بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تعد واحدة من أهم العلاقات الدولية في العصر الحالي، حيث تجمع بين كيانين اقتصاديين وسياسيين مؤثرين على مستوى العالم. تتميز هذه الشراكة بتنوع أوجه التعاون التي تشمل المجالات الاقتصادية، السياسية، الأمنية، البيئية، والطاقة، وغيرها. تشكل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي ركيزة أساسية للاستقرار والأمن في المنطقة. وقد تطورت هذه الشراكة على مر السنين لتشمل جوانب متعددة، من بينها التعاون الأمني الذي يكتسب أهمية متزايدة في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتشابكة. في هذا التقرير، سنستعرض أوجه التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
منتدى التعاون والأمن الإقليمي
شهد شهر أبريل 2024 حدثًا دبلوماسيًا بارزًا، حيث انعقد المنتدى رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول الأمن والتعاون الإقليمي في العاصمة اللوكسمبورغية. استضاف المركز الأوروبي للمؤتمرات هذا الحدث الهام الذي جمع نخبة من صناع القرار، حيث شارك فيه وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ونظراؤهم من دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج. هذا المنتدى يأتي تتويجًا لسلسلة من الحوارات والمشاورات بين الجانبين، ويعكس عمق العلاقة الاستراتيجية التي تجمعهما.
وقبل انعقاد المنتدى بأقل من سبعة أشهر، وفي أكتوبر من عام 2023، عقد الاجتماع الـ 27 للمجلس المشترك بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في العاصمة العمانية مسقط. هذا الاجتماع الدوري يعتبر منصة مهمة لتقييم العلاقات الثنائية ووضع الخطط المستقبلية لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. ترأس وفد مجلس التعاون معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، وزير الخارجية العماني، فيما ترأس وفد الاتحاد الأوروبي معالي جوزيب بوريل. وقد شهد الاجتماع مناقشات معمقة حول مجموعة واسعة من القضايا، بدءًا من الأمن الإقليمي وصولًا إلى التعاون الاقتصادي والتجاري. يأتي انعقاد المنتدى والاجتماع المشترك في إطار سعي الطرفين إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، وتعميق التعاون في مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة والعالم. فكلا الجانبين يدرك أهمية هذه الشراكة في تحقيق الاستقرار والازدهار في منطقة الخليج، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، والتجارة، والاستثمار، ومكافحة الإرهاب والتطرف. كما يسعى الطرفان إلى التنسيق في المحافل الدولية لحماية المصالح المشتركة وتعزيز النظام الدولي القائم على القواعد.أمن دولي ـ هل يقدم الجيش الألماني الدعم العسكري لإسرائيل؟
أبعاد التعاون الأمني الإقليمي
تتعدد أبعاد التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، أبرزها مكافحة الإرهاب، حيث يشكل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أحد أهم أوجه الشراكة بين الطرفين. يتمثل هذا التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريب الكوادر الأمنية، وتجريم تمويل الإرهاب. والتعاون في مجال الأمن البحري، فنظراً لأهمية الممرات المائية في المنطقة، يعمل الطرفان على تعزيز التعاون في مجال الأمن البحري، بما في ذلك مكافحة القرصنة وحماية الملاحة البحرية. والأمن السيبراني، مع تزايد التهديدات السيبرانية، يعزز الطرفان التعاون في مجال الأمن السيبراني لحماية البنية التحتية الحيوية ومواجهة الهجمات الإلكترونية. ذلك فضلًا عن مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، حيث يشكل التعاون في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية أولوية مشتركة للطرفين، حيث يعملان على تطوير آليات للتعاون في هذا المجال. ومن ابرز مجالات التعاون أيضاً دعم الاستقرار الإقليمي، حيث يسعى الطرفان إلى دعم الاستقرار الإقليمي من خلال الحوار السياسي والدبلوماسي، وتشجيع حل النزاعات بالطرق السلمية.
يشكل الأمن الإقليمي أحد أهم أوجه التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون الأمني لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب، والتطرف، والجريمة المنظمة، وتهريب الأسلحة والمخدرات. كما يعملان على تعزيز الاستقرار في المنطقة من خلال دعم الحوار والتفاهم بين الدول. كذلك يولي الطرفان أهمية كبيرة للتعاون في مجالات البيئة والطاقة والمناخ، وذلك نظراً للتحديات التي تواجهها المنطقة، مثل تغير المناخ وندرة المياه. يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجددة، والكفاءة الطاقة، وتقليل الانبعاثات الكربونية. كما يعملان على تطوير مشاريع مشتركة في مجال إدارة المياه، وحماية البيئة البحرية.أمن دولي ـ الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، شراكة في التصدي للتغير المناخي
التعاون مع الإمارات والسعودية
تتمتع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية باعتبارهما دولتين محوريتين بعلاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي في المجال الأمني. تتميز العلاقات الأمنية بين الإمارات والاتحاد الأوروبي بتنوعها وعمقها. تشمل مجالات التعاون تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني، والتدريب العسكري. كما تساهم الإمارات في جهود الاتحاد الأوروبي في حفظ السلام وإدارة الأزمات. كما تشكل المملكة العربية السعودية شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي في المنطقة. يركز التعاون الأمني بين الطرفين على مكافحة الإرهاب، والأمن البحري، ودعم الاستقرار الإقليمي. كما تساهم المملكة في جهود الاتحاد الأوروبي في مكافحة التطرف والعنف. رغم التقدم المحرز في مجال التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه هذه الشراكة، مثل، التباينات في الرؤى السياسية، قد توجد بعض التباينات في الرؤى السياسية بين الطرفين حول بعض القضايا الإقليمية والدولية. والتحديات الأمنية المتزايدة، تشهد المنطقة تحديات أمنية متزايدة، مثل التهديدات الإرهابية، والصراعات الإقليمية، والتدخلات الخارجية. ومع ذلك، فإن الآفاق المستقبلية للتعاون الأمني بين الطرفين تبدو واعدة. فكلا الطرفين يدركان أهمية تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة وحماية المصالح المشتركة.
ومن المتوقع أن يشهد المستقبل مزيداً من التعاون في العيد من المجالات منها التكنولوجيا، سيشهد التعاون بين الطرفين تطوراً في مجال التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات، لتطوير قدرات الأمن والسلامة. مكافحة الجريمة المنظمة، سيتم تعزيز التعاون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة، مثل تهريب المخدرات والأسلحة. البحث والتطوير، سيتم تشجيع التعاون في مجال البحث والتطوير لتطوير حلول مبتكرة للتحديات الأمنية.
يشهد التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تطوراً مستمراً، حيث يسعى الطرفان إلى تعزيز الشراكة في مختلف المجالات. ومن المتوقع أن يشهد المستقبل المزيد من التعاون في المجالات التالية: التحول الرقمي، سيشهد التعاون بين الطرفين توسعاً في مجال التحول الرقمي، بما في ذلك التجارة الإلكترونية والحكومات الذكية. الابتكار والتكنولوجيا، سيتم التركيز على تعزيز التعاون في مجال البحث والتطوير، وتبادل الخبرات في مجال التكنولوجيا الحديثة. الصحة، سيتم تعزيز التعاون في مجال الصحة، خاصة في ظل جائحة كورونا، حيث سيتم تبادل الخبرات والتجارب في مجال مكافحة الأمراض. تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بدأت في الظهور في سبعينيات القرن الماضي، حيث تم توقيع أول اتفاقية تعاون بين الجانبين في عام 1988. شهدت هذه العلاقات تطوراً ملحوظاً على مر السنين، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات والبرامج المشتركة التي عززت التعاون في مختلف المجالات.
تقدمت العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي وأعضائها في أعقاب الاستراتيجية الأولى للاتحاد الأوروبي للمنطقة في عام 2022 الخليج ، ويحدد البيان المشترك مسار الاتحاد الأوروبي لتطوير شراكة أوثق وأكثر تطلعا إلى المستقبل مع دول الخليج في العديد من المجالات ذات الأولوية. وتشمل هذه زيادة التجارة والاستثمار، ومكافحة تغير المناخ، وضمان أمن الطاقة والانتقال الأخضر السلس، وتعزيز التعاون في مجال الاتصال والرقمنة، وتلبية الاحتياجات الإنمائية والإنسانية العالمية المتزايدة، وتعزيز السلام والاستقرار، بما في ذلك تخفيف حدة التوترات في المنطقة الأوسع.وبناءً على ذلك، كثف الاتحاد الأوروبي مشاركته رفيعة المستوى مع شركائه في الخليج، من خلال تعيين أول ممثل خاص للاتحاد الأوروبي في الخليج ، السيد لويجي دي مايو اعتبارًا من 1 يونيو 2023. ويشمل التعاون والحوار الثنائي بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج مجموعات العمل المواضيعية لاجتماعات كبار المسؤولين، وحوارات حقوق الإنسان لتعزيز وتحسين التعاون بشأن قضايا حقوق الإنسان والتبادلات المنتظمة بشأن التطورات الإقليمية والدولية على مختلف المستويات.أمن دولي ـ ماذا تفعل السفن الحربية الألمانية في المحيط الهادئ؟
تقييم وقراءة مستقبلية
تعد الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي شراكة استراتيجية مهمة للطرفين، حيث تساهم في تحقيق التنمية المستدامة والرخاء للشعوب في كلا المنطقتين. ومن المتوقع أن تشهد هذه الشراكة مزيداً من التطور والتعميق في السنوات المقبلة.
الشراكة الأمنية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما الإمارات والسعودية، تعد ركيزة أساسية للاستقرار والأمن في المنطقة. ومن المتوقع أن تشهد هذه الشراكة مزيداً من التطور والتعميق في المستقبل، بما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
تتمتع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بأهمية استراتيجية متزايدة، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتشابكة التي تواجه العالم اليوم. تشكل هذه الشراكة ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتوفر إطارًا للتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتطرف والتغير المناخي.
شهدت العلاقات بين الطرفين تطوراً ملحوظاً نحو شراكة استراتيجية شاملة تغطي جوانب سياسية واقتصادية وأمنية، وتجمع الطرفين مصالح مشتركة عديدة، منها تأمين إمدادات الطاقة، مكافحة الإرهاب، تعزيز الاستقرار الإقليمي، والتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية.
تواجه المنطقة تحديات مشتركة مثل التطرف والإرهاب، التغير المناخي، الهجرة غير الشرعية، والصراعات الإقليمية، مما يدفع الطرفين إلى تعزيز التعاون لمواجهتها. وقد حققت الشراكة بين الطرفين إنجازات ملموسة في مجالات عدة، منها تبادل المعلومات الاستخباراتية، التدريب المشترك للقوات المسلحة، والتعاون في مجال مكافحة التمويل الإرهابي.
تلعب التطورات في المنطقة والعالم دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل العلاقات بين الطرفين، مثل التنافس بين القوى الكبرى، التغيرات في خريطة النفوذ الإقليمي، والصراعات الجارية. سيساهم التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة في إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، حيث تسعى دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها والحد من الاعتماد على النفط. ظهور تهديدات أمنية جديدة مثل الجرائم الإلكترونية والأسلحة ذاتية القيادة سيتطلب من الطرفين تطوير آليات تعاون جديدة لمواجهتها.
رابط مختصر..https://www.europarabct.com/?p=95614
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
هوامش
EU – Gulf bilateral relations
The Holding of the High-level GCC-EU Forum on Regional Security and Cooperation
The European Union and Gulf Cooperation Council: A New Path for Cooperation?
Te EU’s Strategic Partnership with the Gulf: One Year On