خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
مع إطلاق الجيش الروسي في سبتمبر 2024 تدريبات عالمية يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها عرض للقوة موجه إلى الناتو، أوضح الرئيس فلاديمير بوتن أي دولة يراها تقف إلى جانب موسكو. أكد “بوتن” إن 15 دولة “صديقة” ستراقب ما زعمت موسكو أنه حوالي (90) ألف جندي وأكثر من (500) سفينة وطائرة تم حشدها لأكبر مناورات من هذا القبيل منذ 30 عاما.
لكن وفقا لبوتن، فإن الصين فقط هي التي ستشارك إلى جانب روسيا. وأكد : “نحن نولي اهتماما خاصا لتعزيز التعاون مع دولنا الصديقة. وهذا مهم بشكل خاص وسط التوترات الجيوسياسية المتزايدة في جميع أنحاء العالم”.
كانت التدريبات التي استمرت سبعة أيام، والتي أطلق عليها اسم “المحيط 2024″، والتي انتهت في 16 سبتمبر 2024 هي الأحدث في سلسلة من التدريبات العسكرية والدوريات المشتركة بين روسيا والصين والتي تأتي في أعقاب تعهدات من بوتن والزعيم الصيني شي جين بينج بتعزيز التعاون العسكري، حتى مع شن الكرملين حربه ضد أوكرانيا.
أرسلت الصين عدة سفن حربية و15 طائرة إلى المياه قبالة ساحل أقصى شرق روسيا من أجل المحيط 2024، وفقا للجيش الروسي. بالإضافة إلى ذلك، روجت القوات الصينية والروسية خلال سبتمبر 2024 للتنسيق الاستراتيجي المتعمق خلال التدريبات البحرية المشتركة في المياه بالقرب من اليابان وعقدت دوريتها البحرية المشتركة الخامسة في شمال المحيط الهادئ.
وذلك بعد سلسلة من التدريبات المشتركة، بما في ذلك بالقرب من ألاسكا – حيث اعترضت القوات الأمريكية والكندية قاذفات روسية وصينية معًا لأول مرة – وفي بحر الصين الجنوبي، وهو ممر مائي حيوي تطالب به بكين بالكامل تقريبا حيث تتصاعد التوترات الجيوسياسية بسرعة. ولقد حظي هذا التنسيق باهتمام متزايد في واشنطن، التي اتهمت الصين بتعزيز قطاع الدفاع الروسي بصادرات ذات استخدام مزدوج مثل أدوات الآلات والإلكترونيات الدقيقة، وهي التهمة التي تنفيها بكين حيث تدعي الحياد في الصراع.
كما يأتي هذا في الوقت الذي تستمر فيه الحرب في أوكرانيا وتتصاعد التهديدات، حيث حذر بوتن زعماء حلف شمال الأطلسي من أن رفع القيود المفروضة على استخدام كييف للصواريخ الغربية الأبعد مدى لضرب أعماق روسيا سيعتبر عملاً حربياً. ويقول الخبراء إن أحدث التدريبات العسكرية الروسية الصينية تتناسب مع نمط من أكثر من عقد من التنسيق العسكري المعزز بين البلدين.
ولكن في وقت من التوترات العالمية المتزايدة – بما في ذلك بشأن حرب أوكرانيا، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، ومطالبات الصين بجزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي – فإنها تؤكد أيضا على كيف تنظر موسكو وبكين بشكل متزايد إلى بعضهما البعض كمفتاح لإظهار القوة. وتثير التدريبات المشتركة أيضا تساؤلات حول ما إذا كانت القوتين النوويتين، يمكنهما العمل معًا في أي صراع مستقبلي محتمل.
“التحسين والتعزيز”
لم تكن العلاقة بين هذين الجارين العملاقين بسيطة أبدًا.كانت موسكو وبكين ذات يوم أعداء خاضوا صراعا حدوديا عام 1969 بين الاتحاد السوفييتي والصين القوة الصاعدة وقتها. لكن العقود الأخيرة شهدت تجارة أسلحة قوية بين البلدين، وخاصة مع تشديد شي وبوتن للعلاقات على نطاق أوسع، وتصعيد التنسيق العسكري.
بين عامي 2014 و2023، أجرت الجيوش من البلدين ما لا يقل عن (4) وما يصل إلى (10) مناورات عسكرية مشتركة حربية أو دوريات كل عام، بما في ذلك التدريبات المتعددة الأطراف مع دول أخرى، وفقًا لبيانات من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS). حتى شهر يوليو 2024، كان هناك بالفعل (7) أنشطة من هذا القبيل، وفقًا لبيانات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، مع زيادة إجمالي التدريبات في أغسطس وسبتمبر إلى (11).
كما بدا للمراقبين أن هذه التدريبات والدوريات أصبحت أكثر تعقيدًا على نحو متزايد – على سبيل المثال، تشمل كل من القوات البحرية والجوية أو المعدات الأكثر تقدما، كما تجري في أجزاء أبعد من العالم. في الأول من يوليو 2024، أقلعت كل من الطائرات الصينية والروسية التي تم اعتراضها بالقرب من ألاسكا من نفس القاعدة الجوية الروسية، وفقا لباحثي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذين لاحظوا أيضًا أن هذه كانت أول دورية جوية مشتركة للشريكين في شمال المحيط الهادئ.
يقول “ألكسندر كوروليف”، المحاضر الأول في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني: “إنهم ليسوا متوافقين مع بعضهم البعض مثل حلفاء الناتو، لكنهم يحسنون ويعززون هذه الشراكة الاستراتيجية أو التحالف”. إن القدرة على العمل معا ككيان واحد هي جوهر روح حلف شمال الأطلسي، التحالف الذي يعود تاريخه إلى عقود من الزمان والذي يضم 32 دولة عضوا ويرتبط معًا بميثاق دفاعي متبادل وينظر إليه كل من الصين وروسيا على أنه منافس عسكري رئيسي.
لماذا هذا التعاون بين روسيا والصين؟
كان بوتن وشي مدفوعين برؤية مشتركة مفادها أن الغرب يهدف إلى قمع مصالحهما الأساسية. وبالنسبة لبوتن، تشمل هذه المخاوف منع توسع الناتو، بينما يركز شي على السيطرة على تايوان وهيمنة بحر الصين الجنوبي. وأوضح بوتن هذا السياق في خطاباته. متهما الولايات المتحدة وحلفاءها “باستخدام التهديد الروسي المزعوم وسياسة احتواء الصين كذريعة لبناء وجودهم العسكري على طول الحدود الغربية لروسيا، وكذلك في القطب الشمالي وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
كما حذر الرئيس الروسي من أن الولايات المتحدة تخطط لنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في “مناطق الانتشار الأمامية”، بما في ذلك منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويبدو أن هذا يعكس التعليقات التي أدلى بها بوتن والتي انتقد فيها خطة واشنطن وبرلين لنشر صواريخ أمريكية بعيدة المدى في ألمانيا من عام 2026، وإرسال الولايات المتحدة مؤقتًا قاذفة صواريخ قوية للتدريبات في الفلبين في وقت سابق من العام 2024- وهي الخطوة التي أدانتها بكين أيضا.
يقول “كارل شوستر”، وهو كابتن متقاعد في البحرية الأميركية ومدير سابق للعمليات في مركز الاستخبارات المشترك للقيادة الأميركية في المحيط الهادئ، إن روسيا والصين تريدان أن تظهرا للولايات المتحدة وحلفائها أن “جيشيهما أصبحا متكاملين بشكل متزايد وأن أي تحد لأي منهما يهدد برد مشترك”. “إنهم يقولون في الواقع إننا نستطيع أن نفعل بكم، أي نعمل في فنائكم الخلفي كما كنتم تفعلون في فنائنا الخلفي”.
توفر التدريبات أيضا فرصا لكل منهما للتعلم من الآخر – حيث يقول المراقبون إن روسيا، بخبرتها الواسعة في ساحة المعركة، والصين، التي أصبحت متقدمة بشكل متزايد في التقنيات العسكرية الإلكترونية، لديها كل منهما ما تتعلمه من الأخرى. وقال كوروليف إنه “من الصعب بشكل متزايد” في أعقاب حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية المكثفة معرفة مدى دعم التدريبات الأخيرة للتعاون التقني الصيني الروسي في مجال الأسلحة، والذي كان في السابق سمة من سمات سنوات من التعاون العسكري المعزز بشكل مطرد.
التهديد المزدوج؟
في واشنطن، تثير صور العلاقات الوثيقة مخاوف بشأن خطر اندلاع صراع عسكري أمريكي متزامن مع الصين وروسيا، أو حتى صراع قد يشمل أيضا شركاء آخرين، مثل إيران، التي أجرت الدولتان معها تدريبات بحرية في وقت سابق من العام 2024. وهناك أيضًا مخاوف بشأن الدعم المحتمل من موسكو لبكين في أي حرب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
هناك، تبحر بكين وواشنطن عبر مجموعة من نقاط الاشتعال المحتملة بما في ذلك مخططات الصين بشأن تايوان وعدوانها المتزايد في بحر الصين الجنوبي ضد حليف الولايات المتحدة الفلبين. كما كانت كل من روسيا والصين تراقبان بحذر تعزيز الولايات المتحدة لعلاقاتها الطويلة الأمد مع حلفائها الإقليميين.
لكن المراقبين يقولون إنه على الرغم من التنسيق المتزايد داخل التدريبات المشتركة، فمن غير المرجح أن يكون هناك هدف نهائي واضح يتجاوز إرسال إشارة قوية – على الأقل في الوقت الحالي.
تُظهر التقارير في 15 فبراير 2024 سفينة تابعة للبحرية الصينية بالقرب من جزر سكاربورو التي تسيطر عليها الصين، في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. واتهمت الفلبين في 17 فبراير 2024 سفن خفر السواحل الصينية بالقيام بمناورات “خطيرة” لمحاولتها منع سفينة فلبينية من إسقاط الإمدادات للصيادين في الشعاب المرجانية قبالة ساحل الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.
تقول “إليزابيث ويشنيك” عالمة أبحاث بارزة في قسم شؤون الأمن في الصين والمحيطين الهندي والهادئ في مجموعة الأبحاث المستقلة CNA.”لا أعلم هل ستشاهد طائرات روسية تدعم هجومًا صينيا على تايوان، على سبيل المثال، أو هل ستدعم السفن الروسية السفن الصينية في صراع مع الفلبين؟ أشك في ذلك”. وتابعت إنه في حين قد يكون لدى روسيا والصين “مصالح متداخلة”، إلا أنهما لا يتفقان على الأهداف الاستراتيجية في المنطقة.
تابعت إليزابيث “لا أعتقد أنه يمكنك افتراض أنه لمجرد قيامهما بمزيد من التدريبات العسكرية فإنهما متفقان”. وفي بيانات مشتركة، تصر الصين وروسيا على أن علاقتهما هي علاقة عدم انحياز لا تستهدف أي طرف ثالث. كما أن لكل منهما أهداف جيوسياسية مختلفة في المنطقة. على سبيل المثال، تحافظ روسيا على علاقات وثيقة مع الهند، منافسة الصين – ومن المرجح أن تكون حريصة على منع أي صعود صيني في آسيا من شأنه أن يعمق اختلال التوازن في القوة بين بكين وموسكو.
في المقابل، سوف تكون الصين حذرة أيضا من المساومة على أهدافها الاستراتيجية من خلال العمل بشكل مباشر للغاية بالتنسيق مع روسيا – ولكن أيضا من أي عمل من شأنه أن يزعزع استقرار العلاقات الدافئة مع جارتها الشمالية بعد عقود من العلاقات المتوترة التي امتدت في السابق إلى الصراع.
يري “جيمس تشار”، الأستاذ المساعد في معهد الدراسات الدفاعية والاستراتيجية بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة: “ببساطة، لا تقف الصين إلى جانب أحد سوى نفسها”. “تحت السطح، تواصل الصين وروسيا إيواء انعدام الثقة المتبادل العميق”. لكن المراقبين يقولون إن هناك مجموعة محتملة من الطرق التي قد تنجح بها الشراكة إذا اندلع صراع في آسيا يشمل الصين.
يقول المحللون إن روسيا سوف ترد بالمثل على الأقل بالنوع من الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الذي قدمته بكين لموسكو خلال الحرب في أوكرانيا، ومن المرجح أيضا أن تساعد في توفير الأسلحة والطاقة المخفضة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالانضمام إلى الصين في أي صراع محتمل مع الولايات المتحدة، فقد يكون لدى روسيا “الكثير لتخسره والقليل لتكسبه”، وفقا لشوستر، القبطان البحري المتقاعد.
ولكن إذا تحركت الصين ضد تايوان، فمن المحتمل أن يقدم الجيش الروسي دعما محدودا مثل إرسال السفن ودوريات القوات الجوية إلى المياه المحيطة باليابان، أو ربما نشر غواصة أو اثنتين في غرب المحيط الهادئ، وأضاف إن هذا من شأنه أن “يمنح الولايات المتحدة وحلفائها عامل قلق آخر وهم يفكرون في كيفية الرد”. “لكن الصين سوف تضطر إلى تقديم الكثير لإقناع روسيا بالانضمام إلى هذا الصراع”.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=96800