المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
بون ـ جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي ECCI
هناك إجماع بين الخبراء والمعنيين في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران على أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لها تداعيات تتجاوز حدود الولايات المتحدة، إذ قد تشعر بعض الدول بالتأثير المباشر والقوي، كما هو حال إيران. إن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد نتائج الانتخابات الأولية يوم السادس من نوفمبر 2024، تثير الحاجة لتحليل معقّد لما قد يعنيه ذلك بالنسبة لطهران، خصوصًا فيما يتعلق بالملف النووي والعقوبات المفروضة عليها.
إذا كانت ولايته الأولى في البيت الأبيض مؤشرا على أي شيء، فمن المرجح أن يضع الرئيس المنتخب دونالد ترامب الشرق الأوسط على رأس جدول أعماله. لكن رغم ذلك قللت إيران من أهمية الانتخابات، قائلة إنه “لا يوجد فرق كبير” ، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية. ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، قولها إن “السياسات العامة للولايات المتحدة وإيران لم تتغير” بعد تصويت عودة ترامب للبيت الأبيض. أمن دولي ـ كيف تؤثر الانتخابات الأمريكية على الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية؟
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تتبنى طهران موقفًا حذرًا مع عودة ترامب إلى منصبه. وقال خبير الشؤون الإيرانية أوري جولدبرج: “تمامًا مثل بقية العالم، يريدون أن يكونوا حذرين للغاية عندما يتعلق الأمر بترامب. لقد تضرروا منه، وهم لا يريدون مواجهة وجهاً لوجه معه”.وقد يعني هذا تجنب أي تحركات دراماتيكية على الجبهة النووية، وانتظار فرصة للمفاوضات مع ترامب، الذي أبدى استعداده للحديث.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إن الانتخابات الأمريكية فرصة لمراجعة “النهج الخاطئ” للحكومة الأمريكية، وذلك بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة يوم السادس من نوفمبر 2024وقد تعني عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فرض عقوبات نفطية أمريكية أكثر صرامة على إيران، والتي بدأها في عام 2018 بعد الخروج من الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية.
حافظ ترامب على خط صارم ضد إيران سواء داخل البيت الأبيض أو خارجه. خلال فترة ترامب كرئيس، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من اتفاق عام 2015 الذي شهد تقليص إيران لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على اقتصادها. في أعقاب ذلك، فرضت إدارته عقوبات واسعة على طهران وعملت على إغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو الهجوم الذي أجج التوترات في جميع أنحاء المنطقة.
هناك مجالات تثير القلق بالنسبة لطهران ومع ذلك، فإن عودة ترامب ليست خالية من المخاوف الكبيرة بالنسبة لإيران. من الجدير بالذكر أن ترامب زعم أن إيران قد تكون مرتبطة بمحاولات اغتيال ضده. وفي حين تستحق الدوافع وراء هذه التأكيدات، وخاصة في سياق السياسة الانتخابية، التدقيق، فإنها تثير أسئلة ذات صلة حول كيفية تأثير مثل هذه المعتقدات على موقف ترامب السياسي تجاه إيران.
التوترات بين واشنطن وطهران
خلال رئاسة ترامب، تصاعدت التوترات بين واشنطن وطهران بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ، التي فرضت قيودًا على البرنامج النووي الإيراني. وبعد عامين، أصدرت إيران مذكرة اعتقال بحق ترامب ومساعديه بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية بالعراق .
الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA)
هو خطة العمل الشاملة المشتركة، اتفاق تم توقيعه عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1، والتي تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا) بالإضافة إلى ألمانيا. وُضع هذا الاتفاق للحد من قدرات إيران النووية وضمان سلمية برنامجها، مقابل رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها، مما أسهم في انتعاش الاقتصاد الإيراني لفترة محدودة.
أهداف الاتفاق النووي وأبرز بنوده
هدف الاتفاق النووي إلى تقليص تخصيب اليورانيوم لدى إيران ومنعها من الوصول إلى مستويات تتيح تصنيع أسلحة نووية. ومن أبرز بنوده:
- خفض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى أقل من 3.67%، وهي نسبة مناسبة للأغراض السلمية.
- تقليل مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بشكل كبير.
- تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
- السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء تفتيش دوري ودقيق للمنشآت النووية الإيرانية للتأكد من التزامها.
انسحاب الولايات المتحدة وإعادة العقوبات
في عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي اعتبر أن الاتفاق غير كافٍ لكبح طموحات إيران الإقليمية وقدراتها الصاروخية. عقب الانسحاب، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات الاقتصادية على إيران، والتي تسببت في أزمة اقتصادية كبيرة أثرت على جميع القطاعات الحيوية.
التحديات الحالية لإعادة إحياء JCPOA
التحديات التي تواجه استئناف الاتفاق:
- تعنت كل من إيران والولايات المتحدة في الشروط المطلوبة لإحياء الاتفاق.
- الضغوط السياسية الداخلية، خاصة في الولايات المتحدة، حيث يرى بعض المعارضين أن الاتفاق لا يكبح فعليًا قدرات إيران في تطوير الصواريخ الباليستية.
- تزايد التوترات الإقليمية والدور المتنامي لإيران في دعم حلفائها الإقليميين، ما يثير قلق دول المنطقة، وخاصة إسرائيل والسعودية.
يقول حميد رضا عزيزي، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إنه لا توجد وجهة نظر موحدة في الجمهورية الإيرانية حول ما قد يعنيه فوز ترامب. ومع ذلك، فإن الرأي السائد بين النخبة السياسية في طهران “هو أن الوضع سوف يزداد سوءًا بالنسبة لإيران”.
وقال عزيزي إن السبب في ذلك يعود إلى تاريخ ترامب في ممارسة “أقصى قدر من الضغط” على إيران، وتحالفه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ودعمه لإسرائيل “وعدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته”. وتعتقد مجموعة ثانية في إيران أن العداء الشامل بين طهران وواشنطن سيبقى قائما، بغض النظر عمن سيتولى البيت الأبيض. ومع ذلك، تأمل أقلية أن تكون رئاسة ترامب أفضل لإيران “لأنه أكثر انفتاحا على الأعمال التجارية، وإذا كنت ستعقد صفقة مع ترامب، فسيكون الأمر أسهل معه مقارنة بكامالا هاريس”، كما قال عزيزي. أمن دولي ـ هل تتوقف دوامة التصعيد بين إسرائيل وإيران؟
وسوف تنعكس تداعيات العلاقات الأميركية الإيرانية على منطقة الشرق الأوسط بأسرها. فطهران تدعم حركة حماس في غزة، التي قصفتها إسرائيل في أعقاب الهجمات التي شنتها الجماعة الفلسطينية في السابع من أكتوبر من العام 2023.
إعادة تقييم الاتفاق النووي
إعادة تقييم الاتفاق النووي الإيراني أصبحت ضرورة ملحّة في ظل المتغيرات السياسية الدولية والتوترات المتصاعدة بين طهران وواشنطن. فقد أثبتت التجارب السابقة أن الاتفاق الذي وُقّع عام 2015 لم يكن كافيًا لضمان استقرار دائم في المنطقة، إذ انسحبت الولايات المتحدة منه لاحقاً وفرضت عقوبات مشددة على إيران، التي بدورها استأنفت تطوير قدراتها النووية بشكل جزئي.
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يمكن أن تزداد الضغوط لإعادة التفاوض على شروط جديدة، وربما أكثر صرامة، حيث قد يرغب ترامب في إدخال تعديلات تشمل القيود المفروضة على برنامج إيران النووي، بجانب القضايا المرتبطة بالصواريخ الباليستية ونفوذ إيران الإقليمي. من جانبها، لن تقبل إيران إلا باتفاق يحفظ مصالحها ويخفف من وطأة العقوبات الاقتصادية التي أنهكت اقتصادها.
الطرفان يواجهان تحديًا كبيرًا
يواجه الطرفان تحديًا كبيرًا في التوفيق بين مصالحهما المتعارضة؛ فبينما تسعى الولايات المتحدة للحد من قدرات إيران النووية، تريد إيران أن يكون لها الحق في تطوير الطاقة النووية السلمية ورفع العقوبات الاقتصادية التي أثّرت سلبًا على حياتها اليومية.لقد تفاقمت التوترات بين طهران وواشنطن بشكل مطرد، حيث يلعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دورًا رئيسيًا في توسيع الفجوة. وطالما استمر الصراع الإقليمي فلن تكون هناك فرصة كبيرة للتوصل إلى تسوية أو اختراقات دبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، وهذا ماينطبق ايضاً على حزب الله المدعوم من من إيران .
إن إعادة دونالد ترامب للبيت الأبيض لا يعني بالضرورة تكرار سياسته الخارجية السابقة، وخاصة تجاه إيران. إن الفروق الدقيقة لولاية ثانية – بما في ذلك خصائص فريقه الاستشاري واستراتيجيات إيران الخاصة – سوف تشكل بشكل حاسم طبيعة التفاعلات بين الولايات المتحدة وإيران. أن إدارة ترامب قد تفيد إيران عن غير قصد من خلال تعزيز الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها أو تبني الميول الانعزالية، فإنها قد تقدم أيضًا تحديات مكثفة من خلال فرض عقوبات أكثر صرامة وتعزيز الدعم لإسرائيل. بالنسبة لطهران، فإن الطريق ينطوي على تقييم دقيق لهذه الاحتمالات المتعددة الأوجه، وخاصة على خلفية عدم اليقين بشأن التطورات الإقليمية والسياسة الدولية. التجسس خلال الحروب وكيفية تبادل الجواسيس ـ أُنموذَج روسيا،أمريكا وإيران
النتائج
ـ يبدو أن العودة إلى طاولة المفاوضات مع شروط مُعدَّلة وشاملة ستكون السبيل الوحيد لتجنب التصعيد العسكري والسياسي في المنطقة. ومن المحتمل أن يسعى كل طرف لتقديم بعض التنازلات المتبادلة للوصول إلى اتفاق يحقق الاستقرار، مع ضمان الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.
ـ ويبدو أن إعادة تقييم الاتفاق النووي ضرورية، حيث تسعى كل من طهران وواشنطن إلى معالجة الحقائق والمطالب الجديدة. وفي حين قد تكون التعديلات التي يرغب ترامب في إدخالها على أي اتفاق مستقبلي أكثر شمولاً، فإن طهران لديها أهدافها المنصوص عليها.
ـ قد يتوقف مستقبل JCPOA على ما إذا كان يمكن للطرفين إيجاد حلول وسط تلبي مصالح الطرفين. وقد يشمل ذلك:التوصل إلى نسخة جديدة من الاتفاق تتضمن قيودًا إضافية على البرنامج الصاروخي الإيراني وأنشطتها الإقليمية. أو العودة إلى الاتفاق الأصلي مع ضمانات إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن التزام إيران. يبدو أن الدبلوماسية ستظل الحل الأمثل، لكن نجاحها يتطلب مرونة وتنازلات متبادلة لضمان استقرار المنطقة وتجنب التصعيد.
ولكن السؤال المحوري يظل قائما حول ما إذا كان الطرفان قادرين على التعامل مع خلافاتهما للوصول إلى إطار مقبول للطرفين.
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=98358