المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ حازم سعيد باحث في المركز الأوروبي ECCI
زاد حلف شمال الأطلسي من سيطرته على بحر البلطيق، حيث يعد البحر بوابة بحرية حيوية للأسطول الروسي وله قواعد بالقرب من سانت بطرسبرغ وفي منطقة كالينينجراد. تغير الوضع الاستراتيجي في منطقة بحر البلطيق والجناح الشمالي للتحالف العسكري الغربي تغييرا جذرياً، مع انضمام فنلندا و السويد، إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. بدأ حلف شمال الأطلسي “الناتو” مناورات بحرية وبرية وجوية واسعة النطاق في بحر البلطيق، للتدريب على سيناريو واقعي في إطار الدفاع الأطلسي.
عدد قوات حلف الناتو في دول البلطيق
تشير الإحصائيات في 23 أبريل 2024 إلى أن عدد قوات الناتو بالقرب من حدود روسيا يصل حاليا إلى (33) ألف عسكري، وحوالي (300) دبابة وأكثر من (800) مركبة قتالية مدرعة أخرى. تنتشر القوات البرية من دول أعضاء أخرى في “الناتو”، بينها الولايات المتحدة، في دول البلطيق منذ عام 2017، وقد تلقت تعزيزات بعد حرب أوكرانيا. يبلغ إجمالي عدد أفراد هذه القوات (5) آلاف جندي. تستعد ألمانيا لنشر كتيبة دائمة من الجيش الألماني في “ليتوانيا” يبلغ عدد أفرادها حوالي (4800) جندي. والهدف هو أن تبلغ الوحدة جهوزيتها القتالية الكاملة بحلول عام 2027.
تقول “مينا ألاندر”زميلة البحث في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية: “إذا نظرت إلى الخريطة، فإن بحر البلطيق جغرافياً أصبح بحيرة تابعة لحلف شمال الأطلسي، نعم”. “لكن لا يزال هناك عمل يتعين القيام به بالنسبة لحلف شمال الأطلسي.” أمن دولي ـ الناتو وروسيا، هل من مواجهة في البحر الأسود ؟
مناورات الناتو في بحر البلطيق
بدأت (14) دولة من حلف شمال الأطلسي “الناتو” بينها الولايات المتحدة الإمريكية في سبتمبر2023 مناورات بحرية واسعة النطاق بقيادة ألمانيا في بحر البلطيق، وشارك حوالي (30) سفينة وغواصة إضافة إلى حوالي (19) طائرة ووحدات برية مختلفة في تدريبات “نورذرن كوستس 23″، وتدرب حوالي أكثر من (3200) جندي على سيناريو واقعي في إطار الدفاع الأطلسي. .
استجاب حلف شمال الأطلسي من خلال “المدافع الصامد” لتغير موقف السياسة الأمنية نتيجة لحرب أوكرانيا. وتم تعبئة ما يقرب من (90) ألف جندي على مدى عدة أشهر للتدرب على إطلاق الإنذار وتحريك وحدات كبيرة من القوات والدفاع. في أكبر تدريب جوي في أوروبا منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي، أرسل التحالف العسكري إشارة ردع إلى روسيا في 24 مايو 2024، ونشر أكثر من (1400) مظلي من سبع دول لتحرير المطار العسكري الروماني “كامبيا تورزي”.
تعد منطقة البلطيق حجر الزاوية في مساهمة ألمانيا في الدفاع عن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي. تتدرب أجزاء من الفرقة المدرعة العاشرة في الجيش الألماني على القتال بالذخيرة الحية بعد نشرها عن طريق البحر، عبر النقل بالسكك الحديدية وفي القوافل البرية في مناطق التدريب العسكري الليتواني. ويتضمن ذلك أيضا التعاون بين قوات الدبابات والمدفعية. يقول قائد الجيش الألماني الجنرال “كارستن بروير” في 29 مايو 2024 “من ناحية، نحن أحد أكبر المساهمين بقوات في الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ومن ناحية أخرى، تعد ألمانيا المركز اللوجستي للقوات المتحالفة في الدفاع عن أوروبا”.
إقامة “سور من المسيرات”
أعلنت ليتوانيا أن الدول الست الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” والمجاورة لروسيا توافقت على إقامة “سور من المسيرات” بهدف الدفاع عن حدودها في 24 مايو 2024. هذه الخطة تم اعتمادها بعد محادثات مع إستونيا ولاتفيا، بالإضافة إلى فنلندا والنرويج وبولندا. يأتي هذا بعد إعلان رئيسة وزراء إستونيا، عن “حادث حدودي” مع روسيا، تمثل بإزالة موسكو عوامات على نهر “نارفا”، تحدد الحدود الفاصلة بين البلدين. إلى جانب نشر الطائرات المسيّرة للمراقبة الحدودية، ستستخدم هذه الدول الأنظمة المضادة للطائرات المسيّرة لوقف تلك “العائدة إلى العدو”.
ذكر الجنرال “أوليفييه باسو” إن “المسيرات المصممة للطيران على ارتفاعات متوسطة ولمسافات طويلة تتمتع باستقلالية تصل إلى 48 ساعة دون توقف، وهي تتيح “الوصول إلى مناطق معادية وأخرى صعبة”. وأضاف أنه لا يرى لهذا النظام جدوى كبيرة، ويرى أن أنظمة المعلومات والرادارات الأرضية أكثر موثوقية بكثير، فهو يرى أن المصلحة ستكون في نشر سرب المسيرات هذا فوق بحر البلطيق، حيث لا توجد رادارات إلا على متن القوارب، وبالتالي ستكون دوريات المسيرات مفيدة.
تنفيذ نموذج دفاع جوي في ليتوانيا
أشار تقرير في 30 مايو 2024 إلى إن دول الناتو قادرة على توفير أقل من 5)%) من قدرات الدفاع الجوي التي تعتبر ضرورية لحماية أعضائها في وسط وشرق أوروبا ضد هجوم واسع النطاق. يعتمد مفهوم المنشآت الدفاعية على القرارات التي اتخذت في قمة الناتو في مدريد والتي أكدت على أن الحلفاء يجب أن يكونوا مستعدين للدفاع عن المنطقة ويجب تطوير خطط دفاعية إقليمية جديدة. سيتم تنفيذ عملية البناء بموافقة الدول. ويقدر سعر منشأة الدفاع الإستونية في البداية بمبلغ (60) مليون يورو.
بدأت دول حلف شمال الأطلسي “ناتو” في تنفيذ نموذج دفاع جوي في ليتوانيا، استجابة لدعوات من دول البلطيق هدفها تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية في المنطقة، في خطوة تمثل نقلا لصواريخ الحلف إلى منطقة أقرب من روسيا. ووافقت دول الناتو خلال قمة الحلف في “فيلينيوس”، على إنشاء نظام تناوبي تقوم فيه الدول المتحالفة بنشر أنظمة دفاع جوي في دول البلطيق، لفترة من الوقت.
أشار جوستاف جريسيل- الزميل البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومقره برلين- في الثامن من فبراير 2024 إلى أن “الدول الغربية والأوروبية على وجه الخصوص بحاجة إلى إصلاح أنظمتها المالية والتوسع في إنتاج الطائرات بدون طيار وذخيرة ومركبات قتالية مدرعة وغيرها بوتيرة عالية”.
تغير الوضع الاستراتيجي في منطقة بحر البلطيق
تغير الوضع الاستراتيجي في منطقة بحر البلطيق والجناح الشمالي للتحالف العسكري الغربي تغييرا جذرياً، ما يساهم في سد الفجوات الدفاعية في الحلف. ويفتح موقع السويد الممتد بين بحر الشمال وبحر البلطيق طريقا رئيسيا لعبور المزيد من قوات حلف شمال الأطلسي لحمايتها في حالة الهجوم.
يقوم الناتو بإنشاء مركز مخصص في مقر بحريته في المملكة المتحدة، مؤكدا أن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي، قد يمكن بحرية الناتو من اكتشاف ومتابعة الأنشطة المشبوهة في البحر، وأكد الناتو “نحن نستخدم جميع أجهزة الاستشعار لدينا من قاع البحر إلى الفضاء، وخاصة قدرات الأقمار الصناعية للناتو، حتى نتمكن من تحديد الأنشطة المشبوهة”. أمن قومي ـ ما حقيقة مخاطر الذكاء الاصطناعي؟ (ملف)
تطلق السويد أسطولا من الغواصات الجديدة بحلول عام 2028، المصممة لحماية البنية التحتية الضعيفة تحت سطح البحر في منطقة البلطيق. يقول وزير الخارجية السويدي “توبياس بيلستروم” في 22 مارس 2024 إن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي العسكري الغربي يعزز منطقة بحر البلطيق، وسط احتمال نشوب صراع “طويل الأمد” مع روسيا. طورت دول مثل النرويج والسويد والدانمارك طائرات بدون طيار وأجهزة استشعار ومركبات تحت الماء بدون طيار لتتمكن بسرعة كبيرة من اكتشاف أي شيء مشبوه أو خطأ يحدث”.
مساعي مجرية الانسحاب من أي عمليات لحلف شمال الأطلسي
تسعى المجر في 24 مايو 2024 إلى الانسحاب من أي عمليات لحلف شمال الأطلسي تهدف إلى دعم أوكرانيا، مما يشير إلى أن التحالف العسكري والاتحاد الأوروبي يتجهان نحو صراع مباشر أكثر مع روسيا. عارض رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” خطة يدرسها حلف شمال الأطلسي لتقديم دعم عسكري أكثر قابلية للتنبؤ به لأوكرانيا في السنوات المقبلة لصد الهجمت الروسية واسعة النطاق، في الوقت الذي تؤكد فيه القوات الروسية الأفضل تسليحاً سيطرتها على ساحة المعركة. وأضاف نحن لا نوافق على ذلك، ولا نريد المشاركة في الدعم المالي أو التسليح (لأوكرانيا)، حتى في إطار الناتو، مضيفا أن المجر اتخذت موقفا “غير مشارك” في أي احتمال لعمليات الناتو لمساعدة كييف. أمن دولي ـ مناورات الناتو “المدافع الصامد”، ماتأثيرها على العلاقة مع روسيا؟
تقييم وقراءة مستقبلية
– تنتشر القوات البرية من دول أعضاء في “الناتو”، في دول البلطيق بالإضافة إلى مئات الدبابات والمركبات القتالية الأخرى. ويمكن القوا جغرافياً أصبح حلف شمال الأطلسي يسيطر على بحر البلطيق بشكل كبير.
– تحمل هذه التطورات في بحر البلطيق العديد من الإيجابيات من وجهة نظر حلف شمال الأطلسي: فقد أصبحت تحركات الحلف أسهل وأسرع فوق أراضي الحلفاء المتجاورة.
– تعد منطقة البلطيق حجر الزاوية في مساهمة الدول الأعضاء داخل الناتو في الدفاع عن الجناح الشرقي للحلف. حيث بدأت دول حلف شمال الأطلسي في تنفيذ نموذج دفاعات جوية استجابة لدعوات من دول البلطيق .
– لا تبدو مناورات الناتو مجرد تدريبات روتينية، حيث تعد المناورات الواسعة النطاق التي يجريها حلف شمال الأطلسي (ناتو) بمشاركة العضوين الجديدين السويد وفنلندا على الحدود مع روسيا، بالأكثر خطورة منذ انتهاء الحرب الباردة.
– تأتي خطوة إقامة “سور من المسيرات” في ظل المتغيرات والحرب الهجينة التي تشهدها في أوكرانيا، فضلا عن التصعيد الروسي الذي قد يتضمن سيناريو التهديد النووي.
– رغم إدراك جميع الأطراف مخاطر التصعيد والالتزام بقواعد الأشتباك لكن يبدو إن الناتو تحول إلى صفحة جديدة وهي استهداف العمق الروسي باسلحة غربية. وهذا ممكن أن يدفع روسيا الى استخدام السلاح النووي التكتيكي ضد اي طرف يكون ضمن هذا الصراع.
– من المرجح أن تقاوم روسيا الحلف في منطقة البلطيق، كما يمكنها أن تزيد بشكل كبير من خطر التصعيد، لأنها تستخدم قواعد الحرب الهجينة لاختبار دفاعات الناتو. ومن المتوقع المزيد من الهجمات المتكررة على البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=94186
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
الهوامش
As Ukraine Loses Ground, Baltic Countries Ask: Are We Next?
https://tinyurl.com/yc72nuc3
NATO Moving Missiles Closer to Russia’s Borders
https://tinyurl.com/2arruypx
Baltic states to build new defences to bolster NATO’s eastern border
https://tinyurl.com/wtdwcxzc
ما هو “سور المسيّرات” الذي قررت دول حلف شمال الأطلسي إقامته على حدودها مع روسيا؟
https://tinyurl.com/53bu2y2n