المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI وحدة الدراسات والتقارير”1″
أمن دولي ـ الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين، استراتيجية جديدة
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم 15 مارس 2025 عن شن ضربات جوية على معاقل الحوثيين في اليمن. تسعى الولايات المتحدة إلى ردع الحوثيين من خلال تنفيذ ضربات جوية مكثفة تستهدف مواقعهم في اليمن، وذلك ردًا على هجماتهم المتكررة على السفن في البحر الأحمر. هذه الاستراتيجية تختلف عن نهج دول الخليج، حيث تهدف واشنطن إلى تعطيل قدرات الحوثيين وتقويض قيادتهم.
شدد الرئيس الأمريكي على أن الهجوم استهدف “قواعد الإرهابيين وقادتهم وأنظمة الدفاع الصاروخي”. في الواقع، استهدفت الضربات الأمريكية هذه المرة محافظتي صعدة وصنعاء، وهما المعقلان الأيديولوجي والسياسي للحوثيين. بعد الضربات الجوية، صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل والتز بأن الهجوم “استهدف العديد من قادة الحوثيين وقضى عليهم”. يختلف هذا التركيز على استهداف القيادة الحوثية عن تصريحات جو بايدن، الذي كان يركز على إضعاف القدرات الهجومية للجماعة وإحباط التهديدات الوشيكة للسفن. أمن البحر الأحمر والخليج العربي ـ ماحجم تهديد الحوثيين للسفن
كانت إدارة بايدن تنفذ ضرباتها بينما كانت حملة الحوثيين ضد السفن جارية، لكن الضربات الجوية الأولى لترامب ضد الحوثيين تبدو وكأنها حالة من الضربات الاستباقية. وفقًا لكولين إس. جراي، فإن “الاستباق يعني الضرب أولاً (أو محاولة القيام بذلك) في مواجهة هجوم إما أنه بدأ بالفعل أو أنه وشيك بشكل موثوق”.على العكس من ذلك، فإن الموقف الاستراتيجي والتواصلي الجديد للولايات المتحدة تجاه الحوثيين يشبه إلى حد كبير نهج الحكومة الإسرائيلية. فمنذ عام 2024، هدد كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية مرارًا بـ”قطع رأس” القيادة الحوثية، كما حدث مع حماس وحزب الله. يشير هذا إلى تقارب متزايد بين الاستراتيجيات والتكتيكات الأمريكية والإسرائيلية، حتى على الجبهة اليمنية وفي البحر الأحمر.
إن وصول إدارة ترامب الثانية يغير المعادلة بشكل أكبر. فقد أعلن الحوثيون بالفعل أنهم سيردون على من ينفذ تصنيفهم كـ “منظمة إرهابية أجنبية، الذي أعلنته واشنطن في يناير 2025.إذا أدى هذا التصنيف إلى تعليق واردات الوقود عبر ميناء الحديدة (أحد المصادر الأربعة الرئيسية لإيرادات الحوثيين)، فمن المحتمل أن يتخلوا عن التزامهم بهدنة الأمر الواقع عبر الحدود مع السعودية. كما سيدفع تصنيف “المنظمة الإرهابية الأجنبية” الحوثيين إلى الابتعاد أكثر عن البنوك الرسمية والاعتماد على الآليات غير الرسمية، مثل مكاتب الصرافة ونظام الحوالة. ويُذكر أنهم مستثمرون رئيسيون بالفعل في عالم العملات الرقمية الضربات الأميركية الأخيرة أسفرت عن مقتل عدد من عناصر من الحوثيين، مما يشير إلى تأثير ملموس على قدراتهم. ومع ذلك، يظل تأثير هذه الضربات محدودًا على المدى الطويل، حيث أظهر الحوثيون مرونة في مواجهة الضغوط العسكرية، واستمرارهم في تنفيذ هجمات على السفن في البحر الأحمر.
تحذير ترامب لإيران من الاستمرار في دعم الحوثيين
حذر الرئيس ترامب إيران من مغبة مواصلة دعمها للحوثيين، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستعتبر أي هجوم ينفذه الحوثيون بمثابة هجوم إيراني، وستتحمل طهران المسؤولية الكاملة عن ذلك. ترامب شدد على أن العواقب ستكون وخيمة إذا استمرت إيران في هذا النهج. في المقابل، نفت إيران هذه الاتهامات ووصفت تصريحات ترامب بأنها “متهورة واستفزازية”، مؤكدة أنها لا تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي ولا تشارك في أنشطة مزعزعة للاستقرار في المنطقة.
تهديد إيران، والتواصل مع روسيا
عند إعلانه عن الجولة الجديدة من الهجمات، تعهد ترامب بمحاسبة إيران “بشكل كامل” على تصرفات الحوثيين، وحث طهران على وقف دعمها العسكري لهم. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن كانت تلقي اللوم مرارًا على طهران لدعمها الحوثيين، فإن الولايات المتحدة أصبحت الآن تصعّد لهجتها ضد إيران بشكل أكثر علانية بينما تستهدف الحوثيين.
ما تأثير هذا التصعيد على المنطقة ومواقف دول الخليج؟
التصعيد الأمريكي الأخير ضد الحوثيين، المتمثل في الضربات الجوية التي استهدفت مواقعهم في اليمن، يحمل تداعيات متعددة على المنطقة ومواقف دول الخليج:
زيادة التوترات الإقليمية: الهجمات الأمريكية قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في منطقة البحر الأحمر، خاصة مع استمرارالحوثيين في استهداف السفن التجارية، مما يهدد أمن الملاحة البحرية ويؤثر على الاقتصاد العالمي.
تعقيد الصراع اليمني: التدخل الأمريكي المباشر قد يزيد من تعقيد الصراع في اليمن، مع احتمال تورط أطراف إقليمية ودولية أخرى، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
ردود فعل الحوثيين: رغم الضغوط العسكرية، أبدى الحوثيون تصميمهم على مواصلة عملياتهم، مما يشير إلى احتمال استمرار التصعيد العسكري في المنطقة.
مواقف دول الخليج
حتى الآن، التزمت دول الخليج، باستثناء البحرين، الحذر ولم تشارك بشكل مباشر في التحالف الأمريكي لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، مفضلة مراقبة التطورات عن كثب. تخشى دول الخليج من أن يؤدي التصعيد الحالي إلى زعزعة استقرار المنطقة، خاصة مع احتمال توسع نطاق الهجمات ليشمل منشآت حيوية في دولهم. تسعى بعض دول الخليج إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة وتجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق قد تؤثر سلبًا على أمنها ومصالحها الاقتصادية. يعكس التصعيد الحالي تحديات معقدة تتطلب تنسيقًا دوليًا وإقليميًا للتعامل مع تهديدات الحوثيين وضمان استقرار المنطقة. أمن دولي ـ استهداف واشنطن لجماعة الحوثي، الأسباب والتداعيات
ماهو موقف دول أوروبا من ضربات أمريكا ضد الحوثيين؟
تباينت مواقف الدول الأوروبية إزاء الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، حيث تراوحت بين الدعم السياسي والرفض للمشاركة العسكرية المباشرة: أدانت فرنسا هجمات الحوثيين على السفن التجارية، محملةً إياهم مسؤولية التصعيد في المنطقة. مع ذلك، رفضت باريس طلبات الولايات المتحدة وبريطانيا للمشاركة في الضربات الجوية ضد الحوثيين، مفضلةً عدم الانخراط العسكري المباشر في هذه العمليات.
أعربت ألمانيا عن دعمها السياسي للضربات الأمريكية، مؤكدةً أنها تتماشى مع حق الدفاع عن النفس. ومع ذلك، لم تشارك القوات الألمانية بشكل مباشر في العمليات العسكرية ضد الحوثيين. شاركت بريطانيا بفعالية في الضربات الجوية ضد الحوثيين، حيث نفذت طائرات “تايفون” التابعة لسلاح الجو الملكي ضربات استهدفت مواقع في الحديدة وبنية تحتية تابعة للحوثيين. : لم تُظهر دول أوروبية أخرى مواقف واضحة أو مشاركة مباشرة في الضربات ضد الحوثيين. يُذكر أن الاتحاد الأوروبي بدأ في بحث إمكانية إرسال أسطول بحري إلى البحر الأحمر لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين، مما يشير إلى قلق متزايد بشأن أمن الملاحة في المنطقة. أظهرت الدول الأوروبية مواقف متباينة تجاه الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، حيث شاركت بريطانيا عسكريًا، بينما قدمت دول أخرى دعمًا سياسيًا أو فضلت عدم المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية. أمن دولي ـ “جماعة الحوثيين”، تنامي الأنشطة وتنوع في مصادر التمويل
قوة بحرية اوروبية في البحر الاحمر والخليج
هناك وجود لقوة بحرية أوروبية في البحر الأحمر والخليج العربي. في 19 فبراير 2024، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية بحرية جديدة تُعرف باسم “أسبيدس، بهدف حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومحيطه، وذلك ردًا على تصاعد الهجمات التي استهدفت السفن التجارية الدولية منذ أكتوبر 2023.
أهداف ومهام عملية “أسبيدس“:
حماية الملاحة البحرية: تسعى العملية إلى ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، بما في ذلك مضيق باب المندب، ومناطق خليج عدن، وبحر العرب، والخليج العربي.
جمع المعلومات: تتضمن مهام العملية جمع المعلومات حول تهريب الأسلحة والأنشطة غير القانونية الأخرى، وتبادلها مع الجهات المعنية مثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، ومنظمات دولية كالإنتربول واليوروبول.
قرر الاتحاد الأوروبي في فبراير 2025، تمديد مهمة “أسبيدس” حتى 28 فبراير 2026، مع تخصيص ميزانية تزيد عن 17 مليون يورو لتمويلها خلال هذه الفترة. يأتي هذا التمديد بعد مراجعة استراتيجية شاملة للمهام والنتائج التي حققتها العملية حتى الآن.
وفقًا لتقييمات القيادة البحرية الأوروبية، تحتاج العملية إلى ما لا يقل عن 10 سفن بحرية، ستة منها يجب أن تكون متمركزة في البحر الأحمر، إلى جانب دعم جوي واسع النطاق. ومع ذلك، بعد مرور تسعة أشهر على إطلاق العملية، لم يتجاوز عدد السفن البحرية في “أسبيدس” متوسط ثلاث سفن، دون توفر أي دعم جوي. تُظهر هذه الجهود التزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز الأمن البحري في المنطقة وحماية المصالح التجارية الدولية.أشار محللون إلى أن هذه الضربات قد تضع الولايات المتحدة في مأزق إستراتيجي، مع احتمال تصعيد أوسع في المنطقة، خاصة مع إصرار الحوثيين على مواصلة عملياتهم ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل.
النتائج
ـ بناءً على هذه التطورات، يبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى لعملية عسكرية محدودة وفعّالة ضد الحوثيين، مع التركيز على ردعهم عن تهديد الملاحة البحرية، دون الانخراط في حرب طويلة الأمد.
ـ إذا كانت الضربات الأمريكية تهدف إلى إجبار إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فمن غير المرجح أن تنجح: بل على العكس، ستشعر طهران بالحاجة إلى مواصلة دعمها للحوثيين، وربما حتى تعزيزه. في أسوأ السيناريوهات، قد تستأنف المواجهات المباشرة بين الحوثيين والسعودية. ويحاول كلا الطرفين تجنب كسر الهدنة، ولكن في الواقع، قد لا يكون من المهم من يطلق النار أولاً، خاصة إذا استخدمت الولايات المتحدة المجال الجوي السعودي لضرب اليمن.
ـ إن تجدد الضربات الجوية والبحرية الأمريكية، التي أصبحت أكثر اتساعًا، من غير المرجح أن تردع الحوثيين. فسوف يستفيدون مرة أخرى من التضاريس الجبلية اليمنية للاختباء تحت الأرض. كما أن بنيتهم التحتية منتشرة بالفعل في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الحضرية الكثيفة. التأثير الرئيسي لهذه الضربات هو زيادة احتمال تصعيد الحوثيين لهجماتهم ضد السفن الأمريكية والغربية، واستئناف الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ ضد إسرائيل.
ـ من غير المرجح أن ترد إيران مباشرة. وإذا كانت الضربات تهدف إلى إجبار طهران على التفاوض، فمن غير المحتمل أن تحقق ذلك: بل ستشعر طهران بالحاجة إلى مواصلة دعمها للحوثيين، وربما تعزيزه، كونهم أحد الأعضاء الرئيسيين الباقين في محورها الإقليمي.
ـ تحاول واشنطن ردع طهران أثناء قصفها لصنعاء، لكن، وكما هو متوقع على نطاق واسع، فإن هذا النهج قد يؤدي إلى ربط الملف اليمني بشكل وثيق بالملف الإيراني، مما يؤدي إلى إغفال الدوافع الداخلية التي تحرك الحوثيين والسياق الأوسع للوضع في اليمن.
رابط نشر مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=102262
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI