المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
أمن دولي ـ تسليم صواريخ توروس الألمانية إلى أوكرانيا ، الاحتمالات والتداعيات الجيوسياسية
يتصاعد الخلاف بشأن تسليم صواريخ توروس عالية الدقة إلى أوكرانيا! في حين يظل زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز منفتحًا على هذا الأمر، فإن شريك الائتلاف “الأشتراكي” المستقبلي يعارضه. والآن ينضم ماتياس ميرش، الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى المناقشة. وقال ميرش يوم يوم 15 أبريل 2025 في برنامج “Frühstart” على شبكتي RTL و و ntv ” لقد كنا ضد ذلك دائمًا”. وحول هذا القرار، أكد: “أفترض أننا لا نريد المساهمة في التصعيد هنا، ولا نريد أن نصبح طرفاً في الحرب”. الحزب الاشتراكي الديمقراطي يحذر: صواريخ تاوروس كونها قد تساهم في التصعيد .
وفقًا لوزارة الخارجية الروسية، فإن تسليم واستخدام صواريخ “توروس” الألمانية سيمثل تدخلاً مباشرًا من قبل ألمانيا في النزاع. وقد حذّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، بحسب ما نقلته وكالات الأنباء الروسية، من أن قصف البنية التحتية الحيوية باستخدام صواريخ “توروس” يُعد مشاركة مباشرة من جانب ألمانيا – مع كل العواقب التي قد تترتب على ذلك. أما المستشار الألماني المرتقب، فريدريش ميرتس (من الحزب الديمقراطي المسيحي CDU)، فقد كرر مؤخرًا دعمه لتسليم هذه الصواريخ إلى أوكرانيا. صواريخ “توروس” (Taurus) هي صواريخ كروز بعيدة المدى دقيقة التوجيه، قادرة على إصابة أهداف استراتيجية على مسافات تصل إلى نحو 500 كلم. وتملك هذه الصواريخ القدرة على ضرب البنية التحتية الحيوية داخل الأراضي الروسية، ما يجعل استخدامها مثيرًا للجدل سياسيًا وأمنيًا.
الانقسام السياسي داخل ألمانيا
يعارض وزير الدفاع الألماني الحالي من الحزب الاشتراكي SPD تسليم هذه الصواريخ، خوفًا من تصعيد مباشر مع روسيا. لكن فريدريش ميرتس، الزعيم المحافظ والمستشار الجديد المرتقب من الحزب الديمقراطي المسيحي CDU)، يدعم تسليم “توروس”، في إطار دعم أقوى لأوكرانيا وتعزيز موقفها العسكري ضد روسيا. تبقى احتمالات تسليم صواريخ توروس مرتفعة ، خاصة إذا تولى ميرتس فعليًا منصب المستشار وفرض رؤية أكثر تشددًا تجاه روسيا. سيكون التسليم مشروطًا غالبًا بضمانات من أوكرانيا بعدم استهداف العمق الروسي لتقليل مخاطر التصعيد المباشر.
التداعيات والمخاطر
إن اعتبار روسيا لتسليم “توروس” انخراطًا مباشرًا في الحرب قد يؤدي إلى خطوات انتقامية من موسكو، سواء عبر الرد العسكري أو توسيع الاستهداف في أوكرانيا. احتمال توجيه ضربات سيبرانية أو هجينة ضد ألمانيا كرد على تسليم هذه الأسلحة. وسيؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي بين الدول المؤيدة للتصعيد في تسليح أوكرانيا (مثل بولندا والبلطيق) والدول المتحفظة مثل المجر وسلوفاكيا وربما فرنسا. قد تُجبر ألمانيا على زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز جاهزيتها العسكرية تحسبًا لرد فعل روسي. أمن ألمانيا القومي ـ ألمانيا ترفض تسليم صواريخ طويلة المدى إلى أوكرانيا، فما السبب؟
هذا التسليم سيُعتبر تحولًا نوعيًا في الدعم العسكري الغربي، لأن “توروس” تتيح لأوكرانيا ضرب أهداف استراتيجية في العمق، وهو ما لم يكن ممكنًا من قبل بهذا الشكل. إن تسليم صواريخ “توروس” يمكن أن يُعتبر انخراطًا غير مباشر لكنه جوهري في الحرب، ويزيد من احتمالات التصعيد بين روسيا وألمانيا. ورغم أن الخطوة تحمل أهمية استراتيجية كبرى لأوكرانيا، إلا أنها قد تُعرض ألمانيا لمخاطر سياسية وأمنية لم تواجهها منذ بدء الحرب، بما في ذلك إمكانية أن تُدرجها روسيا في خانة “الأعداء المباشرين”.
الاحتمالات والتداعيات الجيوسياسية
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، شهد المشهد الأوروبي تحولًا تدريجيًا في سياسات التسليح، لاسيما من جانب ألمانيا التي تخلّت عن حيادها التاريخي وساهمت في دعم أوكرانيا عسكريًا. مؤخرًا، عاد الجدل بقوة حول إمكانية تسليم برلين صواريخ “توروس” (Taurus) الدقيقة بعيدة المدى إلى كييف. وفي ظل تمسك وزير الدفاع الألماني برفض الخطوة، يقابل هذا الموقف ضغط متصاعد من المعسكر المحافظ بقيادة المستشار المرتقب فريدريش ميرتس الذي يطالب بدعم عسكري نوعي لأوكرانيا. إلا أن تحذيرات موسكو من أن هذا التسليم سيمثل “تدخلًا مباشرًا” لألمانيا في الحرب يطرح تساؤلات عميقة حول التداعيات والمخاطر السياسية والأمنية لهذا القرار.
صواريخ “توروس”: القدرات التقنية والأهمية الاستراتيجية
تُعد صواريخ “توروس” من فئة الصواريخ المجنّحة الموجهة بدقة، والمصممة لاختراق الدفاعات الجوية وضرب أهداف استراتيجية محصنة على مدى يتجاوز 500 كيلومتر. وبفضل نظام التوجيه الدقيق الذي يجمع بين GPS والملاحة بالقصور الذاتي والتعرف البصري على التضاريس، يمكن للصاروخ إصابة أهداف مثل مخازن الذخيرة ومراكز القيادة والبنية التحتية الحيوية من دون الحاجة إلى دعم مباشر من الطائرات. ما يجعل “توروس” سلاحًا استثنائيًا لأوكرانيا، هو قدرته على الوصول إلى العمق الروسي، واستهداف خطوط الإمداد الخلفية، بما في ذلك جسور مهمة مثل جسر كيرتش الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، ما يغيّر قواعد الاشتباك. أمن ألمانيا القومي ـ كيف تساهم أنظمة باتريوت الألمانية في في تعزيز قدرات الدفاع الجوي لبولندا وأوكرانيا؟
الانقسام السياسي الألماني: تباين المواقف بين الحكومة والمعارضة تشهد ألمانيا انقسامًا حادًا بشأن تسليم “توروس”. فالحكومة الائتلافية بقيادة المستشار أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD تتحفظ بشدة على الأمر. ويبرر شولتس موقفه بالخوف من تصعيد غير محسوب مع روسيا، ويدعو إلى التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة وعدم الانفراد بقرارٍ قد يُفسّر كتصعيد من طرف الناتو.
في المقابل، يدعو فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) والمستشار المرتقب، إلى تسليم فوري لصواريخ “توروس”، معتبرًا أن تردد الحكومة يضعف موقف أوكرانيا ويطيل أمد الحرب. ويمثل ميرتس جناحًا أكثر تشددًا في السياسة الخارجية، ويدعو إلى تعزيز الردع الألماني والدفاع الأوروبي ضد ما يعتبره “عدوانية روسية متصاعدة”.
الموقف الروسي ـ تحذير من التدخل المباشر
أطلقت موسكو تحذيرات شديدة اللهجة ضد أي محاولة لتسليم “توروس”. وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن قصف البنية التحتية الحيوية باستخدام هذا النوع من الصواريخ سيُعد “مشاركة مباشرة من ألمانيا في الحرب” مع كل ما قد يترتب على ذلك من “عواقب”. يُفهم من هذه التصريحات أن موسكو قد ترد على تسليم “توروس” عبر وسائل متعددة، بدءًا من التصعيد العسكري داخل أوكرانيا، وصولًا إلى تهديدات سيبرانية وهجينة ضد ألمانيا، أو حتى خطوات عسكرية رمزية تحمل رسائل ردع واضحة.
السيناريوهات المحتملة
في حال استمرت الحكومة الألمانية الحالية في موقفها، قد يتم تجميد الملف إلى حين تولي ميرتس منصبه، أو قد يتم التوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة والناتو تنأى بألمانيا عن التصعيد. السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تسليم محدود ومشروط، بحيث يتم ربط استخدام “توروس” بعدم استهداف العمق الروسي، بل فقط في أراضي أوكرانيا المحتلة، مثل شبه جزيرة القرم أو مناطق دونباس. هذه الضمانات قد تُستخدم لتهدئة المخاوف الأوروبية والداخلية الألمانية من التصعيد. في حال اتجهت ألمانيا نحو دعم مفتوح لأوكرانيا تحت ضغط ميرتس والتحولات الجيوسياسية، قد تتم الموافقة على التسليم دون قيود صارمة، ما يفتح الباب أمام مواجهة أكثر حدة مع موسكو.
مخاطر التصعيد
يشكل تسليم “توروس” تصعيدًا نوعيًا، قد يدفع روسيا إلى الرد بوسائل غير تقليدية، خصوصًا ضد منشآت البنية التحتية الحيوية الأوروبية :الطاقة، الاتصالات، النقل . إذا أقدمت ألمانيا على خطوة منفردة من دون توافق مع الحلفاء، فقد يؤدي ذلك إلى اضطراب داخل حلف الناتو، خاصة إذا تسببت الخطوة في تصعيد روسي مباشر. تملك روسيا سجلًا طويلًا في شن هجمات سيبرانية وهجينة ضد خصومها. وقد تكون ألمانيا هدفًا رئيسيًا في حال اتخذت موقفًا هجوميًا علنيًا، خاصة على مستوى البنية التحتية الحساسة والمؤسسات الحكومية. في المقابل، قد يُنظر إلى القرار على أنه إشارة على عزم ألمانيا استعادة مكانتها كقوة أوروبية قائدة، خاصة في ظل تراجع الدور الفرنسي والغموض الأميركي المتوقع في ظل إدارة ترامب المحتملة.
عندما تعرف أوروبا ان تقديم الصواريخ هو انخراط في الحرب وتهديد لأمنها القومي، إذاً لماذا تستمر بتزويد أوكرانيا بالصواريخ ؟
سؤال، يعكس التناقض الحقيقي الذي تعيشه ألمانيا ودول أوروبا الغربية منذ بدء الحرب: فكيف توازن بين دعم أوكرانيا وردع روسيا من جهة، وبين تجنب الانزلاق في مواجهة مباشرة تهدد أمنها القومي من جهة أخرى؟ يمكن أن تكون الدوافع كما يلي:
الخوف من انتصار روسيا
دول أوروبا ترى أن انتصار روسيا في أوكرانيا سيشكل تهديدًا مباشرًا للمنظومة الأمنية الأوروبية، خاصة لدول شرق أوروبا (بولندا، دول البلطيق). فنجاح موسكو في أوكرانيا قد يشجّعها على التوسع أو ابتزاز الدول الأوروبية سياسيًا وأمنيًا.لذلك، الدعم العسكري – بما فيه الصواريخ – يُنظر إليه كـ”استثمار دفاعي مسبق”، أي أن أوروبا تدفع الآن لتجنب تكلفة أكبر لاحقًا، في حال اضطرت للدفاع المباشر عن حدود الناتو.
تقديم الدعم دون تجاوز “الخطوط الحمراء“
أوروبا تحاول دائمًا أن تحافظ على “الغموض البنّاء”، أي تزوّد أوكرانيا بالأسلحة، ولكن تُبقي خطوطًا حمراء، مثل منع استخدامها ضد العمق الروسي على الأقل نظريًا وتتجنب نشر قوات على الأرض. وتحرص على التنسيق مع الولايات المتحدة لتقاسم المسؤولية. مثلاً، ألمانيا تأخرت كثيرًا في الموافقة على تسليم دبابات ليوبارد، ثم وافقت بعد ضغط، والآن تتردد بشأن صواريخ توروس، أي أنها تتحرك تدريجيًا، و”تختبر” ردود الفعل الروسية. في كثير من الحالات، لا تتحرك ألمانيا وأوروبا بمفردهما، بل ضمن إجماع أطلسي تقوده واشنطن. وغالبًا ما تتعرض برلين لضغوط من الحلفاء لتقديم مساهمات نوعية، كي لا تُتهم بالتقاعس. بريطانيا سلّمت “ستورم شادو”، لذا يقال إن ألمانيا مطالبة بتحمل حصتها عبر “توروس”.
الرهان على ردع روسيا دون استفزاز مباشر
الحكومة الألمانية، رغم حذرها، تريد أيضًا إيصال رسالة قوة داخلية وخارجية. داخليًا، لمواجهة انتقادات المعارضة (مثل ميرتس) وأطراف المجتمع الداعمة لأوكرانيا. أما خارجيًا، لإثبات أن ألمانيا “لا تزال زعيمة أوروبية مسؤولة” في ظل التراجع الفرنسي والغموض الأميركي في عهد ترامب المحتمل.هناك اعتقاد سائد في أوروبا أن روسيا، رغم التصعيد اللفظي، لن تفتح جبهة مباشرة مع الناتو طالما لم تُستهدف أراضيها بالصواريخ الغربية. لذا، يرون أن تزويد أوكرانيا بالصواريخ “لا يعني بالضرورة الانخراط المباشر”، طالما أن الاستخدام محدود في الإطار الأوكراني.إن أوروبا، خاصة ألمانيا، تتحرك وسط تناقض معقد بين دعم أوكرانيا، والخوف من التورط في حرب أوسع. هي تعلم أن التسليح يحمل مخاطر، لكنها ترى أن الصمت أو التردد الكامل يحمل مخاطر أكبر، أهمها انهيار أوكرانيا وتعاظم النفوذ الروسي. وكل قرار تسليح، مثل توروس، يُتخذ ببطء شديد، وفي إطار حسابات دقيقة جدًا، بين التصعيد والردع. أمن دولي ـ ألمانيا، تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا
قراءة مستقبلية
إن تسليم صواريخ “توروس” إلى أوكرانيا ليس مجرد قرار عسكري، بل خطوة جيوسياسية تحمل أبعادًا استراتيجية عميقة. ففي ظل الانقسام السياسي الألماني، والضغط المتزايد من الجانب الأوكراني، وتحذيرات موسكو المتكررة، تقف ألمانيا أمام لحظة حاسمة بين خيار التمسك بسياسة الحذر أو الانخراط الفعلي في مواجهة موسعة مع روسيا. القرار في نهاية المطاف سيتوقف على موازنة دقيقة بين المسؤولية التاريخية، الالتزامات الأوروبية، والقدرة على ردع التهديدات دون الوقوع في فخ التصعيد. ومع تسارع التغيرات في القيادة السياسية الألمانية، تبدو الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مستقبل الدور الألماني في الحرب الأوكرانية.
ـ يتسم الموقف الألماني في الحرب الأوكرانية بالتوازن بين دعم أوكرانيا وتجنب التصعيد مع روسيا، مما يعكس سياسة مزدوجة تستند إلى اعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية.
ـ تؤكد ألمانيا التزامها بدعم أوكرانيا عسكريًا وماليًا، معتبرةً أن هذا الدعم يصب في مصلحتها الأمنية. صرحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بأن ما تقوم به روسيا في أوكرانيا هو “محاولة إنشاء نظام عالمي جديد قائم على العنف الإمبريالي”. كما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن بلاده ستواصل دعم أوكرانيا حتى تحقيق السلام العادل والشامل والدائم، مؤكدًا على التضامن الثابت مع أوكرانيا .
ـ على الرغم من الدعم المقدم، تحرص ألمانيا على عدم الانخراط المباشر في النزاع. أكد المستشار شولتس أن بلاده لا تريد تصعيد الأمور إلى حرب بين روسيا وحلف الناتو، مشددًا على أهمية التنسيق والتخطيط الشامل لمصالح المستقبل . كما صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بأن ألمانيا ستدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضروريًا، ولكن دون أن تصبح طرفًا في الحرب .
ـ إن روسيا شريكًا اقتصاديًا مهمًا لألمانيا، خاصة في مجال الطاقة. قبل الحرب، كانت ألمانيا تعتمد على روسيا لتلبية جزء كبير من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. ومع بدء النزاع، واجهت ألمانيا تحديات في تقليل هذا الاعتماد، مما أثر على سياستها الخارجية والداخلية .
ـ تسعى ألمانيا إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم أوكرانيا والدفاع عن النظام الدولي القائم على القوانين، وبين تجنب التصعيد المباشر مع روسيا والحفاظ على مصالحها الاقتصادية. هذا الموقف المزدوج يعكس تعقيدات السياسة الخارجية الألمانية في ظل الأزمة الأوكرانية.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=103349
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI