المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
بون ـ حازم سعيد ، باحث في المركز الأوروبي ECCI
أمن دولي ـ الحرب في أوكرانيا تنعش سوق الأسلحة
كشفت أزمة أوكرانيا عن سباق تسلح بين الدول وساهمت في انتعاش تجارة الأسلحة حيث تضاعفت واردات الأسلحة إلى أوروبا في عام 2022، مدفوعة بعمليات تسليم ضخمة إلى أوكرانيا. يعد الرابح الأكبر في هذا المجال هي الولايات المتحدة الأمريكية بالتزامن مع التراجع الروسي وتنامي مبيعات الشركات الصينية وظهور أسواق ناشئة جديدة تطور من صناعاتها الدفاعية لتقليل اعتمادها على وارادت الأسلحة.
أبرز أنواع العتاد العسكري التي تشملها تجارة السلاح في العالم
تعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا أهم خمس دول مصدرة للأسلحة في العالم حسب حجم الصادرات. ولم يتغير الترتيب مقارنة بالفترة السابقة، ولكن كانت هناك تغييرات كبيرة في هذه البلدان حيث زادت صادرات الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الأولى بالفعل بنسبة (14%)، وتمثل الآن (40 %) من عمليات توريد الأسلحة العالمية، وسجلت فرنسا، زيادة أكبر بنسبة (44%) في 13 مارس 2023 .
تشمل أبرز أنواع العتاد العسكري لتجارة السلاح في العالم “الطائرات العسكرية، أنظمة الدفاع الجوي، الأسلحة المضادة للغواصات، المركبات المدرعة، المدفعية، محركات المركبات العسكرية، الصواريخ، وسائل الرصد والاستشعار، الأقمار الصناعية، السفن، بالإضافة إلى أبراج المدرعات والسفن الحربية وأنظمة التزود بالوقود في الجو”. لاتشمل قاعدة البيانات الخاصة بتجارة السلاح حول العالم الأسلحة الخفيفة وخدمات الصيانة ووحدات المدفعية والقذائف التي يقل قطرها الخارجي عن (100) ملم في 23 نوفمبر 2022.أزمة أوكرانيا – ما أهمية ترشيح أوكرانيا لعضوية الإتحاد الأوروبي؟
تضاعف واردات الأسلحة إلى أوروبا
كشفت أزمة أوكرانيا عن نقاط ضعف جوهرية لدى الجيوش الأوربية ظهرت في ضعف الإنتاج العسكري، ونقص الذخيرة، ومحدودية عدد الجنود المحترفين، مقارنة بالتهديدات المحيطة بها. بعد اندلاع أزمة أوكرانيا، سرعت الدول الأوربية وارداتها من الأسلحة بشكل كثيف.يقول “بيتر ويزمان” إن “الغزو تسبب فعلا في زيادة كبيرة في الطلب على الأسلحة في أوروبا، ما سيكون له تأثير أكبر، وسيؤدي على الأرجح إلى زيادة واردات الأسلحة من جانب دول أوروبية”.
تضاعفت واردات الأسلحة إلى أوروبا تقريبا في عام 2022، مدفوعة بعمليات تسليم ضخمة إلى أوكرانيا، التي أصبحت ثالث أكبر وجهة لها في العالم. ومع زيادة نسبتها (93%) على مدار عام واحد، ازدادت الواردات في 14 مارس 2023 بفعل تسارع الإنفاق العسكري من جانب دول أوروبية عدة مثل بولندا والنرويج. استأثرت أوكرانيا بـ (31%) من واردات الأسلحة في أوروبا و(8%) من الصفقات في العالم، وإذا ما استثنيت أوكرانيا فإن واردات الأسلحة الأوروبية سجلت ارتفاعا وصل إلى (35%) في 2022.
أمريكا الرابح الأكبر
لم تستفد الولايات المتحدة من الحرب الروسية الأوكرانية فقط من خلال زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى أوربا بالتزامن مع تضاعف أسعار الغاز، بل إن صادراتها من السلاح ارتفعت مع ازدياد القلق الأوربي من التهديدات الروسية. يُذكر أن أكبر خمس شركات لصناعة الأسلحة في العالم جميعها أمريكية “لوكهيد مارتن، ورايثيون، وبوينغ، ونورثروب غرومان، وجنرال ديناميكس”. ضمنت أزمة أوكرانيا لتلك الشركات الحفاظ على مكانتها لبعض الوقت فضلا عن أن التدفق الهائل للأسلحة الأمريكية على أوكرانيا سيُبقي الشركات الأمريكية منشغلةً لفترة. أزمة أوكرانيا – دول البلطيق والتداعيات الاقتصادية. بقلم إكرام زياده
نقلت الولايات المتحدة مثلاً نحو ثُلث مخزونها من صواريخ جافلن المضادة للدبابات إلى أوكرانيا، وارتفعت حصة الولايات المتحدة من ثلث الصادرات العالمية (33%) إلى (40%). ومثلت الصادرات الأمريكية من الأسلحة نحو ضعف الصادرات الروسية والصينية مجتمعة، مما يكرس هيمنتها على السوق، رغم محاولات موسكو وبكين كسر نظام القطب الواحد في 11 أبريل 2023 .
تراجع روسي في مبيعات الأسلحة
ازدهرت تجارة الأسلحة الروسية، ووصلت إلى مستويات مرتفعة جدًا بعد عام 2010 لكن في ظل أزمة أوكرانيا شهدت موسكو تراجعا كبيرا بحيث وصلت إلى مستويات هي الأدنى فتراجعت تجارة السلاح الروسية أكثر من (70%)، واقتصرت على (12) دولة، ولولا آثار أزمة أوكرانيا لكان من الممكن أن تبقى منتعشة مدة أطول. مع طول أمد الأزمة وزيادة العقوبات ضد روسيا، تتزايد الشكوك بشأن الأسلحة الروسية، فضلا عن قدرة موسكو على إنتاج أسلحة متطورة وتقديم دعم طويل الأجل للعملاء الذين يشترونها. بالإضافة إلى أن روسيا ليس لديها قاعدة تكنولوجية أو اقتصاد لدعم تطوير أنواع كثيرة من الأسلحة والمكونات الجديدة.
واجهت الشركات الروسية صعوبة في الحصول على تكنولوجيا أشباه الموصلات، خاصة في ظل اشتداد العقوبات الغربية التي كبحت جماح الشركات الروسية وقيدت تعاملاتها الخارجية. يقول “دييغو لوبيز دا سيلفا” كبير الباحثين في معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” في 5 ديسمبر 2022 إن عملية زيادة الإنتاج سوف “تستغرق وقتا، خاصة إذا استمرت اضطرابات سلاسل التوريد، فإن الأمر قد يستغرق سنوات كي تتمكن بعض شركات الأسلحة الرئيسية في تلبية الطلب الجديد (على التسليح) الناجم عن الحرب في أوكرانيا.”
الشركات الصينية أسرع نمواً
تمتلك الصين (6) من أكبر (25) شركة دفاعية في العالم، تبلغ حصة الصين الحالية (5%) من سوق الأسلحة العالمية وتعد أقل بكثير من حصة روسيا البالغة (19%،) إلا أن هذه الحقائق تشير إلى امتلاك الصين القدرة على توسيع حصتها في السوق بعد اندلاع أزمة أوكرانيا كذلك توسيع شبكة الإنتاج الصناعي الخاصة بها. تتمتع الصين بالعديد من المزايا المتميزة التي يمكن أن تسمح لها بالسيطرة على سوق الأسلحة حيث بدأت الصين في بيع أنظمة أسلحة متطورة لعملاء في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
تحقق الشركات الصينية للأسلحة أسرع نسبة نمو مقارنة ببقية شركات السلاح في العالم دخلت القوي لشركات الأسلحة الصينية إلى قائمة أكبر (10) شركات تصنيع للسلاح في العالم. ورغم استمرار الهيمنة الأميركية على هذا القطاع، فإن الأرقام تظهر أن الشركات الصينية باتت تنافس الشركات الأوروبية على الخصوص. يقوض توسيع مبيعات الأسلحة الصينية النفوذ الأمريكي في المنافسة الجيوستراتيجية المستمرة، لكن هذه النتيجة ليست حتمية بعد، إذ لا يزال هناك متسع من الوقت للولايات المتحدة وحلفائها لتقديم بدائل للأسلحة الروسية بأسعار معقولة، وبالتالي إحباط طموحات الصين في 13 أكتوبر 2022.
أسواق الأسلحة الناشئة وتطوير صناعاتها الدفاعية
تسعى بعض الدول أن تصبح أكثر اعتماداً على نفسها لتلبية احتياجاتها الدفاعية فعلى سبيل المثال كانت الهند تعتمد على روسيا في نحو (50%) من واردات أسلحتها لكن أدركت الهند أن روسيا تحتاج لكامل قدرتها الإنتاجية أو غالبيتها من أجل استبدال الدبابات، والصواريخ، والطائرات، وغيرها من الأسلحة المستخدمة أو المفقودة في أوكرانيا، ما سيقلل سعة التصدير المتاحة. لذلك أعلنت الهند في أبريل 2022 أنها ستُسرّع إنتاج المروحيات، ومحركات الدبابات، والصواريخ، وأنظمة الإنذار المبكر المحمولة جواً لتعويض أي تراجعٍ محتمل في الصادرات الروسية. كذلك أزمة أوكرانيا سرعت وتيرة البرازيل، وتركيا، وغيرهما من أسواق الأسلحة الناشئة في تطوير صناعاتها الدفاعية لتقليل اعتمادها على وارادت الأسلحة في 12 يونيو 2022.
انعاش السوق السوداء
انحرفت شحنات أسلحة عدة موجهة إلى كييف لتجد طريقها إلى السوق السوداء للسلاح في أوروبا وأفريقيا وآسيا. وأسهمت أزمة أوكرانيا في انتعاش سوق السلاح غير الرسمية أو ما يعرف بالسوق السوداء في ظل ولوج نسبة كبيرة من الأسلحة التي كانت من المفترض أن تصل لدعم القوات الأوكرانية إلى هذا السوق، وهي نسب تتراوح وفق التقديرات المنشورة ما بين (50 و70 %) من الأسلحة المرسلة، وهي أسلحة قد تصل في نهاية الأمر إلى دول أخرى أو جماعات جريمة منظمة أو جماعات المتطرفة، بخاصة في ظل خبرة شبكات تهريب السلاح في أوكرانيا وغياب وسائل إنفاذ اتفاقات عدم نقل المعدات، وعدم قدرة الحكومات الغربية على التثبت من وصول الأسلحة إلى وجهتها النهائية داخل الأراضي الأوكرانية. أزمة أوكرانيا ـ أمن أوكرانيا على حساب أمن أوروبا ؟
تقييم
– لعبت أزمة أوكرانيا دورا رئيسيا في تسريع وتيرة الطلب على الأسلحة ومحاولة دول كثيرة استثمار الأزمة لتعزيز مبيعاتها من الأسلحة حيث وصل تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا إلى مستوى غير مسبوق.
– تعد الولايات المتحدة الرابح الأكبر من أزمة أوكرانيا لاسيما في مجال تجارة الأسلحة حيث حققت مكاسب من الأسلحة التي ترسل إلى أوكرانيا، كذلك تشير المعطيات إلى تحقيق واشنطن أرباح كبيرة على الأمد البعيد.
– سجلت مبيعات الأسلحة الروسية خلال عام 2022 انخفاضا كبيرا ويرجع السبب إلى أن أزمة أوكرانيا أظهرت ثغرات في التكنولوجيا العسكرية الروسية ما يثير الشكوك حول وضع موسكو مستقبلا على الساحة الدولية.
– تعمل الصين على تطوير صناعة السلاح ومبيعاتها من الأسلحة حيث حققت قفزات جعلتها تحتل المركزالثالث ويبدو أن بكين على المستقبل القريب قد تتفوق على موسكو ومن ثم واشنطن في تلك التجارة.
– أدت أزمة أوكرانيا إلى تنامي مساعي بعض الدول لأن تصبح أكثر اعتمادا على نفسها لتلبية احتياجاتها الدفاعية وتطوير صناعاتها الدفاعية لتقليل اعتمادها على وارادت الأسلحة. بات من المتوقع أن تشهد تجارة السلاح عالميا خلال عام 2023 تزايد مستمرا بسبب استمرار أزمة أوكرانيا. وأن الشركات الصينية وبعض الشركات الناشئة ستنافس الشركات الأوروبية والأمريكية في مبيعات الأسلحة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=88459
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
Southeast Asia is a case study in Russia’s declining prospects as an arms exporter.
The Coming Chinese Weapons Boom
Global arms industry getting shakeup by war in Ukraine – and China and US look like winners from Russia’s stumbles
Russia’s Boom Business Goes Bust
معهد ستوكهولم: أوروبا تتسلح بشكل هائل
ما هي أهم أنواع العتاد العسكري التي تشملها تجارة السلاح في العالم؟