المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
أمن دولي ـ العلاقة بين أوروبا وترامب، مفاوضات أوكرانيا ومعوقات المشاركة الأوروبية. ملف
1 ـ أمن دولي ـ هل تم تهميش دول أوروبا في مفاوضات ترامب وبوتين؟
تشهد العلاقات بين موسكو وواشنطن تحولات كبيرة مع اتفاقات جديدة بين بينهما، بما في ذلك إعادة تأسيس البعثات الدبلوماسية وتعيين فرق للتفاوض على إنهاء حرب أوكرانيا. أثار هذا التحول قلق القادة الأوروبيين، بالتزامن مع تهديدات ترامب بالتراجع عن التزامات واشنطن الدفاعية تجاه أوروبا. يسعى القادة الأوربيون لتحديد الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا في مفاوضات السلام من خلال أداوتها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية لتقوية موقفهم في محادثات السلام .
هل تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة التعاون مع روسيا على حساب أوروبا؟
اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على عدة مبادئ عقب المحادثات في فبراير 2025، إعادة تأسيس وظائف البعثات الدبلوماسية في واشنطن وموسكو. تعيين فريق رفيع المستوى للتفاوض والعمل على إنهاء حرب أوكرانيا بشكل دائم ومقبول لجميع الأطراف، كذلك تعزيز التعاون الجيوسياسي والاقتصادي بين البلدين. كان التراجع الأميركي واضحًا بشكل لا لبس فيه في فبراير2025، فبعد انتقاد نائب الرئيس “جيه دي فانس” للحلفاء الأوروبيين، قائلًا إن “التهديد من الداخل” مثير للقلق أكثر من روسيا، التقى وزير الخارجية الأمريكي” ماركو روبيو” بوزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، وتحدث عن “الفرص المتاحة للشراكة مع الروس” إذا تمكنوا ببساطة من التخلص من حرب أوكرانيا.
يقول “كوري شاك” مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد “أميركان إنتربرايز” وأحد مساعدي الرئيس “جورج دبليو بوش” في مجال الأمن القومي “إن هذا يمثل تراجعاً عن ثمانين عاماً من السياسة الخارجية الأميركية”. وتابع “خلال الحرب الباردة، رفضت الولايات المتحدة إضفاء الشرعية على الغزو السوفييتي لدول البلطيق، والآن نضفي الشرعية على الهجوم الروسي لخلق مناطق نفوذ”.
كيف تحول موقف “ترامب” إلى تهديد للأمن الأوروبي؟
أكد “كيث كيلوج” مبعوث الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى أوكرانيا للأوروبيين في 15 فبراير 2025 إن إدراجهم في المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا “لن يحدث”. أجبرت خطة الرئيس “ترامب” للتفاوض على تسوية سلمية في أوكرانيا مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن” دون دعوة الأوكرانيين ولا الأوروبيين للمشاركة، الزعماء في حالة من القلق في عواصم مثل برلين ولندن وباريس وسط مخاوف من مواجهة سلسلة من الخيارات الصعبة، والتنازلات، والأعباء الجديدة المكلفة.
يعتقد المسؤولون الأوروبيون أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قد يستجيب لمطالب “بوتن” ويسحب القوات الأميركية المتمركزة في البلدان المجاورة لروسيا. حيث أفادت تقارير في 17 فبراير 2025 أن الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” يعتزم سحب القوات الأميركية من خطوط المواجهة مع روسيا في منطقة البلطيق. كما يسعى الرئيس الأمريكي إلى سحب القوات الأمريكية من أجزاء من أوروبا.
أوضح “أندرو وينر” الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في بولونيا بإيطاليا: “لا ينبغي أن يشكل أي من هذا صدمة لأي شخص استمع إلى ما قاله ترامب أو جي دي فانس قبل انتخابهما”. وأضاف “وينر” أن “الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل في مطالبة حلفائها ببذل المزيد من الجهود، وخاصة على صعيد الدفاع الجماعي”. وأشار إلى أنه “في عهد ريغان، أنشأت الولايات المتحدة سفيرا كانت مهمته زيارة الحلفاء الأوروبيين وحثهم على إنفاق المزيد من الأموال أو بذل المزيد من الجهود من أجل الدفاع المشترك”. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟
ما الذي يجعل من نشر قوة حفظ السلام تحديا عسكريًا ولوجستيًا؟
أصبح نشر بريطانيا وفرنسا ودول أخرى قوات لحفظ السلام في أوكرانيا مطروحًا بالفعل. كانت فكرة نشر قوات أوروبية على الأرض في أوكرانيا أول من طرحها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في العام 2024. تشير الإحصائيات في فبراير 2025 إن أوروبا ستحتاج إلى حشد ما بين (50 إلى 100) ألف جندي. قد تشارك المملكة المتحدة بما يصل إلى (10) آلاف جندي كحد أقصى. وكشف استطلاع للرأي أجري في ألمانيا أن (59%) سيؤيدون نشر الجيش الألماني، إلى جانب قوات أوروبية أخرى، لدعم وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا.
أكدت المملكة المتحدة إنها مستعدة لإرسال قوات إلى أوكرانيا لردع روسيا على المدى الطويل. وأعربت السويد عن استعدادها لإرسال قوات بمجرد إحلال السلام. أبدى “أولاف شولتز” المستشار الألماني تردده في إبداء أي التزام قبل الانتخابات الوطنية التي ستُعقد في فبراير 2025 على الرغم من أن المنافس الرئيسي لحزبه، الديمقراطيون المسيحيون المحافظون، أشاروا إلى أنهم منفتحون على الفكرة. كما ذكرت بولندا إنها لن تنشر جنوداً بولنديين كجزء من أي ترتيب متعدد الجنسيات.
تواجه أوروبا العديد من التحديات لنشر قوات حفظ السلام في أوكرانيا منها، موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يزيد الأمور تعقيداً، لأن أي قرار سوف تعارضه روسيا والصين، سوف يكون مصيره الفشل منذ البداية. كذلك افتقار دول الاتحاد الأوروبي إلى القوى البشرية الكافية، وقد تواجه القوات البرية تهديداً على الأرض، كما تواجه البلدان التي ستنشرها تهديدات، وخاصة التهديدات الهجينة. بالإضافة الحاجة إلى الدعم الاستخباري الأمريكي من خلال الاستطلاع المتفوق عبر الأقمار الصناعية.
تقول “كلوديا ميجور” المحللة في مؤسسة “SWP” البحثية الألمانية “إن تجميع مثل هذه القوة للسلام أمر يصعب تحقيقه بالنسبة للأوروبيين بمفردهم”. وأضافت “ميجور”: “إن تقديرات القوة المطلوبة تتراوح بين (40 إلى 150) ألف جندي، بالإضافة إلى القوات الأوكرانية. وعلى سبيل المقارنة، بدأت قوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو بـ (48) ألف جندي في عام 1999، وقامت بتأمين منطقة مساحتها (11) ألف كيلومتر مربع ، وفقًا لدراسة شاركت في تأليفها ميجور، في حين أن مساحة أوكرانيا تبلغ حوالي (55) ضعف هذا الحجم.
إلى أي مدى تؤثر العقوبات على روسيا والمساعدات العسكرية لأوكرانيا على المفاوضات؟
أعلنت دول الاتحاد الأوروبي في 18 فبراير 2025 تقديم حزمة مساعدات عسكرية بقيمة (6) مليارات يورو على الأقل لأوكرانيا في إطار سعيها إلى تعزيز موقف كييف الاستراتيجي في بداية المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة مع روسيا. من المفترض أن تشمل كل شيء بدءًا من (1.5) مليون قذيفة مدفعية إلى أنظمة الدفاع الجوي، وهي واحدة من أكبر حزم المساعدات العسكرية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي منذ بداية حرب أوكرانيا في عام 2022.
وافق الاتحاد الأوروبي في 19 فبراير 2025 على فرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا وسط مساعي الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لإجراء مفاوضات بشأن مصير أوكرانيا، وهو ما أثار شكوكا حول جدوى القيود الصارمة على المدى الطويل. كما وافق الاتحاد الأوروبي في يناير 2025 على تمديد العقوبات التي تهدف إلى حرمان روسيا من الأموال لتمويل حربها ضد أوكرانيا لمدة ستة أشهر. وستظل العقوبات سارية على الأقل حتى 31 يوليو 2024.
يعتقد “كلود فرانس أرنولد” الدبلوماسي الفرنسي السابق والمستشار الخاص لرئيس الشؤون الأوروبية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية “أنه كان ينبغي للاتحاد الأوروبي أو بعض الدول الأوروبية أن تقترح إجراء محادثات قبل أن يطلق ترامب مبادرته، ربما مع دول أخرى غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي”. أمن دولي ـ التطور الدبلوماسي لموقف ألمانيا تجاه حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين
من هو الأوروبي الأوفر حظًا للعب دور رئيسي في مفاوضات أوكرانيا؟
بدأ “أنطونيو كوستا” رئيس المجلس الأوروبي في فبراير 2025 “مشاورات ثنائية” مع زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحديد ما هم على استعداد للقيام به فيما يتعلق بالمساعدات لأوكرانيا ومواقفهم بشأن الضمانات الأمنية. وباتت مسألة تعيين “مبعوث أوروبي خاص” لأوكرانيا قد تتم مناقشتها خلال المحادثات التي يجريها “كوستا” مع الزعماء.
أشار استطلاع للرأي في فبراير 2025 حول من يستحق الحصول على دعوة على طاولة المفاوضات بشان حرب أوكرانيا، حيث جاء “كوستا” والممثلة الأعلى للاتحاد الأوروبي “كايا كالاس” في المقدمة بسبب المسؤوليات الموكلة إليهما من خلال أدوارهما المختلفة. كما أن هناك احتمالية لاختيار رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” قد تكون الإيطالية “جورجيا ميلوني” التي يُنظَر إليها على أنها قريبة من “ترامب” من بين المرشحين.
كيف يسعى الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على واشنطن؟
يبحث الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء عن سبل لجعل استراتيجيتهم الدفاعية أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة وأكثر مرونة وكفاءة. ومن الممكن أن يلعب تعزيز صناعة الدفاع وشراء أنظمة الأسلحة بشكل مشترك دورًا رئيسيًا في هذا الصدد. يتفق أغلب المسؤولين في الاتحاد الأوروبي على ضرورة استثمار المزيد في الدفاع. وقد قدرت المفوضية الأوروبية أن الإنفاق الدفاعي سوف يتطلب خلال السنوات العشر المقبلة ما قيمته (500) مليار يورو. وتعتزم المفوضية الأوروبية تقديم استراتيجية بحلول شهر مارس 2025 ليناقشها زعماء الاتحاد الأوروبي في يونيو 2025.
أجرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية استطلاعا في نوفمبر 2024 شمل (14) دولة أوروبية، ثلاث منها ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي (المملكة المتحدة وسويسرا وأوكرانيا). أكد (50%) من المشاركين إن الولايات المتحدة “شريك ضروري” وليس حليفاً، مع وجود أعلى عدد من الذين يتبنون هذا الرأي في البلدان القريبة تقليدياً من الولايات المتحدة، مثل أوكرانيا (67%) وإستونيا (55%) والدنمارك (53%). واعتبر ما يزيد قليلًا على الخمس (21 %) الولايات المتحدة حليفة، مع تسجيل أرقام أقل في ألمانيا (19 %)، وفرنسا (14 %)، وبلغاريا (11 %). أمن قومي ـ أهم التهديدات الأمنية الحالية لدول الاتحاد الأوروبي
**
2 ـ أمن دولي ـ معوقات المشاركة الأوروبية في مفاوضات ترامب وبوتين حول أوكرانيا؟
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا توترًا متزايدًا منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع روسيا. فرغم أن أوروبا كانت دائمًا لاعبًا رئيسيًا في القضايا الأمنية والاقتصادية العالمية، إلا أن إدارة ترامب أعادت تبني سياسة أكثر انعزالية، مما أثار تساؤلات حول مدى تأثير الدول الأوروبية في القرارات الكبرى التي تتخذها الولايات المتحدة وروسيا. مع توجه ترامب لإعادة هيكلة التحالفات الدولية وفق مبدأ “أمريكا أولًا”، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقف يبدو ضعيفًا، حيث أصبح التأثير الأوروبي على السياسات الأمريكية أكثر تعقيدًا. فهل تمكنت أوروبا من فرض رؤيتها في القضايا الدولية رغم التجاهل الواضح لها من قبل إدارة ترامب؟
ما طبيعة التوجهات السياسية لترامب تجاه الحلفاء الأوروبيين؟
اتسمت سياسة ترامب الخارجية منذ عودته إلى الحكم بالتشكيك في جدوى التحالفات التقليدية، بما في ذلك العلاقة مع أوروبا. فقد أعاد انتقاد حلف شمال الأطلسي (الناتو) معتبرًا أنه يشكل عبئًا ماليًا على الولايات المتحدة، وطالب الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكري. كما جدد مواقفه المتشددة تجاه الاتحاد الأوروبي، منتقدًا سياساته الاقتصادية والأمنية، وشجع الحركات القومية المناهضة للاتحاد الأوروبي. وقد رأى الباحث الألماني هانز كونراد أن سياسة ترامب تهدف إلى تقويض النفوذ الأوروبي لصالح تعزيز المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة على حساب شركائها التقليديين. كما أن إعادة انتخابه أعطته دافعًا أقوى لمتابعة هذه السياسات، وهو ما أدى إلى مزيد من التوتر في العلاقات الأوروبية-الأمريكية.أمن دولي ـ ما هو تأثير الخلاف بين ترامب وزيلينسكي على صفقة المعادن؟
ما تأثير سياسة “أمريكا أولاً” على العلاقات؟
تبنت إدارة ترامب في بداية ولايته الثانية شعار “أمريكا أولاً” بتركيز أكبر، مما انعكس سلبًا على العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين. فقد فضّل ترامب التعامل مع الدول على أساس العلاقات الثنائية بدلاً من التحالفات الجماعية، مما أضعف التنسيق الأوروبي-الأمريكي في قضايا كبرى مثل السياسة الدفاعية والتجارية. وقد أدى ذلك إلى تراجع الثقة الأوروبية في التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا، خاصة في ظل التقارب الأمريكي مع روسيا في بعض الملفات. وقد أكد الباحث السياسي الفرنسي جان بيير مولين أن هذا التوجه أضر بالمصالح الاستراتيجية الأوروبية، حيث أصبحت دول الاتحاد الأوروبي مضطرة إلى البحث عن بدائل لتعزيز أمنها القومي والاقتصادي، وهو ما دفعها إلى تقوية علاقاتها مع الصين وروسيا، رغم المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بذلك.أمن دولي ـ لماذا يرفض ترامب دعم مشروع قرار الأمم المتحدة بشأن أوكرانيا؟
الاتفاق النووي الإيراني وانسحاب الولايات المتحدة
كان الاتفاق النووي الإيراني أحد أبرز القضايا التي أثارت خلافات حادة بين الولايات المتحدة وأوروبا. ففي يناير 2025، قرر ترامب مجددًا فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، رغم اعتراضات الاتحاد الأوروبي. ورغم جهود أوروبا للحفاظ على الاتفاق، إلا أنها واجهت صعوبات في مواجهة العقوبات الأمريكية، مما حدَّ من قدرتها على التأثير في المسار السياسي الأمريكي تجاه إيران.
تبنّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهجًا مزدوجًا تجاه الاتفاق النووي مع إيران. فمن جهة، أعاد فرض سياسة “الضغط الأقصى” عبر توقيع مذكرة تهدف إلى تقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، بهدف حرمان طهران من الموارد المالية الضرورية لبرنامجها النووي. ومن جهة أخرى، أعرب عن رغبته في التوصل إلى “اتفاق نووي سلمي خاضع للتدقيق” مع إيران، مؤكدًا أنه يفضل الحلول الدبلوماسية التي تسمح لإيران بالنمو والازدهار، بشرط عدم امتلاكها للسلاح النووي. بالمقابل، سعت الدول الأوروبية إلى الحفاظ على قنوات الحوار مع إيران، حيث عقدت اجتماعات في جنيف في يناير 2025 لبحث إمكانية استئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني قبل تولي ترامب منصبه رسميًا. ورغم الضغوط الأمريكية، دعت هذه الدول إلى إيجاد حلول دبلوماسية لتجنب تصعيد التوترات في المنطقة.
وقد أشار المحلل الأمريكي ديفيد فريدمان إلى أن “سياسة ترامب تجاه إيران تمثل استكمالًا لنهجه السابق، حيث أنه لم يعد يأخذ المصالح الأوروبية بعين الاعتبار، مما دفع أوروبا إلى البحث عن آليات مستقلة، ولكن هذه الجهود لم تكن كافية لاحتواء الضرر الناتج عن العقوبات الأمريكية”.أمن دولي ـ ما هي حقيقة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا؟
كيف تتأثر اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؟
شهدت المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعثرًا كبيرًا بسبب سياسة ترامب الحمائية، حيث فرضت إدارته تعريفات جمركية على المنتجات الأوروبية، مما أدى إلى توتر تجاري بين الطرفين. ورغم محاولة بروكسل التوصل إلى حلول وسط، فإن سياسة ترامب التي تضع المصالح الأمريكية أولاً عرقلت أي تقدم جوهري في هذا الملف. الباحث الاقتصادي الألماني توماس كريستيان أوضح أن “استراتيجية ترامب التجارية قامت على أساس الضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على اتفاقات تخدم مصالح الولايات المتحدة، دون مراعاة المصالح الأوروبية، مما جعل المفاوضات غير متوازنة وغير مثمرة”.
ما جهود أوروبا في الحفاظ على النظام الدولي متعدد الأطراف؟
حاولت أوروبا خلال فترة حكم ترامب تعزيز النظام الدولي متعدد الأطراف، في مواجهة السياسات الأحادية التي انتهجها البيت الأبيض. فقد كثفت بروكسل تعاونها مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى للحفاظ على الاستقرار العالمي، إلا أن تأثير هذه الجهود كان محدودًا في ظل المعارضة الأمريكية. وفي هذا السياق، قال الباحث الفرنسي لويس دوبريه: “كانت أوروبا الطرف الأكثر التزامًا بالقواعد الدولية، ولكن عدم وجود أدوات ضغط كافية جعل جهودها غير فعالة أمام الولايات المتحدة وروسيا”.
ما معوقات المشاركة الأوروبية؟
كانت إحدى العقبات الرئيسية التي حدت من قدرة أوروبا على التأثير في المفاوضات بين ترامب وبوتين هي غياب سياسة خارجية موحدة داخل الاتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من أن الاتحاد يمثل كيانًا سياسيًا واقتصاديًا موحدًا، إلا أن الدول الأعضاء تمتلك مصالح متباينة وتوجهات استراتيجية مختلفة، مما حال دون تبني موقف أوروبي موحد تجاه القضايا الجيوسياسية الكبرى. وتبرز هذه الإشكالية بشكل واضح عند النظر إلى العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة، حيث تتباين مواقف الدول الأوروبية بشدة بين مؤيد للتعاون مع موسكو، مثل فرنسا وألمانيا، وبين متشدد يطالب بمزيد من العقوبات، مثل دول البلطيق وبولندا.
الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي أضعفت موقفه التفاوضي، مما جعل من الصعب على القادة الأوروبيين فرض شروطهم أو حتى الحصول على مقعد متقدم في المفاوضات الأمريكية-الروسية. وعلى سبيل المثال، بينما سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تعزيز الحوار مع موسكو من خلال مبادرات دبلوماسية، شددت دول شرق أوروبا على ضرورة اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الكرملين، وهو ما أدى إلى تشتيت الجهود الأوروبية وإضعاف تأثيرها.
إضافة إلى ذلك، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) زاد من تعقيد الأمور، إذ فقدت بروكسل واحدة من أقوى القوى الدبلوماسية والعسكرية داخل التكتل، مما قلل من ثقلها في المفاوضات العالمية. وأشار الباحث في الشؤون الأوروبية “ريتشارد يونغس” إلى أن غياب سياسة خارجية موحدة يجعل أوروبا لاعبًا ثانويًا في القضايا الكبرى، حيث تفضل القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا التفاوض مباشرة دون إشراك الاتحاد الأوروبي كمحاور رئيسي.
**
3 ـ أمن دولي ـ كيف تتعامل أوروبا لمواجهة “تهديدات” ترامب في ملف الدفاع والأمن؟
تفرض تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الأمن الأوروبي ودور أوروبا في الإنفاق العسكري داخل حلف الناتو، قواعد لعبة جديدة بالكامل على أوروبا، وتدخل العلاقات عبر الأطلسي إلى مرحلة هشة ومتوترة، ما يجعل 2025 عاماً مليئاً بالتحديات الأمنية على حلفاء واشنطن بالناتو، في ظل الحديث عن إمكانية وقف الحرب الروسية الأوكرانية، وطبيعة الدور الأوروبي المتوقع في هذه المباحثات، والضمانات الأمنية التي يمكن أن تقدمها أوروبا لأوكرانيا، في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا، خاصة وأن التحركات الأمريكية حول إنهاء هذه الحرب تتم بمنأى عن أوروبا، الأمر الذي يزيد مخاوف الأخيرة من تداعيات التقارب الروسي الأمريكي الذي ظهر مؤخراً عقب وصول ترامب للبيت الأبيض.
ماذا حمل خطاب ترامب من رسائل حول حلف الناتو وزيادة الإنفاق الدفاعي؟
منذ ولايته الأولى، عُرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانتقاده الحاد لحلف الناتو، واتهامه لأوروبا بالاعتماد المفرط على واشنطن لتمويل الحلف، وفي ولايته الثانية، عاد ليجدد هذا الحديث، وفي 7 يناير 2025، أعلن ترامب، أنه يتعين على دول الناتو أن تنفق (5%) من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو ما يتجاوز بكثير النسبة المستهدفة والحالية البالغة (2%).
قال دونالد ترامب في 24 يناير 2025، إنه ليس متأكداً من أنه يجب على بلاده إنفاق كل شيء على الناتو، وأشار إلى أن واشنطن تحمى الدول الأعضاء بالحلف، ولكن هذه الدول لا تحمي واشنطن، التي أنفقت نحو (3.38%) من ناتجها المحلي خلال 2024 على الناتو.
تعد تصريحات ترامب عقب توليه الرئاسة الأمريكية رسمياً، ترجمة لخطاباته خلال الحملة الانتخابية، والتي أحدثت صدمة للأوروبيين، عندما أشار إلى أنه سيشجع روسيا على مهاجمة دول الحلف التي لا تفي بتعهداتها المالية تجاه الناتو، وربط بين رفع الإنفاق العسكري مقابل الحماية.
ضغط ترامب على أوروبا هذه المرة يختلف كثيراً عن تهديداته في الولاية الأولى، بالانسحاب من الناتو بالكامل. ويعلم جيداً أن مطلب رفع الإنفاق لـ (5%) غير قابل للتحقيق، وخاصة وأن بعض الدول لم تنفق (2%)، وسينتظر أعضاء الحلف قمة لاهاي المقررة في يونيو 2025، لتحديد هدف إنفاق جديد يلائم التحديات الأمنية الحالية.
إن طرح ترامب تعجيزياً بالأساس للدول الأوروبية، رغم أنه يبدو بهدف تلبية خطط دفاع الحلف، لكن اعتماده لشعار “أمريكا أولاً”، وتحويل تركيزه لمواجهة تهديدات الصين، ورغبته في عدم تحمل بلاده أعباء دفاعية خارج المناطق التي لا تحظى باهتمامه، يشير إلى أن الهدف هو التخلي عن أوروبا في مسألة الأمن، في حالة تمسكه بهذه النسبة في الإنفاق الدفاعي وتقويض دور الناتو، وتفريغه من الداخل بانسحاب بعض الدول التي لن تتمكن من تلبية رغبته.
وجه ترامب عبر تهديداته رسائل واضحة لأوروبا، بأن البقاء في الحلف والتعاون في مسألة الدفاع، يصبح مرتبطاً بشروط واشنطن، ويستخدمه كورقة مساومة لإجبار الحلفاء بشراء المزيد من الأسلحة الأمريكية، أو الحصول على تنازلات في الحرب الأوكرانية وقضايا متعلقة بالتجارة والتكنولوجيا. أمن دولي ـ ترامب: “يمكن لأوكرانيا أن تنسى الانضمام إلى الناتو”
ما تداعيات تهديدات “ترامب” على الأمن الأوروبي؟
التغيرات التي طرأت على الموقف الأمريكي تجاه دعم الحلفاء، أكدت أن إدارة ترامب ستستخدم كل الأدوات لتنفيذ تهديداتها. تعتبر أوروبا أن وقف الحرب الأوكرانية بشروط أمريكية دون إدخالها طرفاً، وتخلي واشنطن عن تأمين كييف وأوروبا بعد عقد اتفاق سلام، الخطر الأكبر على الأمن الأوروبي، ويتيح لروسيا فرصة لممارسة ضغوط على وحدة وتماسك الموقف الأوروبي، وتسليح نفسها من جديد وشن هجوماً قريباً على أوكرانيا أو أي دولة أوروبية أخرى، مع احتمالية تدخل روسيا في تشكيل حكومات موالية لها في جورجيا أو مولدوفا.
تمتد المخاطر إلى التهديدات السيبرانية والهجينة المحتملة على البنية التحتية للاتحاد الأوروبي، وتزايدت الهجمات السيبرانية منذ بداية الحرب الأوكرانية، وتصاعدت حوادث تخريب الكابلات البحرية في بحر البلطيق خلال نوفمبر وديسمبر 2024. ويعد هذا التهديد هو الأخطر والنهج الأقرب لروسيا لردع أوروبا، خاصة وأن الأولى لن تلجأ إلى ورقة السلاح النووي.
في ظل سعي أوروبا لزيادة الإنفاق الدفاعي في النصف الأول من 2025، تصبح حكومات أوروبا أمام معضلة لتوازن بين ميزانية الإنفاق العسكري، وباقي بنود الميزانية المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ما يزيد من الاضطرابات داخل أوروبا ويهدد أمنها واستقرارها.
ما ردود الفعل الأوروبية على سياسات ترامب بشأن الدفاع والأمن؟
زيادة ميزانيات الدفاع لبعض الدول الأوروبية
تسببت تهديدات ترامب، في إثارة الذعر والانقسام في أوروبا، وفي 8 يناير 2025، قال وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو، إنه من المستحيل تحقيق نسبة (5%) لجميع دول العالم، وتخطط إيطاليا لإنفاق (1.57%) في 2025 على الدفاع، وتهدف للوصول إلى (2%) في 2028. وقالت رئيسة الوزراء الإستونية كريستين ميشال، إن بلادها ستنفق (3.7%) في 2025. وأشارت السويد إلى إمكانية إنفاق المزيد من المال، وأنفقت (2.1%) من ناتجها المحلي في 2024.
انتقد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، في 9 يناير 2025، تصريحات ترامب، معتبراً أن الزيادة في الإنفاق الدفاعي بهذه النسبة غير مفيدة، وتمثل النسبة لألمانيا (40%) من الميزانية الاتحادية، ولا يمكن أن تتحمل دولة هذا العبء. ويبحث المستشار الألماني المحتمل فريدريش ميرتز، سبل تسريع رفع الإنفاق العسكري قبل تشكيل الحكومة المقبلة.
تشير التوقعات إلى صعوبة زيادة لندن وباريس الإنفاق الدفاعي، لارتفاع مستويات الدين العام (100%) من الناتج المحلي، وتنفق الأولى (2.3%) على الدفاع، وتعهدت بريطانيا بزيادة النسبة إلى (2.5%) بحلول 2027. وكافحت ألمانيا وفرنسا لتخصيص (2%) للاحتياجات العسكرية. أبدت بولندا وإستونيا تأييدهما لمطلب ترامب، وقدمت الأولى نفسها كحلقة وصل عبر الأطلسي، وتستثمر (4%) من ناتجها المحلي على الدفاع.
مبادرة التعاون الدائم (PESCO)
راجعت دول الاتحاد الأوروبي، مبادرة التعاون الدائم (PESCO)، لتعميق التعاون الدفاعي بين الدول الأعضاء لمواكبة المتغيرات الجيوسياسية بعد 2025، وركزت المراجعة على الالتزامات الـ (20) الحالية المتعلقة، بالإنفاق الدفاعي والتعاون الصناعي، والاستعداد العملياتي، ومعالجة فجوات القدرات الاستراتيجية.
تهدف خطة العمل في مبادرة التنقل العسكري التابعة للتكتل الأوروبي (2022-2026)، لتعزيز مرونة وجاهزية البنية التحتية للنقل من مطارات وممرات مائية وسكك حديدية مستخدمة لأغراض مدنية وعسكرية، للتعامل مع الأزمات على حدود التكتل. أمن أوروبا ـ تعزيز الدعم الأوروبي لأوكرانيا في مواجهة الضغوطات الأمريكية
ما التحركات الأوروبية البديلة للتعامل مع مستقبل الأمن الأوروبي؟
تطوير منظومات دفاعية أوروبية مستقلة
تعمل البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، على تطوير سياسة الأمن والدفاع بحلول 2030، في إطار الأمن الدولي والأطلسي، وتعزز الاستقلال الاستراتيجي وقدرته على التعاون مع الشركاء لحماية مصالحه وأمنه، وفقا لـ (4) ركائز: الاستثمار والعمل والتأمين والشراكة.
من المقرر إصدار استراتيجية جديدة للأمن الداخلي للاتحاد، خلال الربع الأول من 2025، ليدعم قدرات القطاعات بالاتحاد للتصدي للتهديدات، وناقشت وزير الخزانة البريطانية راشيل ريفز، في 25 فبراير 2025، صياغة اتفاقيات مشتركة حول تمويل الدفاع مع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي.
تعزيز العلاقات مع دول خارج أوروبا
ظهر تقارب بين الاتحاد الأوروبي وكندا، بزيارة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، في 12 فبراير 2025، بروكسل، لتنويع الشراكة بعيداً عن واشنطن. بعد فرض دونالد ترامب رسوماً بنسبة (25%) على واردات الصلب والألومنيوم لبلاده، وطرحه لضم كندا وغرينلاند. ويبحث الاتحاد عن شركاء آخرين لمواجهة التهديدات التجارية والأمنية.
الاستثمار في الصناعات العسكرية الأوروبية
يعمل الاتحاد على تطوير أنظمة الدفاع الجوي والذخيرة، خاصة وأنه لم يتمكن من تسليم مليون طلقة ذخيرة لكييف في 2024. ووقعت ألمانيا وفرنسا في 2024، على اتفاقية عسكرية لتصنيع دبابة قتالية جديدة، بديلاً لدبابات “ليوبارد” الألمانية و”لوكلير” الفرنسية، وأبرمت بريطانيا وألمانيا اتفاقية “ترينيتي هاوس” لتطوير صناعات الدفاع، وتعزيز الأمن الأوروبي الأطلسي.
قال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، في 12 فبراير 2025، إن بلاده لم تعد تركز على الأمن الأوروبي، وأن أوروبا يجب أن توفر النصيب الأكبر من المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وقد طرحت ألمانيا و(18) دولة بالاتحاد في 31 يناير 2025، التوسع في تمويل السلاح عبر بنك الاستثمار الأوروبي، ليرفع القاعدة الدفاعية لمستوى التحديات الأمنية قصيرة وطويلة المدى.
إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى استثمارات بـ (500) مليار يورو إضافية خلال العقد المقبل، لزيادة إنتاجه العسكري وتغطية احتياجاته الدفاعية. ومن المتوقع أن تصدر المفوضية الأوروبية، في 19 مارس 2025، كتابها الأبيض بشأن الدفاع، ليتضمن ما يجب أن يستثمره الاتحاد في التكنولوجيا تجارياً وعسكرياً وآليات تمويله.
هل ستنجح أوروبا في مواجهة التحديات الأمنية بدون الولايات المتحدة؟
– تفاوت الإنفاق الدفاعي بالناتو: تمكنت (24) دولة من (32) عضواً بالحلف، من رفع الإنفاق إلى (2%) من الناتج المحلي في 2024. ولكن احتمالية رفع النسبة بشكل كبير في القمة المقبلة، يعرقل خطوات بعض الدول لتعديل سياساتها الدفاعية، باستثناء بولندا ودول البلطيق. ويخضع الإنفاق العسكري لقيود بيروقراطية وقانونية بألمانيا، وتواجه فرنسا وإيطاليا وإسبانيا أزمات مالية، نظراً لأن الدفاعي سيصبح ثلاثي، موجه للناتو والاتحاد الأوروبي وداخل كل دولة.
– ميثاق الاستقرار والنمو: يحدد هذا الميثاق سقف الدين بدول الاتحاد، عند (60%) من الناتج المحلي، والعجز بالميزانية (3%)، في حال تجاوز هذه النسب، تصبح الدول عرضة لعقوبات وغرامات من المفوضية الأوروبية. وتخضع إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وبولندا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا لهذه الإجراءات. وتطالب دول بالتكتل التعامل بمرونة مع الميثاق لتمويل الدفاع.
– الفجوة في التمويل: غير بنك الاستثمار الأوروبي قواعده، لتوفير (6) مليارات يورو لأنظمة الأمن والدفاع ذات الاستخدام المزدوج، لإيجاد وسائل بديلة لدعم الصناعات الدفاعية. هذا الرقم لا يمثل نسبة كبيرة من ميزانيات دول الاتحاد، حيث يصرف قطاع البيئة تريليون يورو. في 2024 وصل حجم استثمارات الدول الأوروبية في الدفاع (485) مليار يورو، بزيادة تقدر بنحو (20%) عن 2023. يسعى التكتل إلى توجيه الإنفاق إلى صناعة الأسلحة والنقل العسكري والدفاع السيبراني.أمن أوروبا ـ ماذا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفعل لبناء “اتحاد دفاعي” خاص به؟
**
تقييم وقراءة مستقبلية
– يرى الأوروبيون أن التوصل إلى اتفاق سلام بشان أوكرانيا دون ضمانات قد يعزز من قوة روسيا، ومن شأنه أن يترك أوروبا في مواجهة مباشرة معها، ما يعكس التوجه الأوروبي لتقوية موقف أوكرانيا في محادثات السلام
– يمتلك الاتحاد الأوروبي العديد من الأوراق السياسية للتأثير على المفاوضات بشأن أوكرانيا منها، المساعدات العسكرية والعقوبات على روسيا، ما قد يعزز من حجة الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى المفاوضات الأميركية الروسية.
– يريد “ترامب” تركيز انتباهه بعيدا عن الأمن الأوروبي للدول الأوروبية وتركيز طاقات الولايات المتحدة الأمريكية على الأميركيتين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين.
– يمكن القول أن الهدف من وجود قوات حفظ السلام الأوروبية هو إرسال رسالة إلى الأوكرانيين مفادها أنهم ليسوا وحدهم. ولإظهار أن أوروبا “تقوم بدورها” في الدفاع عن نفسها، وتحذير موسكو أنها إذا خالفت شروط وقف إطلاق النار المحتمل، فلن تتعامل مع كييف بمفردها.
– من المرجح أن يكون من الصعب على زعماء الاتحاد الأوروبي تعيين واحد من أعضائهم في مفاوضات حرب أوكرانيا، بسبب المخاوف من أن ذلك قد يفضل مصالحهم الوطنية أو مواقفهم.
– ينبغي على الاتحاد الأوروبي تحديد أولويات السياسة الخارجية الأوروبية بما يتماشى مع تحديات المستقبلية كالهجمات السيبرانية، وملف الأمن والهجرة. كذلك تطوير سياسة أوروبية مستقلة في بعيدًا عن الولايات المتحدة، وإعادة تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة. كذلك تعزيز دور دول التكتل كوسيط في حل النزاعات الدولية في الشرق الأوسط.
**
– كانت أوروبا تاريخيًا أحد اللاعبين الرئيسيين في السياسة الدولية، ولكن مع إدارة ترامب، تراجع نفوذها بشكل ملحوظ. فمع إقصاء أوروبا من المفاوضات الرئيسية بين واشنطن وموسكو، قد يصبح الدور الأوروبي ثانويًا، مما يؤثر على قدرة الاتحاد الأوروبي في التأثير على القرارات العالمية. وقد رأى الباحث البريطاني ريتشارد يونغ أن “استبعاد أوروبا من المفاوضات ليس مجرد قرار سياسي أمريكي، بل هو مؤشر على ضعف الدور الأوروبي عالميًا في ظل غياب رؤية موحدة”.
– لم تكن أوروبا موحدة في مواقفها تجاه الولايات المتحدة وروسيا. فبينما تبنت فرنسا وألمانيا موقفًا أكثر صرامة تجاه موسكو وواشنطن، فضلت دول أخرى مثل المجر وإيطاليا انتهاج سياسات أكثر مرونة تجاه إدارة ترامب وروسيا. هذا التباين أدى إلى إضعاف الموقف الأوروبي المشترك في المفاوضات مع القوى الكبرى، وجعل من السهل على ترامب وبوتين التعامل مع كل دولة على حدة بدلاً من التعامل مع أوروبا ككيان واحد.
– بعد التجربة المريرة السابقة مع ترامب، سعت أوروبا إلى تبني استراتيجيات جديدة لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. من بين هذه الاستراتيجيات تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية من خلال تطوير مشاريع عسكرية مستقلة عن الناتو، كما عملت الدول الأوروبية على تعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها للحد من التأثيرات السلبية للسياسات الأمريكية.
– مع استمرار ترامب في الحكم حتى عام 2029، يبقى السؤال حول مستقبل العلاقات الأمريكية-الأوروبية مفتوحًا. ورغم الضغوط الأوروبية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، إلا أن الواقع الجيوسياسي يفرض استمرار التعاون بين الطرفين، خاصة في ظل التهديدات الأمنية المشتركة. لذا، تحتاج أوروبا إلى اتباع سياسة أكثر استقلالية دون القطيعة مع واشنطن.
– في ظل هذه التحديات، باتت أوروبا بحاجة إلى تعزيز آليات التنسيق بين دولها الأعضاء لتفادي التهميش في الترتيبات الجيوسياسية الكبرى، خاصة في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتزايد حدة الاستقطاب بين القوى الكبرى.
– تمثل تجربة تهميش أوروبا خلال مفاوضات ترامب وبوتين درسًا هامًا للاتحاد الأوروبي حول أهمية تطوير سياسة خارجية أكثر استقلالية وفاعلية. فرغم أن أوروبا تمتلك قوة اقتصادية كبيرة، إلا أن ضعف تنسيقها السياسي جعلها أقل تأثيرًا في القضايا الدولية الكبرى. ولتجنب تكرار هذه التجربة، تحتاج أوروبا إلى تعزيز التنسيق بين دولها، وتطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية، وتحقيق استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة.
– لضمان دور أكثر تأثيرًا في المشهد الدولي، تحتاج أوروبا إلى تبني استراتيجيات جديدة تقلل من اعتمادها على الولايات المتحدة وتعزز نفوذها السياسي والعسكري. الاتحاد الأوروبي مطالب بتطوير سياسات أكثر استقلالية في مجالات الدفاع والطاقة، بحيث يكون أقل تأثرًا بقرارات واشنطن. كما أن تحسين العلاقات مع روسيا بشكل متوازن، بدلًا من اتباع النهج الأمريكي المتشدد، قد يساعد في خلق بيئة تفاوضية أكثر توازنًا.
**
– يعد 2025 عام اختبار لأوروبا، لمدى استعدادها للمضي قدماً في تحمل مسؤولية أمنها القومي بمفردها، دون الاعتماد على الولايات المتحدة، وقدرتها على الاستثمار في الإنتاج العسكري، خاصة وأن العام الحالي سيشهد مناقشات بشأن برنامج الدفاع الأوروبي، بعد أن أصبحت مسألة رفع الإنفاق الدفاعي ضرورياً، في ضوء تهديدات دونالد ترامب لأوروبا، بالتخلي عنها في حال شن روسيا هجوماً محتملاً، وعدم التزام دولها بالوعود تجاه الناتو، الأمر الذي يدفع المفوضية الأوروبية لإطلاق خطط لإعادة تأهيل قدرة القارة الأوروبية، على مقاومة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية.
– تكرار دونالد ترامب تصريحاته، حول الإنفاق الدفاعي ورفع النسبة من (2%) إلى (5%)، رغم علمه بصعوبة تحقيق بعض دول الناتو هذه النسبة، يعني أن واشنطن غيرت من استراتيجيتها تجاه الناتو، ولم تعد أوروبا محل اهتمامها، ما يفسر سرعة التحركات الأمريكية لإنهاء حرب أوكرانيا، دون تقديم ضمانات أمنية لكييف. في المقابل تسعى بعض الدول الأوروبية إلى استرضاء ترامب، عبر شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية، أو توقيع صفقات جانبية، ولن تكون هذه الخطوات كافية، ما يجبر أوروبا على تأسيس قوة ردع أوروبية قوية، عبر الاقتراض الجماعي أو إنشاء آلية خاصة، لتعزيز القدرات العسكرية وتحويلها لقوة قتالية نشطة، حتى لا يتضرر الردع الأوروبي كثيراً.
– يواجه الأمن الأوروبي 3 سيناريوهات مستقبلية، السيناريو الأول، بقاء واشنطن في الناتو، وتقديمها لدعم محدود للحلف، دون تحمل الأعباء المالية الكبرى، والتزام الدول الأوروبية برفع الإنفاق الدفاعي، ليتحول الناتو لكيان أكثر استدامة مالياً، بالاعتماد على موارد أوروبية. يواجه هذا السيناريو تحديات مالية وسياسية داخل الاتحاد. بينما يرجح السيناريو الثاني انسحاب واشنطن وتقليل التزاماتها تجاه الحلف، ما يدفع أوروبا لتكوين تحالفات جديدة مع دول مثل كندا واليابان، وتطوير برامج ردع نووي أوروبية، والسعي لتأسيس جيش أوروبي مستقل لضمان التوازن العسكري. ويدور السيناريو الثالث في إطار عدم تمكن أوروبا من رفع الإنفاق العسكري، مقابل تمسك ترامب برؤيته، ما يؤدي لتصعيد سياسي داخل الناتو، وإعادة هيكلتها بتحالفات بديلة.
– ترغب بريطانيا وبعض دول التكتل الأوروبي، في إظهار تأييدهم لقرار ترامب، والتعويل على مفاوضات الناتو في قمة يونيو 2025، لتقريب وجهات النظر والتوافق على نسبة إنفاق عسكري مناسبة، في ظل انقسام أوروبا الشرقية والغربية حول حجم التهديدات التي تمثلها روسيا، وارتفاع حدة المخاطر من الهجمات السيبرانية المحتملة، ما يجعل هذه النقطة فرصة لتطوير الموارد اللازمة للردع التقليدي، وعودة أوروبا كفاعل رئيسي في الصراع الروسي الأوكراني.
– التحركات الأوروبية بشأن رفع الإنفاق الدفاعي، تتطلب سنوات للتكيف مع سياسات واشنطن الجديدة، وتجاوز الدول للأزمات الاقتصادية لزيادة ميزانية الدفاع، واحتواء الخلافات السياسية بين الدول على طبيعة الرد على قرار ترامب، والقدرة على ضخ أموال للاستثمارات العسكرية، وتحقيق الاستقلالية عن الموردين الأمريكيين.
– لا تقتصر الضغوط على أوروبا من جانب واشنطن فحسب، بل تمتد إلى الاتحاد الأوروبي وداخل كل دولة، لتحقيق التوازن بين حرية إنفاق الدول لميزانياتها الدفاعية المحلية، والمساهمة في الدفاع الجماعي داخل التكتل الأوروبي وحلف الناتو، وينبغي على الشركات الأوروبية إعادة إنتاج الأسلحة، وأن تعيد أوروبا تقديم نفسها كقوة عسكرية مستقلة مسؤولة عن حماية أراضيها من التهديدات المتزايدة.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=101586
حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
هوامش
Trump’s Pivot Toward Putin’s Russia Upends Generations of U.S. Policy
https://tinyurl.com/y5s9fved
Trump’s rush for a deal with Putin leaves Ukraine and Europe scrambling
https://tinyurl.com/yvkdzser
EU targets €6B Ukraine military aid package
https://tinyurl.com/2p9xwkxk
Can Europe and UK persuade Trump they’re relevant to Ukraine’s future?
https://tinyurl.com/hxrhvt8k
**
The Transatlantic Alliance in the Age of Trump: The Coming Collisions
Netanyahu seeks to draw Trump into future attack on Iranian nuclear sites
How Europe Views Trump: Three Camps on a Fluid Map
US-EU relations: The 31 days that shook the transatlantic partnership
**
Europe splits on Trump’s call to dramatically boost defense spending
Trump’s Five Percent Doctrine and NATO Defense Spending
The Trump card: What could US abandonment of Europe look like?
US no longer ‘primarily focused’ on Europe’s security, says Pete Hegseth