائيل في تدمير قوة حزب الله اللبناني، ستسعى إلى تصفية قدرات الحوثيين.
تداعيات الهجمات الأمريكية على جماعة الحوثي
فر قياديون في جماعة الحوثي في اليمن من العاصمة صنعاء التي يسيطرون عليها إلى المناطق الريفية، عقب الغارات الجوية الأميركية. وصدرت تعليمات لأعضاء رفيعي المستوى بمغادرة منازلهم بسبب التهديد بمزيد من الضربات الجوية الأميركية. ويتجنب الأعضاء داخل الجماعة الأماكن العامة. وعدم الكشف عن أماكن تواجد كبار المسؤولين الحوثيين.
يرى “إيلي كارمون” الباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب “إن زعماء الحوثيين يبدو أنهم شددوا الاحتياطات ردًا على التطورات الأخيرة، بما في ذلك الضربات الخمس التي شنتها إسرائيل على اليمن، وعشرات الضربات التي تقودها الولايات المتحدة على أهداف للحوثيين في اليمن منذ يناير 2024، والهجمات الإسرائيلية على قادة وكلاء إيران في أماكن أخرى من المنطقة. وتعتقد “أبريل لونجلي ألي” الباحثة في معهد السلام الأمريكي “إن الحوثيين من المرجح أن يكونوا متشككين في استخدام تكنولوجيا الإرسال، خاصة بعد أن استخدمت إسرائيل أجهزة الاتصالات لمهاجمة حزب الله في سبتمبر 2024، ففجرت أولاً آلاف أجهزة النداء المزورة ثم مئات أجهزة الاتصال اللاسلكية المزورة التي سلمتها سراً إلى الجماعة اللبنانية”.أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
تقييم وقراءة مستقبلية
– يتضح أن الحوثيين يواصلون تطوير استراتيجياتهم البحرية لتصعيد نطاق هجماتهم عبر البحر الأحمر، ما يمكن أن تؤدي تلك التصعيدات إلى مزيد من التوترات بين الحوثيين وإسرائيل.
– يبدو أن المجتمع الدولي بصدد زيادة الضغط على الحوثيين، سواء من خلال عمليات عسكرية مثل “ASPIDES” أو “حارس الازدهار” أو عبر تحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية. هذا يشير إلى احتمال تصاعد الصراع العسكري في البحر الأحمر بشكل أكبر، مع تداعياته على استقرار المنطقة.
– يمكن القول أن قيام إيران بتمكين حليف لها من تخريب كابلات الإنترنت البحرية في العالم سيكون خطوة محفوفة بالمخاطر من جانب طهران.
– من المرجح أن تشن جماعة الحوثي ضربة انتقامية، ربما تستهدف مجموعة حاملة الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر أو القواعد الأمريكية في المنطقة.
– من المحتمل أن لا تؤدي هذه الحملة إلى الإطاحة بنظام الحوثيين، وهي خطوة من شأنها أن تلحق ضرراً بالغاً بالوجود الإيراني في هذه المنطقة الاستراتيجية وقد تؤثر على قدرتهم على العمل على المدى القصير.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=102306
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
هوامش
Houthi Shipping Attacks: Patterns and Expectations for 2025
https://tinyurl.com/mr2437tu
The Houthis’ Next Target May Be Underwater
https://tinyurl.com/5yhd525k
Iranian Spy Ship Helps Houthis Direct Attacks on Red Sea Vessels
https://tinyurl.com/ypvbad76
Is This Game Over for the Houthis?
https://tinyurl.com/267fm5s5