المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
الأمن الدولي ـ دور “الترويكا” وتأثير لاريجاني في الاتفاق النووي مع وكالة الطاقة
يعتبرالملف النووي الإيراني واحد من أكثر الملفات حساسية في النظام الدولي، لارتباطه الوثيق بمسألة منع الانتشار النووي واستقرار الشرق الأوسط. منذ توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، شهد هذا الملف تحولات دراماتيكية أبرزها انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 وعودة سياسة “الضغط الأقصى”، وهو ما فتح الباب أمام توترات متزايدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإن التطور الجديد تمثل في توقيع اتفاق تعاون جديد بين الوكالة وإيران في القاهرة مطلع شهر سبتمبر 2025 ، في ظل تعيين علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهو منصب محوري في صياغة السياسات النووية والأمنية. هذه الدراسة تسعى إلى مناقشة انعكاسات هذه التحولات، ودور الترويكا الأوروبية، والعلاقة مع واشنطن، إضافة إلى طبيعة البنود المحتملة للاتفاق.
الخبير الأمريكي “مارك فيتزباتريك” يرى أن “إيران لا تسعى إلى السلاح النووي بقدر ما تسعى إلى العتبة النووية، أي القدرة على إنتاجه إذا اقتضت الحاجة”، وهو ما يفسر إصرارها على المضي قدمًا في برنامجها مع الاستعداد لتقديم تنازلات شكلية.
المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وتركيبته
المجلس الأعلى للأمن القومي يشكل العقل الاستراتيجي للنظام في الملفات الدفاعية والخارجية. يتكوّن المجلس من الرئيس، الوزراء السياديين (الخارجية، الدفاع، الداخلية)، قادة القوات المسلحة والحرس الثوري، ورجال أمن، إضافة إلى ممثلين عن المرشد الأعلى الذي يمتلك صلاحية المصادقة النهائية.
تعيين علي لاريجاني، الذي يوصف في الأوساط الغربية بالسياسي البراغماتي، يحمل دلالات مهمة. فلاريجاني، الذي ترأس البرلمان لسنوات وكان كبير المفاوضين النوويين في فترة سابقة، يمتلك خبرة عميقة في التفاوض مع الأوروبيين. الباحث “كريم سجادبور” من مؤسسة كارنيغي يرى أن “لاريجاني يمثل تيارًا وسطًا بين التشدد والانفتاح، فهو يدرك أهمية خفض الضغوط الاقتصادية دون أن يتجاوز الخطوط الحمراء للمرشد”. أمن دولي ـ “الترويكا” وإيران، دخول مرحلة أكثر تعقيدًا حول الملف النووي
سياسات لاريجاني وانعكاساتها على التفاوض مع الوكالة الدولية
إيران تسعى عبر الاتفاق الجديد مع الوكالة في القاهرة إلى كسب مساحة من المناورة. ففي حين تؤكد طهران أن الاتفاق يهدف إلى تعزيز التعاون الفني وضمان وصول المفتشين إلى المنشآت، فإن ذلك يعكس محاولة لتقديم صورة إيجابية إلى المجتمع الدولي. المدير العام للوكالة رافائيل غروسي صرح عقب الاتفاق: “ما نتطلع إليه هو التزام عملي ومستدام من إيران، لا مجرد وعود سياسية”.تقوم سياسات لاريجاني تقوم على براغماتية محسوبة؛ فهو يدرك أن استمرار المواجهة المفتوحة مع الوكالة قد يعزز حجج إسرائيل والولايات المتحدة لتبرير عمل عسكري، لكنه في الوقت ذاته لا يُظهر استعدادًا للتنازل عن الأنشطة الأساسية مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة مرتفعة.
أوروبا تخشى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط قد يضعف منظومة منع الانتشار. هم يدركون أن “الحفاظ على الاتفاق النووي هو أفضل وسيلة لضمان عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا”.
مصالح الترويكا الأوروبية في الوصول إلى اتفاق
الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) ترى في الاتفاق مع إيران مصلحة استراتيجية لعدة أسباب:
ـ الأمن الإقليمي : أوروبا تخشى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط قد يضعف منظومة منع الانتشار. هم يدركون أن “الحفاظ على الاتفاق النووي هو أفضل وسيلة لضمان عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا”.
ـ الطاقة والاقتصاد: عودة الاتفاق قد تفتح الباب أمام التعاون في مجال الطاقة والغاز، خصوصًا في ظل أزمة الطاقة الأوروبية بعد حرب أوكرانيا.
ـ الدور الدولي: الترويكا تسعى لإثبات أنها لاعب مستقل في الساحة الدولية، لكن واقع الحال يظهر أن قدرتها محدودة أمام العقوبات الأمريكية.
هل دور الترويكا مستقل أم تابع للولايات المتحدة؟
تجربة السنوات الأخيرة أثبتت هشاشة الاستقلالية الأوروبية. فبعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018، حاولت الترويكا إنشاء آلية مالية (إنستكس) لتسهيل التجارة مع إيران بعيدًا عن العقوبات الأمريكية، لكنها فشلت. الباحث الفرنسي “برونو تيرتريه” يرى أن “الترويكا لا تملك أدوات ضغط حقيقية على إيران، فهي محكومة بتبعية مالية للنظام المصرفي الأمريكي، ما يجعل دورها أقرب إلى الوساطة الرمزية”. بالتالي، يظل الدور الأوروبي ثانويًا أمام السياسات الأمريكية، وإن كانت أوروبا تفضّل لغة الدبلوماسية والتفاوض بدل التصعيد العسكري.
الدكتور حسن أحمديان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران، أشار إلى أن إيران تسعى للحصول على ضمانات حقيقية من روسيا والصين، نظرًا لعدم ثقتها في الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة. هذا الموقف يعكس رغبة إيران في تجنب التصعيد العسكري والاقتصادي، والتركيز على التهدئة الدبلوماسية.
العلاقة بين إدارة ترامب والترويكا في الملف النووي
إدارة ترامب الثانية عادت لتشدد خطابها تجاه إيران، مع إحياء سياسة “الضغط الأقصى”. ورغم تحفظات أوروبية معلنة، فإن العلاقة بين الطرفين تتسم بالواقعية: واشنطن تمسك بأوراق القوة الاقتصادية والعسكرية، فيما تحاول الترويكا الإبقاء على قنوات اتصال مع طهران لتجنب انهيار الاتفاق كليًا. مسؤول أوروبي رفيع صرح لصحيفة “فايننشال تايمز”: “لسنا في موقع يسمح لنا بتحدي واشنطن، لكننا نحاول تجنب التصعيد الذي قد يدفع إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار”. ملف مستقبل البرنامج النووي الإيراني، الدور الأوروبي وتحولات سياسات ترامب
طبيعة الاتفاق مع الوكالة الدولية والبنود الخلافية
ـ إعادة تفعيل عمليات التفتيش الدورية.
ـ التزام إيران بإخطار الوكالة قبل إدخال أجهزة طرد جديدة.
ـ تسهيل وصول المفتشين إلى المواقع المعلنة مثل نطنز وفردو.
ـ الصواريخ الباليستية: الغرب يطالب بإدراجها، فيما تعتبرها طهران خطًا أحمر والتي لم يتم حسمها بعد.
ـ “أذرع إيران الإقليمية”: أوروبا والولايات المتحدة تصران على أن دعم إيران لحزب الله والحوثيين والجماعات المسلحة يزعزع استقرار المنطقة. مسؤول أمريكي وصف هذه النقطة بأنها “جذر التوتر الحقيقي الذي لا يقل خطورة عن النووي”.
ـ دعم روسيا في حرب أوكرانيا: تقديم طهران طائرات مسيّرة لموسكو جعل الملف النووي يتداخل مع الأمن الأوروبي بشكل مباشر، ما يعقد فرص التوصل إلى تسوية.
قراءة مستقبلية
ـ ستواصل إيران استخدام الاتفاق مع الوكالة كأداة تكتيكية لتخفيف الضغوط دون التخلي عن أوراقها الاستراتيجية. الترويكا الأوروبية ستحافظ على دور الوسيط لكنها ستظل محكومة بالخطوط الحمراء الأمريكية. أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فستبقى أداة ضغط تقني وسياسي في آن واحد.
ـ إن سياسات لاريجاني والمجلس الأعلى للأمن القومي تمثل مزيجًا من البراغماتية والتصلب، هدفها إدارة الأزمة لا حلها. الاتفاق مع الوكالة الدولية في القاهرة مطلع شهر سبتمبر 2025 يشكل بادرة إيجابية، لكنه لا يتجاوز كونه محطة في لعبة تفاوض طويلة.
ـ إن مصالح الترويكا الأوروبية تدفعها للتسوية، لكن واقع التبعية لواشنطن يحول دون استقلاليتها. أما البنود الخلافية المرتبطة بالصواريخ والميليشيات والدعم لروسيا، فستظل عقبات كبرى أمام أي اتفاق شامل. بذلك يبقى المشهد مفتوحًا على سيناريوهات تتراوح بين التعاون المحدود والتصعيد المدروس، في إطار توازنات معقدة للأمن الدولي.
ـ القدرة العسكرية والاقتصادية لإيران إيران، رغم قوتها الإقليمية، تواجه تحديات اقتصادية وعسكرية كبيرة. العقوبات الدولية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، أثرت سلبًا على الاقتصاد الإيراني. الباحثان داريـو لوداتي ومايكل حاشم بيساران أشارا في دراسة إلى أن العقوبات أدت إلى انخفاض النمو الاقتصادي الإيراني بنسبة 1% سنويًا، وزيادة التضخم، وتدهور العملة المحلية .
ـ رغم تطوير إيران لقدراتها العسكرية، إلا أن الضغوط العسكرية الأخيرة، مثل الهجمات على منشآتها النووية، أظهرت هشاشة هذه القدرات أمام القوى الكبرى. التقييمات الاستخباراتية الأمريكية تشير إلى أن هذه الضربات لم تُدمّر البرنامج النووي الإيراني بالكامل، مما يبرز التحديات التي تواجهها إيران في حماية منشآتها الحيوية.
ـ هل العودة إلى المفاوضات، خطوة تكتيكية قبل 18 أكتوبر؟ توقيع إيران على الاتفاق مع الترويكا الأوروبية في القاهرة يُعتبر خطوة استباقية قبل انتهاء مهلة “آلية الزناد” في 18 أكتوبر 2025. هذه الآلية، التي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية، تمثل تهديدًا كبيرًا للاقتصاد الإيراني. إيران، التي تواجه ضغوطًا اقتصادية هائلة، تسعى لتجنب هذا السيناريو عبر العودة إلى طاولة المفاوضات. أمن دولي ـ عودة إيران إلى المفاوضات مع “الترويكا” الأوروبية، مناورة تكتيكية أم تحول استراتيجي؟ ملف
السيناريوهات المستقبلية
ـ تتوصل إيران والترويكا الأوروبية إلى اتفاق مؤقت يتضمن تجميدًا جزئيًا للأنشطة النووية مقابل تخفيف محدود للعقوبات. هذا التفاهم قد يساهم في تخفيف الضغوط على الاقتصاد الإيراني، لكنه لا يُنهي التوترات بشكل دائم.
ـ التصعيد العسكري في حال فشل المفاوضات، قد تلجأ إيران إلى تصعيد عسكري محدود، مثل استهداف مصالح أمريكية أو حلفاءها في المنطقة، كوسيلة للضغط على الغرب. هذا التصعيد قد يؤدي إلى ردود فعل عسكرية من الولايات المتحدة أو إسرائيل، مما يُنذر باندلاع صراع واسع النطاق.
ـ العودة إلى العقوبات الشاملة، إذا فشلت المفاوضات واستمرت إيران في تحدي المجتمع الدولي، قد تُفعّل “آلية الزناد” في 18 أكتوبر، مما يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية الشاملة. هذا السيناريو سيزيد من عزلة إيران الاقتصادية والسياسية، ويُفاقم من أزماتها الداخلية.
تدرك إيران، في ظل الوضع الحالي، أن التصعيد العسكري ليس في مصلحتها. لذلك، تسعى إلى التهدئة عبر العودة إلى المفاوضات مع الترويكا الأوروبية، على أمل تجنب العقوبات الشاملة والحفاظ على استقرارها الداخلي. لكن، نجاح هذه المساعي يعتمد على تقديم ضمانات حقيقية من القوى الكبرى، خاصة روسيا والصين، لضمان عدم العودة إلى التصعيد.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=109217
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
المصادر
NPT Safeguards Agreement with the
Islamic Republic of Iran
Analysis of IAEA Iran Verification and Monitoring and NPT Safeguards Reports — September 2025
Iran, IAEA announce agreement on resuming nuclear inspections
UN nuclear chief says agreement provides for access to all of Iran’s nuclear facilities
Rationale Behind Ali Larijani’s Appointment as SNSC Secretary Amid Iran’s Security Challenges
Ali Larijani reappointed secretary of Iran’s top security body
watchdog sign agreement seeking path to restart cooperation
