المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
أمن دولي ـ التصعيد العسكري بين الهند وباكستان، سيناريوهات المواجهة العسكرية والتداعيات؟
تطورات ميدانية جديدة
أعلنت الهند فجر اليوم السابع من مايو 2025 أنّها شنت قصفا صاروخيا ضد مناطق في باكستان التي سارعت إلى توعد جارتها بالرد “في المكان والزمان المناسبين”، في تصعيد عسكري كبير بين الدولتين النوويتين، مما يعقد الوضع الجيوسياسي بين البلدين. وذلك بعد أيام من اتهامها إسلام أباد بتنفيذ هجوم دامٍ في الجانب الهندي من الإقليم المتنازع عليه ونفي باكستان تورطها فيه. وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها داعيةً لضبط النفس.ويأتي هذا التطور في ظل تصاعد التوتر بين الجارتين النوويتين في أعقاب هجوم على سياح هندوس في كشمير الهنديةخلال شهر أبريل 2025 . واتهمت الهند باكستان بالوقوف وراء الهجوم الذي أودى بحياة 26 شخصا، وتوعدت بالرد. وبعد الضربات الهندية، قال الجيش في منشور على منصة إكس “تحققت العدالة”. ونفت باكستان أي علاقة لها بالهجوم وقالت إن لديها معلومات مخابرات تشير إلى أن الهند تخطط لهجوم.
من ناحيتها دعت إسلام أباد لجنة الأمن القومي لاجتماع في خضم التصعيد العسكري بينها وبين نيودلهي، وقال رئيس الوزراء الباكستاني إن من حق باكستان الرد بقوة على أي عمل حربي من الهند. وقال رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، إن لباكستان كامل الحق في تقديم رد قوي على أي عمل حربي يصدر من الجانب الهندي
**
تشهد الهند والباكستان تصعيد غير مسبوق بعد الهجوم في باهالغام يوم 29 أبريل 2025 ، وتداعياته تتجاوز الحدود العسكرية إلى أبعاد استراتيجية وأمنية قد تُهدد الاستقرار في جنوب آسيا بالكامل. كلا الطرفين يمتلك أسلحة نووية، لكن المؤشرات الحالية ترجّح سيناريو التصعيد المحدود بدل الحرب الشاملة.منذ الاستقلال 1947 و تقسيم الهند مع الاستقلال عن بريطانيا، تم تقسيم شبه القارة إلى الهند ذات أغلبية هندوسية وباكستان ذات أغلبية مسلمة. ومنذ البداية، كان إقليم كشمير محل نزاع، حيث اختار حاكمه الانضمام إلى الهند، رغم الغالبية المسلمة فيه، ما أثار حروب بين البلدين. حرب كشمير الأولى 1947–1948 حرب كشمير الثانية 1965 حرب بانغلايش 1971صراع كارجيل 1999، توغّل جنود باكستانيين في منطقة كارجيل بكشمير الهندية.
تشهد العلاقات بين الهند وباكستان تصعيدًا خطيرًا منذ أواخر أبريل 2025، على خلفية هجوم إرهابي مروع وقع في منطقة باهالغام بكشمير الهندية، أسفر عن مقتل 26 سائحًا، معظمهم من الهندوس، وإصابة أكثر من 20 آخرين. الهجوم، الذي يُعتبر الأعنف ضد المدنيين في كشمير منذ سنوات، نُسب إلى جماعة “جبهة المقاومة” المرتبطة بجماعة لشكر طيبة، التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، رغم نفي إسلام آباد أي علاقة لها بالحادثة.
أسباب تصاعد التوتر في كشمير
التوتر العسكري: شهد خط السيطرة في كشمير تبادلًا لإطلاق النار بين القوات الهندية والباكستانية منذ 24 أبريل، مع تقارير عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. كما أعلنت باكستان عن إسقاط طائرتين مسيرتين هنديتين، بينما أفادت الهند بوقوع اشتباكات مع مسلحين في مناطق مختلفة من كشمير. وأجرت القوات الجوية الهندية مناورات عسكرية واسعة النطاق تحت اسم “أكرمان”، شملت استخدام طائرات رافال وسوخوي، في مناطق قريبة من الحدود مع باكستان، مما زاد من حدة التوتر. أمن دولي ـ التصعيد العسكري بين الهند وباكستان، سناريوهات المواجهة العسكرية والتداعيات؟
منذ إلغاء الهند للمادة 370 من الدستور في 2019 التي كانت تمنح وضعًا خاصًا لكشمير، تصاعد الغضب في باكستان، وازداد العنف في الإقليم. وكانت هناك زيادة العمليات العسكرية والهجمات الإرهابية على القوات الهندية، مع اتهامات متبادلة بين الطرفين حول دعم الجماعات المسلحة. وتصاعد العمليات عبر الحدود في كشمير. واستخدام الطائرات المسيرة والهجمات المحدودة بالصواريخ والمدفعية. واتهامات الهند الباكستان بدعم الإرهاب : الهند تتهم باكستان بإيواء جماعات مثل “جيش محمد” و”عسكر طيبة” التي تنفذ هجمات في كشمير ولكن باكستان تنفي وتتهم الهند باضطهاد مسلمي كشمير. في كلتا الدولتين، تُستخدم القضية الكشميرية أحيانًا كأداة سياسية داخلية لإثارة المشاعر القومية.
ردود الفعل الهندية: اتهمت الهند باكستان بدعم الجماعات المسلحة المسؤولة عن الهجوم، وردت بإجراءات دبلوماسية واقتصادية صارمة، شملت: تعليق معاهدة المياه المشتركة (معاهدة نهر السند) لأول مرة منذ توقيعها عام 1960. إغلاق الحدود البرية (معبر أطارى-واجا) وتعليق إصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين. وطرد دبلوماسيين باكستانيين وتقليص البعثة الدبلوماسية في إسلام آباد.
ردود الفعل الباكستانية : نفت باكستان الاتهامات الهندية، ووصفتها بأنها لا أساس لها، واتخذت إجراءات مضادة شملت: تعليق اتفاقية سيملا لعام 1972، التي كانت تؤكد على حل النزاعات سلميًا. إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الهندية ووقف التجارة الثنائية. طرد دبلوماسيين هنود وتقليص البعثة الدبلوماسية الهندية في إسلام آباد . وفي أعقاب شن الند ضربة جوية ضد الباكستان يوم السابع من مايو 2025 دعت إسلام أباد لجنة الأمن القومي لاجتماع في خضم التصعيد العسكري بينها وبين نيودلهي، وقال رئيس الوزراء الباكستاني إن من حق باكستان الرد بقوة على أي عمل حربي من الهند. وقال رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، إن لباكستان كامل الحق في تقديم رد قوي على أي عمل حربي يصدر من الجانب الهندي.
الموقف الدولي
أعربت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والصين ودول الخليج عن قلقها البالغ إزاء التصعيد بين البلدين، ودعت إلى ضبط النفس وتجنب أي خطوات قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة. وقد أجرى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، محادثات هاتفية مع قادة البلدين لحثهم على التهدئة. حتى 30 أبريل 2025 ، لا تزال الأوضاع متوترة على الحدود بين الهند وباكستان، مع استمرار التبادل الناري والتحركات العسكرية. ورغم الجهود الدولية للوساطة، فإن خطر التصعيد إلى مواجهة أوسع لا يزال قائمًا، خاصة في ظل امتلاك البلدين لأسلحة نووية. ومازالت الولايات المتحدة، الصين، وأطراف خليجية، تضغط بقوة خلف الكواليس لمنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة، خاصة أن التوقيت حساس في ظل أزمات دولية أخرى. يقول كريستيان فاغنر إن الولايات المتحدة كانت دائما تتوسط بين الهند وباكستان في الأزمات السابقة. ويبدو أن الحكومة الأميركية تتواصل مع الجانبين مجددا. ويتابع الخبير: “لكن الرئيس ترامب صرح بأن كلا الجانبين يجب أن يحلا الصراع فيما بينهما”. وأضاف الخبير “أعتقد أن هذا صعب في الوضع الحالي.”
وفي أعقاب شن العند ضرباتها الجوية ضد الباكستان يوم السابع من مايو 2025 اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “العالم لا يمكنه تحمل مواجهة عسكرية” بين الهند وباكستان، وذلك بعيد توجيه الهند ضربات عسكرية لجارتها التي توعّدتها بالردّ. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان إن غوتيريش يبدي “قلقه البالغ” إزاء التصعيد الراهن و”يدعو كلا البلدين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس العسكري”. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة إن أمينها العام غوتيريش يشعر بقلق بالغ إزاء العمليات العسكرية الهندية عبر خط المراقبة والحدود الدولية.
موقف الاتحاد الأوروبي
الدعوة إلى ضبط النفس والحوار: حثت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، الهند وباكستان على تجنب التصعيد العسكري والدخول في حوار مباشر لحل الخلافات. وأكدت أن الإرهاب لا يمكن تبريره بأي حال، داعية إلى اتخاذ إجراءات واضحة ضد الجماعات الإرهابية المدرجة على قوائم الأمم المتحدة . أجرت موغيريني محادثات هاتفية مع وزيري خارجية الهند وباكستان، مشددة على أهمية استئناف الحوار السياسي بين البلدين كوسيلة لتخفيف التوترات .أمن ألمانيا القومي ـ تعميق العلاقات الدفاعية مع الهند
أدان الرئيس إيمانويل ماكرون الهجوم في باهالغام، معربًا عن تضامن بلاده مع الهند في مكافحة الإرهاب و أعرب المستشار أولاف شولتس عن قلقه من التصعيد، داعيًا إلى ضبط النفس واستئناف الحوار بين الجانبين .وأبدى بعض أعضاء البرلمان الأوروبي استعدادهم للوساطة بين الهند وباكستان إذا رغب الطرفان في ذلك، مؤكدين على أهمية دور الاتحاد الأوروبي كوسيط نزيه في مثل هذه النزاعات . وهنا يتركز موقف الاتحاد الأوروبي على دعم الحوار السياسي بين الهند وباكستان، مع التأكيد على ضرورة مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان في المنطقة
مااحتمالات اندلاع حرب شاملة بين الهند وباكستان؟
يبقى احتمال الحرب قائماً وذلك لعدة اعتبارات استراتيجية أبرزها : إن الهجوم في باهالغام كان صادمًا وغير مسبوق من حيث استهدافه لمدنيين وسياح، مما أدى إلى ضغط داخلي كبير على الحكومة الهندية للرد. وإن كلا البلدين حرك قواته قرب خط السيطرة في كشمير، وهناك مناورات جوية واسعة من الطرف الهندي، وتبادل لإطلاق النار مستمر مع غياب الاتصالات الدبلوماسية تقريبًا، ما يزيد من مخاطر التصعيد. كذلك فإن الحكومتان تواجهان ضغوطًا قومية وشعبوية من الداخل.
يفترض كريستيان فاغنر أن الأعمال العدائية بين الهند وباكستان سوف تقتصر على كشمير ولن تمتد إلى كامل الحدود بين البلدين. ويضيف الخبير: “يبقى أن نرى ما إذا كان التصعيد سوف يركز فقط على الجزء الباكستاني من كشمير، أو ما إذا كانت الهند سوف تهاجم البنية التحتية للجماعات الإرهابية في باكستان”، وأوضح “من المؤكد أن هذا سيكون تصعيدًا أكبر بكثير.” ومن غير الواضح الشكل الذي قد تتخذه الضربة العسكرية الهندية ضد باكستان. ويوضح فاغنر قائلا: “قد يكون هناك هجوم كوماندوز، أو ضربة جوية، أوما يتم مناقشته حاليا في الصحافة الهندية هجوم بطائرة بدون طيار”. وبحسب رئيس مجموعة أبحاث آسيا في معهد السياسة الاستراتيجية، فإن مثل هذه الضربة الأولى سوف يتبعها رد باكستاني. وبعد ذلك، سيكون لدى الطرفين واجب عدم السماح للصراع بالتصاعد أكثر. وأضاف فاغنر “ليس لدى أي من الطرفين أي مصلحة في نزاع إقليمي واسع النطاق”.
الردع والردع المضاد
كلا البلدين يملكان أسلحة نووية، وهذا يضع قيودًا حقيقية على احتمالات التصعيد الشامل، إذ أن أي حرب قد تنزلق إلى مستوى كارثي للطرفين. هناك ضغط دولي كبير من أوروبا، أمريكا، الصين، ودول الخليج لاحتواء التصعيد. الأطراف الدولية غير مستعدة لقبول حرب في جنوب آسيا الآن. في أزمات 2001، 2016، و2019، وقع تصعيد مشابه بما في ذلك ضربات جوية، لكن في النهاية تم احتواؤه رغم التهديدات. وإن الاقتصاد الهندي لا يتحمل مغامرة عسكرية مفتوحة، وباكستان هي الأخرى تواجه أزمة اقتصادية خانقة.أمن دولي ـ استراتيجية الناتو في المحيطين الهندي والهادئ، التحديات والأهداف
النتائج
ـ التصعيد الحالي خطير وغير مسبوق من حيث الرمزية والضغط الشعبي، لكنه على الأرجح سيظل في نطاق المواجهات المحدودة، أو “الحرب الرمزية” ضربات جوية،صاروخية، اغتيالات، حرب معلومات، دون الانزلاق إلى مواجهة تقليدية شاملة.
ـ ما تشهد العلاقات بين الهند وباكستان في الوقت الراهن حالة توتر متصاعد توصف بما يُعرف بـ”الحرب الرمزية”، وهي نمط من التصعيد العسكري المحسوب، يتمثل في ضربات جوية محدودة وتبادل ناري متكرر على طول خط السيطرة في كشمير. هذا النوع من التصعيد لا يُقصد منه الوصول إلى حرب شاملة، بل يهدف إلى توجيه رسائل سياسية وعسكرية، واستعراض للقوة دون تجاوز عتبة الحرب المفتوحة.
ـ تستند هذه المواجهات المحدودة إلى توازن الردع القائم بين الطرفين، خاصة مع امتلاك كل من الهند وباكستان لقدرات نووية. هذا الردع النووي، رغم فعاليته في منع الحرب الشاملة، لم يمنع اندلاع مواجهات مسلحة تقليدية محدودة كما حصل في كارجيل عام 1999 أو في الاشتباكات الحدودية المتكررة خلال العقد الأخير.
ـ العامل الحاسم في بقاء الصراع ضمن إطار “الحرب الرمزية” هو الضغط الدولي، لا سيما من الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي تسعى إلى منع انفجار صراع جديد في جنوب آسيا، لما له من آثار كارثية على الاستقرار الإقليمي والدولي.
ـ يظل الخطر الأكبر هو حدوث انزلاق غير مقصود نحو تصعيد واسع؛ كأن تقع ضربة عسكرية خاطئة أو يُساء تفسير تحرك ميداني، مما قد يدفع أحد الطرفين إلى رد فعل مفرط. في ظل غياب قنوات اتصال عسكرية مباشرة وفعالة بين نيودلهي وإسلام آباد، تصبح فرص احتواء التصعيد محدودة، وقد تتحول الحرب الرمزية بسرعة إلى مواجهة فعلية غير محسوبة.
من المرجّح أن تشهد المنطقة تصعيدًا عسكريًا محدودًا في المرحلة المقبلة، يتخذ شكل ضربات متبادلة عبر الحدود وعمليات خاصة محدودة النطاق، وربما تصعيد في أنشطة الاستخبارات، عبر التجسس، الحرب السيبرانية، أو تحريض الجماعات المسلحة بالوكالة. هذا التصعيد غالبًا ما يُستخدم لأغراض داخلية سياسية، أو لتعزيز المواقف التفاوضية.
ـ وفي حال خرج الوضع عن السيطرة، من المتوقع أن يتدخل المجتمع الدولي، عبر وساطة الأمم المتحدة أو قنوات دبلوماسية غير رسمية، لاحتواء التصعيد وإعادة الأطراف إلى حالة التهدئة المؤقتة. ما يجري بين الهند وباكستان ليس سوى وجه من وجوه الحرب الباردة الإقليمية، حيث تتقاطع أدوات الردع التقليدي مع مصالح القوى الكبرى، وتلعب الحسابات الدقيقة دورًا حاسمًا في منع الانزلاق إلى حرب لا يريدها أحد، لكنها قد تقع في أية لحظة نتيجة خطأ بسيط أو سوء تقدير استراتيجي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=103729
رابط تحديث .. https://www.europarabct.com/?p=103956
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI