الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ تداعيات التصعيد العسكري على أمن الخليج العربي وسلامة الملاحة البحرية

يوليو 02, 2025

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا  ECCI 

إعداد : د. إكرام زيادة – باحثة في المركز الأوروبي ECCI

شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل استمر لمدة اثني عشر يومًا، شكّل تحولًا خطيرًا في طبيعة الصراع الإقليمي وأثار قلقًا عالميًا واسعًا من انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.  فيما تمثل عودة الحرب الإسرائيلية – الإيرانية من جديد، خطرًا استراتيجيًا واقتصاديًا على دول المنطقة وسلامة الملاحة البحرية، التي طالها بالفعل تداعيات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة جراء هذه الحرب.

ورغم أن هذه التداعيات لا تزال محدودة خلال حرب الإثني عشر يومًا، إلا أن خطر اندلاع الأزمة مجددًا، يهدد بـ”السيناريو الأسوأ”، وهو غلق مضيق هرمز الذي تعبر منه أكثر من 20% من تجارة النفط العالمية أو اتساع رقعة الحرب الجغرافية لتشمل دولًا أخرى، ما يفاقم التداعيات الاقتصادية.

مخاطر الحرب الإيرانية الإسرائيلية على مضيق هرمز

أثار الصراع الإيراني الإسرائيلي مخاوف من أن يؤدي تجدد المواجهات إلى تعطيل صادرات النفط والغاز المسال المتجهة من الخليج عبر مضيق هرمز الحيوي، والذي يُعتبر مهماً للاعبين الرئيسيين في السوق بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والعراق وقطر – وكذلك إيران نفسها.

أهمية مضيق هرمز

يعتبر مضيق هرمز أحد أشهر الممرات المائية في العالم، وتصفه إدارة معلومات الطاقة الأمريكية  (EIA) بأنه “أهم ممر لنقل النفط في العالم”، يقع بين سلطنة عمان وإيران، ويربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب. ويبلغ عرض المضيق عند أضيق نقطة 33 كيلومتراً فقط، في حين لا يتجاوز عرض ممرات الملاحة فيه 3.7 كيلومتراً، مما يجعله مضيقاً مزدحماً وخطراً على حركة السفن أيضاً.

يقع مضيق هرمز بين عُمان وإيران وهو طريق التصدير الرئيسي لمنتجي النفط مثل السعودية والإمارات والعراق والكويت. وتمر عبر مضيق هرمز كميات هائلة من النفط الخام المستخرج من حقول النفط في دول أوبك (OPEC) ، وهي الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، مثل السعودية والإمارات والكويت والعراق لتلبية الطلب العالمي.  يمر عبر المضيق يومياً حوالي 20 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات والوقود وفقاً لبيانات شركة “فورتيكسا” الاستشارية المتخصصة في الطاقة والنقل البحري. كما أن قطر التي تعتبر إحدى أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم تعتمد على المضيق بشكل كبير لشحن صادراتها من الغاز المسال.

وقد هددت إيران على مدار السنوات الفائتة بإغلاق المضيق. وفعلياً قامت إيران بإيقاف حركة شحن النفط في المضيق في فترة حرب الخليج الأولى بين عامي 1980-1988، فيما يعرف حينها “بحرب الناقلات”. ويتولى الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين مهمة حماية الملاحة التجارية في المنطقة.

التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز

وخلال خضم المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، أكد القيادي في الحرس الثوري الإيراني البرلماني إسماعيل كوثري عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني 14 يونيو2025، أن السلطات الإيرانية تضع “إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة”، مضيفاً أن بلاده “ستتخذ أفضل قرار بهذا الشأن بكل حزم.

وكان قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنغسيري، قد أكد خلال أكتوبر 2024، في تصريحات تلفزية أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستقف بشكل قاطع أمام كل من يريد اللعب بالنار في المنطقة، مشيراً إلى أن القوات المسلحة الايرانية خلال الأعوام الماضية أعدت نفسها لأنواع التهدیدات، ملوّحاً بورقة مضيق هرمز بشكل غير مباشر، وقال إنه مضيق مهم جداً واستراتيجي یقع في جنوب إیران وهو یخصّ إیران والدول المجاورة.

يمر ربع تجارة النفط العالمية تقريبا عبر هذا الممر المائي الضيق عند مدخل الخليج، وإذا حالت إيران دون وصول الناقلات العملاقة التي تنقل النفط والغاز إلى الصين وأوروبا وغيرها من المناطق الرئيسية المستهلكة للطاقة، إلى مياه الخليج فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل هائل وسريع وربما زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي.

تقدّر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن 82% من شحنات النفط والوقود الأخرى التي مرت عبر المضيق كانت متجهة إلى دول آسيوية. وكانت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية أكبر المستوردين، إذ شكّلت هذه الدول الأربع مجتمعة حوالي 70% من إجمالي صادرات النفط الخام والمكثفات التي تمر عبر مضيق هرمز، وبالتالي فإن أسواق هذه الدول هي المتضرر الأكبر في حال تعطلت الإمدادات.

تذهب غالبية صادرات الغاز إلى الصين، والتي استوردت 18.35 مليون طن من الدوحة عام 2024، إضافة إلى توقيع 10 عقود توريد طويلة الأجل بين البلدين بأحجام تصل إلى 26.9 مليون طن. قد تؤدي تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال، خاصة في سيناريو تعطل الإمدادات من مضيق هرمز، وسيكون المتأثر الأبرز دول شرق آسيا مباشرة، خاصة الهند واليابان وكوريا الجنوبية والصين.

وانطلاقاً من ذلك،  في حال إغلاق مضيق هرمز كليًا أو جزئيًا، يُتوقع على نطاق واسع ارتفاع حاد في أسعار النفط. وتشير التوقعات إلى أن سعر خام برنت قد يصل إلى 100-110 دولارات في حال الإغلاق الجزئي، و130-150 دولارًا في حال الإغلاق الكامل والمطول. ومن المتوقع أن تُحدث هذه النتائج صدمات سعرية مستمرة. يتذبذب سعر خام برنت حاليًا بين 66 و68 دولارًا للبرميل، بينما يتراوح سعر خام غرب تكساس الوسيط بين 64 و66 دولارًا. وقد ساعد انخفاض مخزونات الخام الأمريكية، وتراجع مؤشرات الاقتصاد الكلي، والموقف الحذر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، واتفاق وقف إطلاق النار ، على استقرار الأسعار. ومع ذلك، لا يزال عدم اليقين مرتفعًا، ولا تزال أقساط المخاطر الجيوسياسية تُحتسب في السوق.

ومع أنه لم تحدث أي هجمات على السفن التجارية في المضيق بعد اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل (13 إلى 25 يونيو 2025) إلا أن القلق ما زال سائداً بين مالكي السفن؛ فقد أفادت تقارير دولية أن بعض السفن شددت إجراءاتها الأمنية، في حين ألغت أخرى رحلاتها عبر المضيق. وأكدت مصادر بحرية أن التشويش الإلكتروني في أنظمة الملاحة البحرية التجارية قد تصاعد خلال أيام الحرب بين إيران وإسرائيل في المنطقة المحيطة بالمضيق والخليج الأوسع، ما أثر على حركة السفن في المنطقة. أمن دولي ـ تداعيات التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على أمن أوروبا

سيناريو إغلاق مضيق هرمز

أحد الخيارات الممكنة لإيران من أجل إغلاق مضيق هرمز،  هو زرع ألغام في المضيق. تُزرع ألغام بحرية في قاع البحر، وهي مصممة للانفجار عند مرور أي سفينة بالقرب منها. كما يمكن لإيران استخدام صواريخ باليستية مضادة للسفن، وهي طريقة يستخدمها حلفاؤها الحوثيون في اليمن منذ عام 2023 لتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر. ويملك الحرس الثوري حاملات طائرات بدون طيار، وقوارب هجومية سريعة، وغواصات من فئة غدير، وهي سفن صغيرة قصيرة المدى قادرة على إطلاق الطوربيدات وزرع الألغام. وأشار ساتون إلى أنه على الرغم من القوة الخطيرة المحدودة، فإن منصات إيران العديدة وقدرتها على الضرب بعيد المدى تشكل رادعا خطيرا.

إذا نفذّت إيران تهديدها وأغلقت مضيق هرمز قد تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً، وذلك لأن الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين مكلف بحماية الملاحة التجارية في المنطقة.

ينقسم الخبراء حول ما يمكن أن تكون عليه نتيجة الصدام بين الولايات المتحدة وإيران في هذا المسرح البحري، قد تتمكن البحرية الأمريكية من تدمير البحرية الإيرانية النظامية وبحرية الحرس الثوري الإيراني في غضون يومين ، مما يعيد حركة الملاحة البحرية التجارية في مضيق هرمز. لكن إيران استخلصت دروسًا من حرب الناقلات، وعززت الآن قدراتها غير المتكافئة عبر استخدام العديد من الألغام والزوارق السريعة لإغلاق المضيق.  ورغم أن إيران قد لا تصمد طويلًا في وجه هجوم بحري أمريكي، إلا أنها قد تُحدث فوضى عارمة في أسواق الطاقة العالمية، وقد تُسبب أزمة دبلوماسية عالمية نظرًا للأهمية الدولية لمضيق هرمز.

أما على مستوى الخليج العربي، أي خطوة تتخذها إيران لعرقلة تدفق النفط عبر المضيق قد يهدد علاقاتها مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وهي علاقات طالما عملت إيران على تحسينها بصعوبة في السنوات الأخيرة. ومع أن دول الخليج قد انتقدت هجوم إسرائيل على إيران، إلا أن اتخاذ إيران قراراً بعرقلة الإمدادات وعرقلة صادرات هذه دول الخليج النفطية سيُجبرها على اتخاذ موقف ضد إيران.

من جهة أخرى، وتحسباً ليوم قد يتعطل فيه مضيق هرمز عملت بعض دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، في السنوات الأخيرة على تطوير بدائل للمضيق لتقليل الاعتماد عليه، فقد أنشأتا بنية تحتية تتيح تصدير بعض إنتاجها النفطي عبر طرق بديلة. فعلى سبيل المثال، تشغّل السعودية خط أنابيب النفط الخام “شرق-غرب” الذي تبلغ طاقته 5 ملايين برميل يومياً، بينما تملك الإمارات خط أنابيب يربط حقولها النفطية البرية بميناء الفجيرة على خليج عمان. وتقدّر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه يمكن تصدير حوالي 2.6 مليون برميل يومياً من النفط الخام عبر هذه البدائل في حال تعطل حركة الملاحة في مضيق هرمز.

لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا بالنسبة لخبراء الأمن والطاقة، يشير إلى صعوبة إغلاق إيران حركة المضيق وحركة الشحن البحري، وذلك إلى أسباب عدة؛ منها؛ أن غالبية المضيق تقع في الجانب العماني، وليس إيران، كما أن المضيق واسع إلى حد لا يمكن لطهران من غلقه. إضافة إلى وجود القوات البحرية الأميركية والبريطانية والهندية. كذلك، فإن اعتماد إيران على المضيق بشكل رئيس يجعلها تعاني من غلقه.

مخاطر التصعيد على الملاحة في باب المندب وقناة السويس

المسرح البحري الثاني المهم هو منطقة البحر الأحمر وخاصة مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.  إن إغلاق باب المندب قد يمنع ناقلات النفط القادمة من الخليج العربي من الوصول إلى مجمع خط أنابيب قناة السويس/سوميد، مما قد يؤدي إلى تحويلها حول الطرف الجنوبي من أفريقيا.

يُعد مضيق باب المندب نقطة عبور رئيسية بين القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وحلقة وصل استراتيجية بين البحر الأبيض المتوسط ​​والمحيط الهندي. يقع بين اليمن وجيبوتي وإريتريا ، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. كما تمر عبر باب المندب معظم صادرات الخليج العربي التي تمر عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد . ويحتل مضيق “باب المندب” الرتبة الثالثة عالميا من حيث عبور موارد الطاقة، بعد مضيقي ملقا وهرمز. ويقدر عدد السفن التي تمر عبره بأكثر من 21 ألفا سنويا، بما يعادل 57 سفينة يوميا. أي نحو 6.2 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المكررة باتجاه أوروبا والولايات المتحدة، وإلى الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة والصين والهند، وذلك بما يعادل حوالي 9% من إجمالي النفط المنقول بحرا في العالم، ويشمل النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة.

يمنع إغلاق المضيق ناقلات النفط القادمة من الخليج العربي من الوصول إلى قناة السويس أو خط أنابيب سوميد ، مما يُحوّل مسارها نحو الطرف الجنوبي لأفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي من شأنه أن يزيد وقت العبور بمسافة إضافية قدرها 6 آلاف ميل بحري، وتكاليف إضافية كبيرة للشحن.

تعج قناة السويس مهمة أيضًا لأنها تربط البحر الأبيض المتوسط ​​بالبحر الأحمر وهي أسرع وأكثر روابط التجارة البحرية مباشرة بين آسيا وأوروبا. القناة هي طريق مهم للطاقة والسلع والسلع الاستهلاكية والمكونات من آسيا، إلى أوروبا  . يمر حوالي 12% من حركة الشحن الدولية من جميع الأنواع (النفط والمواد الخام والحاويات وما إلى ذلك) عبر قناة السويس بما في ذلك 30٪ من إجمالي حركة الحاويات العالمية. يعبر قناة السويس ما يقرب من 5% من النفط الخام في العالم و8% من تدفقات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحراً. بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، كان هناك ارتفاع في ناقلات النفط وناقلات الغاز الطبيعي المسال المتجهة شمالًا وجنوبًا عبر قناة السويس. كان هناك زيادة قياسية في عدد السفن التي تعبر قناة السويس في عام 2022  .

في حين أن إيران ليس لها وجود جغرافي في المنطقة، إلا أنها تمارس نفوذها من خلال وكيلها أنصار الله، المعروف أكثر باسم الحوثيين باليمن الشمالي السابق. تتمتع إسرائيل بإمكانية الوصول البحري إلى هذه المنطقة من خلال ساحلها الصغير على البحر الأحمر. لذلك شهدت المنطقة حالات من الحرب السرية بين إيران وإسرائيل.

إذا تصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل، فقد يمنح الإيرانيون الحوثيين قدرات أفضل لتمكينهم من استهداف إسرائيل. يمكن للحوثيين شن هجمات بحرية لتعطيل تدفق البضائع عبر قناة السويس، وعرقلة إمدادات النفط العالمية، ورفع أقساط التأمين البحري.، من خلال تجربة أساليب مختلفة مثل الاقتراب وإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات، وربط الألغام اللاصقة بهيكل السفن، وكذلك استخدام “السفن الانتحارية” المتفجرة والتي يمكن تشغيلها عن بعد باستخدام الزوارق السريعة للهجوم في وقت واحد من اتجاهات متعددة. لكن فرص النجاح ضئيلة، حيث أن حماية حرية الملاحة هي الهدف الرئيسي للقوات البحرية العاملة في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين ومصر.  أمن دولي ـ كيف يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز؟

تداعيات الحرب على أمن الخليج

التصعيد بين إيران وإسرائيل لا يُعدّ حدثاً معزولاً، بل هو تطور يحمل تداعيات استراتيجية عميقة على دول الخليج العربي، التي تقع جغرافياً في قلب التوترات الإقليمية، وتعدّ شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي.

دول الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي ربما كانت ترحب سابقًا بإنهاء البرنامج النووي الإيراني بالقوة، انتقدت التدخل الأمريكي. وأدانت السعودية انتهاك سيادة إيران، بينما أعربت الإمارات عن “قلقها العميق”. وقد دعت حكومات المنطقة إلى مضاعفة الجهود للتفاوض على إنهاء الأعمال العدائية قبل أن تجد المنطقة نفسها غارقة في “أهوال ومخاطر الحرب”، كما حذرت البحرين. وقالت عُمان، التي لطالما لعبت دور الوسيط الدبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة: “إن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة تهدد بتوسيع نطاق الصراع وتشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي”.

وفي الوقت ذاته أدانت دول الخليج صراحة القصف الإيراني لقاعدة العديد في قطر، مما يشي برغبة خليجية في فرض معايير واضحة للاستقرار، ترتكز على احترام السيادة، وعدم استخدام أراضيها أو أجوائها في أي صراع، وعدم استهدافها مباشرة أو عبر وكلاء.

تُمثل هذه التصريحات تحولاً ملحوظاً ، كما تعكس إعادة ترتيب السياسات الإقليمية الكبيرة الناتجة عن تقارب دول الخليج مع إيران، وتقييم العديد من الحكومات العربية أن إسرائيل، كما يتضح تحديداً من حربها في غزة، تُشكل تهديداً أكبر لاستقرار الشرق الأوسط من إيران. ورغم إصرار دول مجلس التعاون الخليجي على أن أراضيها لن تُستخدم في عمليات عسكرية هجومية ضد إيران، فإن مثل هذا الموقف قد لا يحميها بالكامل من تداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل ــ الأمر الذي يترك الخبراء حذرين من اندلاع صراع إقليمي شامل وتداعياته على أمن واقتصادات دول الخليج العربية.

وقد يشكل انهيار النظام الإيراني أو اضطلاعه بالفوضى خطرا كبيرا على استقرار منطقة الخليج ذات الأهمية النفطية والاستراتيجية والتي تستضيف قواعد أمريكية هامة. فتحول إيران إلى “دولة فاشلة” على حدود الخليج سيكون بمثابة كابوس، بالإضافة إلى خطر سيطرة حكم “أكثر تطرفا وتشددا” على البلاد.الاستقرار والسلام كانا ولا يزالان محورين أساسيين في خطط صعود بلدان الخليج مثل السعودية وقطر والإمارات، والتي تسعى لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط عبر تطوير قطاعات الأعمال والسياحة وغيرها.

يجد الخليج اليوم، نفسه في منطقة تماس استراتيجية بين تل أبيب وطهران، وأي تطور ميداني في هذه المواجهة ستكون له بالضرورة ارتدادات على البيئة الخليجية بكل مستوياتها السياسية والاقتصادية والأمنية.  أي استهداف غير مباشر أو زيادة مستوى المخاطر على البنية التحتية للطاقة، من منشآت نفط وغاز ومحطات تكرير وتحلية وموانئ، سواء من إيران أو من وكلائها الإقليميين، قد يشكّل ضغطاً كبيراً على الحكومات الخليجية لتعزيز الحماية العسكرية والأمنية لهذه المنشآت.  وفي حالة عدم اليقين الاقتصادي، قد تُفضي إلى تراجع مؤشرات الأسواق المالية وتهديد الثقة الاستثمارية، خصوصاً في القطاعات المرتبطة بالطيران، والطاقة، والسياحة.

وبغض النظر عن حجم الضرر الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية، فإن السنوات القادمة ستُشكلها مسألة انسحاب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي، ومواصلة إسرائيل والولايات المتحدة قصفها، وبناء الإيرانيين لسلاح نووي بدائي. ما اعتبرته دول الخليج تهديدًا يمكن التعامل معه من خلال اتفاق – إيران دائمة التخلف عن الحد النووي ونطاق إقليمي محدود – أصبح الآن تهديدًا مستعصيًا سيؤثر على استقرارها لعقود. وهذا سيُبقي دول الخليج ومن يرغبون في الاستثمار أو العيش فيها متوترين.

ومن المرجح أن تسعى دول الخليج إلى تطوير دفاعات جوية تُضاهي درع إسرائيل المُهيب، وإلى المزيد من الصواريخ لتكون لديها وسائل ردع موثوقة. وهذا يضمن علاقات دفاعية مستدامة مع الدول الغربية. ولكن على الرغم من تعرضهما لهجمات من طهران في السنوات الأخيرة، إلا أن الدوحة والرياض أكثر ميلًا إلى التحلي بالصبر والتسامح هذه الأيام. ستكون هناك تصريحات سياسية وزيارات وحوافز اقتصادية – بالإضافة إلى انتقادات أكبر للولايات المتحدة وإسرائيل. ومن المفارقات أن نجاح إسرائيل ضد إيران يُضعف رغبة السعودية المتضائلة أصلًا في التطبيع مع إسرائيل. أمن دولي ـ ما هي تداعيات الهجمات الأمريكية على إيران؟

تقييم وقراءة مستقبلية

ـ شكلت الحرب التي دامت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل واحدة من أخطر المواجهات في تاريخ الصراع بين الطرفين، حيث تجاوزت الأبعاد العسكرية لتشمل تداعيات سياسية، اقتصادية، واسعة النطاق. وبينما يبقى وقف إطلاق النار الحالي هشًا، وتعتمد استقراره على عوامل كثيرة منها التزام الدول الكبرى، وحسابات المصالح الإقليمية، تظل المنطقة أمام تحديات جسيمة في سبيل تحقيق سلام مستدام.

ـ يجب عدم تجاهل احتمال أن تُغلق إيران مضيق هرمز نظراً للمشاكل التي يمكن أن يخلقها، حتى لو أن طهران لوحت بهذا التهديد عدة مرات سابقاً دون تنفيذه. تعتمد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصدرو النفط والغاز الآخرون في الخليج بشدة على هذا المعبر، وحتى الإغلاق الوجيز سيهز اقتصاداتهم وكذلك الأسواق العالمية. إيران نفسها تعتمد على هرمز لتصدير النفط، وتستمر في فعل ذلك خلال الصراع الحالي، مع بقاء الصادرات قوية.

ـ التهديد الإيراني بضرب المصالح الأمريكية وإغلاق مضيق هرمز، أداة ضغط سياسي ونفسي أكثر من كونها خطوات استراتيجية مدروسة. إيران على الأرجح ستُغلق المضيق فقط إذا لم تعد قادرة على تصدير النفط نتيجة لأضرار في بنيتها التحتية الحيوية للإنتاج أو التصدير. علاوة على ذلك، أي حادث بحري فردي في الخليج الفارسي سيكون كافياً لإبقاء السوق العالمية للنفط متوترة والمنطقة كلها غير مستقرة.

ـ إغلاق مضيق هرمز ليس قراراً تقنياً أو عسكرياً فحسب، بل قرار اقتصادي واستراتيجي عالي الكلفة، سيؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، والإضرار بمصالح الصين والهند، وهما من أهم شركاء إيران في تجارة النفط، وخنق الاقتصاد الإيراني ذاته، الذي يعتمد على صادراته من النفط عبر المضيق.

ـ يجد الخليج نفسه في منطقة تماس استراتيجية بين تل أبيب وطهران، وأي تطور ميداني في هذه المواجهة ستكون له بالضرورة ارتدادات على البيئة الخليجية بكل مستوياتها السياسية والاقتصادية والأمنية. وفي نهاية المطاف، من المرجح أن تكون المصالح والحسابات الاقتصادية هي المحرك الرئيسي لمخاوف دول الخليج العربية بشأن التصعيد المحتمل في المستقبل بين إيران وإسرائيل.

ـ من المرجح أن تواصل دول الخليج العربية ممارسة التوازن الدبلوماسي، والحفاظ على الإدانة العلنية للأفعال الإسرائيلية في حين تأمل سرًا أن تنتهي إيران في موقف دفاعي دون إثارة صراع إقليمي أوسع.

رابط مختصر..  https://www.europarabct.com/?p=105563

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

هوامش

How will Israeli-Iranian war impact energy security?

https://2u.pw/VCeHS

The Iran threat will haunt the Gulf for years

https://2u.pw/M5U4h

Middle East Situation Update: Escalation Risk for Shipping

https://2u.pw/VhznP

How the Iran-Israel Conflict Is Affecting Gulf Energy and Maritime Security

https://2u.pw/n8Dia

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...