المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا ECCI
إعداد : وحدة الدراسات والتقارير
ملف : الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ـ الفوضى تلوح في الأفق !
يمكنكم تصفح الملف بي دي اف .. http://bit.ly/3yLz7VE
أعلنت الإدارة الأميركية بأنها مغادرتها أفغانستان، خلال شهر يونيو 2021، ويأتي الانسحاب، بعد أن احتلت الولايات المتحدة هذا البلد عام 2001، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر. سعت إدارة بايدن أن يكون الانسحاب منظم، بعد جولات مفاوضات طويلة مع جماعة طالبان. الانسحاب الأميركي سوف يعقبه انسحاب قوات التحالف أيضا، وهذه الخطوة، كانت قد عارضتها الاستخبارات المركزية، وقالت بان الانسحاب الأميركي سوف يعيد طالبان إلى الواجهة إلى جانب الفوضى.
الانسحاب الأميركي من شأنه أن يدفع دول الجوار الأفغاني إلى التدخل في هذا البلد، وهذا ما يجعل مصير أفغانستان مفتوح على كل الاحتمالات، وعلي الأرجح الفوضى الخلاقة.
سيطرت حركة طالبان على مدن عدة في غرب وجنوب افغانستان وحققت تقدم واسع يوم 13 أغسطس 2021 بالاستيلاء على مدينة قندهار ثاني أكبر المدن الأفغانية وفق ما أعلنته وكالة رويترز استنادا على مسؤول حكومي لم تسميه أفاد بأن طالبان “سيطرت على مدينة قندهار عقب اشتباكات عنيفة . وتعد هذه أكبر انتكاسة تتعرض لها الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة منذ أن بدأت الحركة هجوما جديدا موازيا لانسحاب القوات الأمريكية. عقب ذلك أكد مسؤولون أيضا “سقوط” لشكر كاه عاصمة إقليم هلمند جنوبي البلاد بعد قتال عنيف ، فيما غادر كبار مسؤولي القوات المسلحة آخر معقل للحكومة في البلدة في طائرة هليكوبتر.
اتفاقيات ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان – مكافحة الإرهاب
وقعت الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان اتفاقًا “تاريخيًا” في سبتمبر2020 ونص الاتفاق على انسحاب القوات الأمريكية المتمركزة من أفغانستان، مقابل قطع حركة طالبان العلاقات مع التنظيمات والشبكات المتطرفة كتنظيم “القاعدة” في أفغانستان، وبدء محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية. وفي إطار هذا الاتفاق باشرت حركة “طالبان” مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية، لكن هذه المفاوضات تراوح مكانها منذ بدأت.
يرى “كاتز” الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي في واشنطن، إنه للأسف أن النتيجة الأكثر احتمالا هي أنه بعد عام أو عامين من مغادرة القوات الأميركية والناتو، ستطيح حركة طالبان بحكومة كابول الضعيفة. وفي استعراضه للتأثير المحتمل لعودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، ويقول “كاتز” أنه إذا ما قررت طالبان إنهاء ارتباطها بتنظيم القاعدة، لإدراك حكماء الحركة أن ذلك كان السبب في تدخل الولايات المتحدة والإطاحة بحكمها، حينئذ لن يكون الأمر سيئا كثيرا بالنسبة إلى الأميركيين والغرب حتى لو عاملت طالبان الأفغان وخاصة النساء بقسوة، إذا أن المهم بالنسبة لهما هو عدم اتباعها سياسة تلحق الضرر بهما.
مطالب حركة طالبان؟
انسحاب القوات الأجنبية: يعد المطلب الأول والرئيسي لحركة طالبان هو انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان. ويرى قيادات طالبان أنها لم يختاروا الحرب مع قوات التحالف لكنها كانت مضطرة للدفاع عن الحركة.
استعادة البلاد : وصلت حركة طالبان للسلطة في أفغانستان في منتصف التسعينيات. وحاليا تسعى حركة طالبان لاستعادة السلطة التي فقدتها منذ عام 2001. ويسهل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان عملية وصول طالبان إلى السلطة طالبان وبهذا تكون حصلت على ما تريده بالضبط.
إطلاق سراح سجناء ينتمون لطالبان: تفاوضت حركة طالبان مع الحكومة الأفغانية لإطلاق سراح سجناء ينتمون لها. وبالفعل استأنفت كابول الإفراج عن (400) سجين ينتمون لطالبان، من أجل إحياء محادثات السلام وللوصول إلى حل سياسي.
ما هي المناطق التى تسيطر عليها حركة طالبان – مكافحة الإرهاب
توصّل تحقيق في 4 مارس 2021 إلى أنّ “طالبان” تسيطر على (52%) من أراضي أفغانستان، بينما الحكومة تسيطر على(46 %)، أما المناطق المتبقية فليست تحت سيطرة أي جهة. وأوضح التحقيق أنّ الحكومة تسيطر على مراكز جميع الأقاليم وعددها (34) إقليماً. لكن بالنسبة للمديريات، وعددها (388)، فتسيطر الحكومة بشكل كامل على (649) منها، بينما تسيطر “طالبان” على (27) مديرية، فيما المديريات المتبقية مقسّمة بين الطرفين. كذلك،.ولفت إلى أنّ (59 %) من سكان أفغانستان يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فيما (38%) يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة “طالبان”. أما الباقون، فيعيشون في المناطق التي لا سيطرة لأي جهة عليها.
التطورات الميدانية في افغانستان كانت متسارعة بعد سيطرة طالبان على عواصم 10 ولايات من الولايات الأفغانية الـ34. سيطرت طالبان على كامل محافظتي بدخشان وبغلان، بالإضافة إلى عشرة عواصم استراتيجية ، وهي قندوز، وسار بول، وتالوقان، وشبرغان في شمال البلاد، وكذلك زارانج في الجنوب الغربي. وواصلت الحركة هجومها على مزار شريف أكبر مدن الشمال سعياً لإسقاطها، واستغلت قدرتها للسيطرة على مناطق أخرى، كما في مدينة إيبك عاصمة إقليم سَمَنْكان.ولدى طالبان الآن وجود قوي في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك في الشمال، والشمال الشرقي، والمقاطعات الوسطى، مثل غزنة، وميدان وردك، كما يقتربون من هرات في الغرب، ومدينتي قندهار، وشكر جاه في الجنوب
مؤشر العمليات الإرهابية في أفغانستان
أعلنت الأمم المتحدة، في 20 أبريل 2021، أن نحو (1800) من المدنيين الأفغان سقطوا بين قتيل وجريح في الشهور الثلاثة الأولى من 2021 خلال القتال بين القوات الحكومية ومقاتلي “طالبان”. وتصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية خلال عام 2020
بلغت العمليات (74) عملية انتحارية و(265) هجومًا مسلحًا واشتباكًا مع قوات الأمن والجيش الأفغاني، ما أسفر عن مقتل (2,346) مدنيًّا وعسكريًّا وإصابة (2,335) آخرين، فضلًا عن إعدام (33) شخصًا واختطاف (108) آخرين. وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية التي تشنُّها قوات الأمن الأفغانية بالتعاون مع القوات الدولية عن مصرع نحو (6001) من عناصر طالبان وداعش وإصابة (2144) واعتقال (564) آخرين، فضلًا عن تدمير عدد من المعاقل والمعدات الخاصة بالتنظيمات الإرهابية.
الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ـ بؤرة فوضى أمنية جديد
ذكرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب في يناير 2021 أنها خفضت القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 2500، أدنى مستوى منذ عام 2001، بعد ذلك قررت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد بايدن الانسحاب العسكري الكامل بحلول مايو 2021، وذلك حسب الاتفاق الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير 2020. وكجزء من هذا الاتفاق، في مقابل كامل انسحاب القوات الدولية، طالبان ملتزمة بمنع الجماعات الأخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة، من استخدام الأراضي الأفغانية لتجنيد أو تدريب أو جمع التبرعات للأنشطة التي تهدد الولايات المتحدة أو حلفائها.
واقع القوات الأمريكية و قوات التحالف في أفغانستان
يوجد ما يقرب من 3500 جندي أمريكي في أفغانستان وحوالي 7000 من قوات الناتو وقوات التحالف. وقد زاد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان مع ضخ واشنطن لمليارات الدولارات لمحاربة تمرد طالبان، فضلا عن تمويل إعادة الإعمار. وقد انخفض هذا العدد إلى 4 آلاف جندي ، مع تقلص الأرقام بشكل أكبر. هناك أيضا أعداد كبيرة من المتعاقدين الأمنيين الذين يعملون لحسابهم الخاص، والذين يعملون لصالح الولايات المتحدة في أفغانستان، ويشمل ذلك العدد اعتبارا من الربع الأخير من عام 2020 أكثر من 7800 متعاقد يحملون الجنسية الأمريكية، وفقا لبحث أجراه الكونغرس الأمريكي. ووفقا لوزارة الدفاع الأمريكية بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر من عام 2001 وحتى سبتمبر من عام 2019) 778 مليار دولار.
انسحاب القوات الأمريكية و قوات التحالف من أفغانستان
قرر الحلفاء البدء في سحب القوات المنتشرة في إطار بعثة الدعم غير القتالية، التي تقوم بتدريب وتقديم المشورة والمساعدة لقوات ومؤسسات الأمن الأفغانية منذ يناير 2015. وبدأ تخفيض جميع القوات الأمريكية وقوات بعثة الدعم غير القتالية في 1 مايو 2021. وقد أطلقت قوة الدعم الأمني في أعقاب انتهاء مهمة القوة الدولية للمساعدة الأمنية عندما نقلت المسؤولية عن الأمن في أفغانستان إلى قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية. وسيواصل حلف الناتو وشركاؤه دعم عملية السلام الجارية التي تقودها أفغانستان. ويكون انسحاب القوات لا يعني نهاية العلاقة مع أفغانستان، بل يعني بداية فصل جديد في 18 أبريل 2021.
قال مسؤولون أمريكيون إن الرئيس بايدن سيسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان ، ليكمل الخروج العسكري بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001 التي جذبت الولايات المتحدة إلى أطول حرب لها. وصرح مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية بموجب قواعد عدم الكشف عن هويته التي حددها البيت الأبيض، إن القرار سيبقي الآلاف من القوات الأمريكية في البلاد بعد الموعد النهائي للخروج في الأول من مايو الذي تفاوضت عليه إدارة ترامب مع طالبان. الانسحاب الأميركي من أفغانستان الفوضى تلوح في الأفق!
ولا تزال القوات الأمريكية منتشرة في كوكبة من حوالي اثنتي عشرة قاعدة، معظمها يحتوي على مجموعات صغيرة من قوات العمليات الخاصة التي تقدم المشورة للجيش الأفغاني. ومن أجل تغطية الانسحاب، التزم الجيش الأمريكي بتقديم قدر كبير من الدعم الجوي، بما في ذلك وضع حاملة طائرات في الخليج الفارسي، في حال قررت طالبان الهجوم.
صراع بايدن و الاستخبارات المركزية حول الانسحاب الأمريكي من افغانستان
حذرمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز من أن قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخبارية والعمل ضد التهديدات المتطرفة التي تنشأ في أفغانستان ستتضاءل بعد رحيل القوات الأمريكية. وسلطت شهادة بيرنز أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الضوء على خطر رئيسي كامن في قرار الرئيس جو بايدن بسحب جميع القوات الأمريكية المتبقية على الرغم من الوجود الدائم لمسلحي تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”. وذكر تقرير للأمم المتحدة في يناير 2021 أن هناك ما يصل إلى 500 مقاتل من القاعدة في أفغانستان طالبان تحافظ على علاقة وثيقة مع الجماعة الإسلامية المتطرفة. وتنفي حركة طالبان وجود أي من عناصر القاعدة في أفغانستان.
الأوضاع غير المستقرة في افغانستان.. نحو توسيع النفوذ الايراني ؟
انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان قد يؤدي إلى مزيد من حالة عدم الاستقرار والفوضى الأمنية، الأمر الذي قد تستفيد منه إيران في أول فرصة، باعتبارها أحد القوى الإقليمية الفاعلة داخل أفغانستان. من المحتمل أن يؤدي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى تسريع إيران لوتيرة مشروعها النووي على اعتبار غياب الخطر الأمريكي على جوارها، فإيران كانت تعتبر القوات الأمريكية الموجودة في جوارها تهديدا لبرنامجها النووي، بحيث كانت تخشى من استخدام الولايات المتحدة للأراضي الأفغانية كقاعدة حيوية وقريبة تمكنها من ضرب المنشآت والمفاعلات النووية. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال التمويل الإيراني العسكري واللوجيستي للفصائل المتطرفة خاصة حركة طالبان والفصائل الشيعية الأفغانية، قد يكون السيناريو الأقرب الذي تحضر له إيران بعد الانسحاب الأمريكي، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعقيد عملية السلام واستتباب الأمن في أفغانستان.
تصعيد الجماعات المتطرفة لعملياتها من داخل أفغانستان.. نحو الرجوع إلى نقطة الصفر ؟
ساهم الوجود الأمريكي في أفغانستان في تقليل حجم التهديدات والعمليات الإرهابية من أفغانستان. ولكن لا يوجد شك في أنه كان هناك تطور كبير في التهديد الإرهابي على المستوى العالمي، والذي يتوجب مواجهته باستراتيجية عالمية تحتاج إلى أخذ أفغانستان في عين الاعتبار على أنها تبقى بؤرة مهمة وخطيرة في تصدير الإرهابيين ومركز تخطيط للعمليات الإرهابية إقليميا ودوليا. وأفغانستان لا تزال رمزيا وجغرافيا مساحة جذابة للجماعات الجهادية والمتطرفة التي تطمح لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفاؤها ومصالحها الإقليمية والدولية، لذلك فإن الانسحاب الأمريكي من المحتمل أن يعيد الثقة والطموح والقوة لتلك الجماعات الإرهابية في سبيل التخطيط وتنفيذ أنشطة إرهابية كبرى.
تقييم: انسحاب القوات الأمريكية و قوات التحالف من أفغانستان
إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء بعد عقود من التجاذبات وأخذ ورد لمدى جدوى التواجد الأمريكي وقوات التحالف في أفغانستان وهل بالفعل تم تحقيق الأهداف التي حشدت من أجلها جيوش وأموال طائلة. الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان مهدت إلى إعادة التفكير في مدى ضرورة التواجد العسكري، أزمة جائحة كورونا وتصاعد النفوذ الصيني في المنطقة كأنا النقطة التي الفاصلة في اتخاذ القرار الأمريكي بالانسحاب. . لكن هذا القرار كيف ستكون تداعياته السياسية والأمنية خاصة على المنطقة وعلي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؟
لم تحقق الولايات المتحدة هدفها المتمثل في هزيمة طالبان. منذ عدة سنوات، كانت حركة طالبان تصعد باطراد في ساحة المعركة. وهي تسير على طريق أن تصبح أقوى قوة سياسية في أفغانستان، وطرفا فاعلا قويا في حكومة أفغانية مقبلة. كما أن طالبان حسب الكثير من المراقبين تريد إدماج مقاتليها في الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأفغانية على الرغم من أن قوات الأمن الأفغانية قد انهارت بشكل كبير مسبقا. لذلك يمكن لطالبان الانقضاض على العديد من المناطق والأقاليم والسيطرة عليها أمنيا وسياسيا. والأسوأ من ذلك أن الحرب الأهلية القائمة يمكن أن تشتد وتتحول إلى حرب أكثر دموية على غرار النموذج السوري أو الليبي قبل وصول طالبان إلى السلطة.
بعد الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، من المحتمل أن يخلق ذلك على المدى القريب حالة انزعاج وقلق لإدارة بايدن أيضا إزاء ما إذا كانت إيران وباكستان وروسيا والصين والهند وتركيا ستفعل المزيد في أفغانستان، خوفا من أن تملأ دول أخرى الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه إعادة أفغانستان إلى بؤرة فوضى أمنية جديدة وفق ما يعرف بحروب الوكالة
الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ـ الأسباب والتداعيات
يثير الانسحاب الأمريكي وقوات الناتو من أفغانستان قلق الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية خصوصا, أن قدرات القوات الأفغانية غير مجهزة بشكل كامل للصمود أما حركة طالبان للاحتفاظ بسيطرتها على الأراضي التي تمتلكها. وبات من المرجح أن يتحقق الهدف الأول لطالبان – الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية – دون تسوية سياسية بين الأطراف الأفغانية في الصراع ودون وقف دائم لإطلاق النار.
انسحاب غير مشروط من أفغانستان
يتمركز حوالي (2500) جنديا أمريكا في أفغانستان بالإضافة إلى المئات من قوات العمليات الخاصة الأمريكية. وكشفت واشنطن وقوات الناتو في 25 أبريل 2021 عن رحيل للقوات وتسليم القواعد والمعدات للحكومة في أفغانستان. ووافق البنتاغون في 24 أبريل 2021 على نشر المئات من القوات الأمريكية برا وبحر وجوا البرية والجوية والبحرية في المنطقة لضمان تأمين قوات حلف شمال الأطلسي والقوات الأمريكية والمتعاقدين أثناء الانسحاب
أعلن الناتو سحب قواته من أفغانستان، شأنه شأن القوات الأمريكية. كذلك علي غرار سحب القوات الأمريكية أفادت إيطاليا في 16 أبريل 2021 عن البدء في عملية انسحاب قواتها العاملة في أفغانستان. وكشفت ألمانيا في 15 أبريل 2021 عن سحب جنودها الـ (1100) المتمركزين في أفغانستان بحلول منتصف أغسطس2021.
وأكدت بريطانيا في 14 أبريل 2021 إنها في صدد تخفيض حجم قواتها المتمركزة في أفغانستان. وتأكيدًا على الانسحاب المخطط للقوات ، حذر “بن والاس” وزير الدفاع البريطاني من أن أي هجمات على القوات الحالية “ستقابل برد قوي”.
يخلق الانسحاب غير المشروط للقوات الأمريكية خطرًا يتمثل في رغبة كل من طالبان والحكومة الأفغانية في اختبار قوتهما العسكرية في غياب القوات البرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي – مما يؤدي إلى حرب أهلية.
لماذا الانسحاب في هذا التوقيت من أفغانستان؟
تقويض النفوذ الروسي الصيني: جاء قرار” جو بايدن” الرئيس الأميركي بالانسحاب من أفغانستان لترتيب أولويات السياسية الخارجية الأميركية وتوجيه موارد الإدارة الأمريكية نحو روسيا والصين. خاصة أن الأولوية القصوى للسياسة الخارجية القصوى لإدارة جو بايدن خلال عام 2021 هي تحييد نفوذ روسيا والصين ،وتقويض المنافسة المتزايدة لأوروبا وأمريكا.
تكاليف الحرب: أنفقت الولايات المتحدة حوالي (978) مليار دولار (تشمل تقديراتهم أيضا الأموال المخصصة للسنة المالية 2020). على الحرب في كل من أفغانستان وباكستان. تشير الإحصائيات إلى أن التكلفة المالية تشمل العمليات الأفغانية والعمليات في باكستان المجاورة، ويقدر مشروع تكاليف الحرب أيضا بـ “(241) ألف شخص لقوا حتفهم كنتيجة مباشرة لهذه الحرب، وهذا يشمل ما لا يقل عن (71344) مدنيا، و (2442) من أفراد الخدمة الأميركية، و(78314) من الجيش والشرطة الأفغانيين، و(84191) من مقاتلي المعارضة” في 20 أبريل 2021.
تهديدات حركة طالبان بعد الانسحاب الأمريكي
يعتمد الجيش الأفغاني بشكل كبير على الدعم المالي والعسكري للولايات المتحدة والقوى الأوروبية، ودون تلك المساعدات سيترك الجيش الأفغاني وحيدا أمام حركة طالبان. ولن يكون الجيش الأفغاني ملزما بمواجهة حركة طالبان فقط بل يكون ملزما أيضا بمواجهة تنظيمات أخرى متطرفة كتنظيمي داعش والقاعدة..
أفاد تقرير للاستنخبارات الأمريكية في 15 أبريل 2021 إلى أن الحكومة الأفغانية “ستكافح” للوقوف على قدميها في مواجهة حركة طالبان “الواثقة من نفسها”. ويضيف التقرير بأن “حركة طالبان واثقة من قدرتها على تحقيق النصر عسكريا”. كما جاء في تقرير المخابرات الأمريكية أن “القوات الأفغانية مستمرة في تأمين المدن والمقار الحكومية. وهي مستمرة في مهام دفاعية وتكافح من أجل الاحتفاظ بالمناطق التي تمت استعادتها أو العودة إليها عام 2020”.
تخوض واشنطن مفاوضات مع دول الجوار لكابول لإعادة تمركزها، لضمان مواصلة عمليات الاستطلاع والمراقبة وشن غارات جوية عرضية على التنظيمات الإرهابية إذا لزم الأمر. وذلك بعد تحذيرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية من الانسحاب من أفغانستان وتداعيات خطيرة من جراء عودة تنظيمي داعش والقاعدة إلى الواجهة في أفغانستان.
مخاوف أوروبية من الانسحاب من أفغانستان
يرى البرلماني الألماني ” هينينغ أوته” خبير الشؤون الدفاعية في 21 أبريل 2021، من “لحظة الانسحاب خطيرة عسكريا: يجب على وزارة الدفاع الألمانية تأمين النقل بقوة قتالية وقوات عملياتية” وأضاف “علينا توفير قوات خاصة لهذا الغرض… إذا كانت لدينا بالفعل طائرات مسيرة مسلحة، فيمكننا ضمان سلامة جنودنا بشكل أفضل”. ويقول ييتبر الانسحاب “نقطة فاصلة للجيش الألماني”، وأضاف: “قبل عشرين عاما أظهرنا، بصفتنا حلف الناتو، للإرهاب الإسلاموي البطاقة الحمراء – بنجاح: أفغانستان ليست حتى اليوم ملاذا آمنا للإرهابيين الدوليين. أفغانستان لا تشكل خطرا على أوروبا أو ألمانيا”.
يدرك الاتحاد الأوروبي تداعيات انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وما يصاحبه من فوضى محتملة تؤدي إلى حرب أهلية ونشوب أزمة لجوء جديدة، خاصة وأن الإحصائيات تشير إلى أن اللاجئين الأفغان شكلوا في عام 2020 ثاني أكبر مجموعة من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى أوروبا. لذلك دعا الاتحاد الأوروبي في 15 أبريل 2021 إلى التزام جميع الأطراف بالمشاركة البناءة في محادثات السلام في أفغانستان وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة وحلف الناتو (الناتو) سحب القوات من البلاد.
التقييم
تسيطر الحكومة الأفغانية على المدن الكبيرة والبلدات بينما تتمتع حركة طالبان بتواجد في أجزاء كبيرة من المناطق الريفية التي تحيط بالمدن الكبيرة، ما يجعل قوات الحكومة الأفغانية في مرمى نيران حركة طالبان.
نجد أن هناك تعهدات لحركة طالبان بعدم مهاجمة القوات الأمريكية ومصالحها ومنع مجموعات كتنظيمي القاعدة و” داعش” من التحرك انطلاقا من أفغانستان. ولم تتضمن التعهدات عدم مهاجمة القوات الحكومية الأفغانية وتأكيدا لذلك فقد حذرت طالبان في بيان من تكثيف هجماتها على القوات الحكومية الأفغانية إذا لم تغادر القوات الأمريكية بحلول مايو 2021.
تعتبر أفغانستان على رأس قائمة الدول التي تعرضت للهجمات الإرهابية خلال عام 2020. وتعاني كابول من تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية ضد القوات الأمنية الأفغانية والمدنيين من قبل حركة طالبان. ولاتزال شبكة “حقاني” الذراع القوي لحركة طالبان والتي تلعب دورا هاما في عملياتهم في أفغانستان تقيم علاقات مع قيادات بارزين في تنظيم “القاعدة” المتواجدين في أفغانستان.
ان تنامي مخاطر حركة طالبان في أفغانستان، سواء انسحبت القوات الأمريكية أو قررت البقاء. فأجلا أم عاجلا حركة طالبان في صدد السيطرة على السلطة في أفغانستان. وتعد طالبان على الورق الجهة الوحيدة التي تهدد الحكومة الأفغانية ولكن على أرض الواقع هناك تنظيمات إرهابية أخرى لا تقل خطورة عن حركة طالبان تهدد الحكومة الأفغانية.
ترى الإدارة الأمريكية أن لديها الإمكانيات لمنع وقوع هجمات إرهابية من الأراضي الأفغانية برغم قرار الانسحاب وأنها تضمن عدم تجدد أنشطة القاعدة في أفغانستان. ولكن انسحاب القوات الأمريكية والغربية من أفغانستان يزيد من جرأة بعض التنظيمات الإرهابية كتنظيمي داعش والقاعدة لتوسيع نفوذها عبر تحالفات مع حركة طالبان ويصبح “احتواء” كل من القاعدة وداعش أمرا بالغا في الصعوبة.
ومن المتوقع جدا ان يساهم الانسحاب الأمريكي في استقطاب المزيد من المقاتلين الأجانب وستصبح كابول ملاذا لمقاتلي داعش الفارين من سوريا والعراق. بالإضافة إلى غلق القواعد السرية في شرق أفغانستان والتي كانت تستخدمها القوات الخاصة الأمريكية كنقطة انطلاق لعمليات مكافحة الإرهاب، من شانها إضعاف القدرات الأمريكية على الرد على تهديدات تنظيمي “داعش” و”القاعدة” المستقبلية.
أصبحت المشاركة العسكرية للولايات المتحدة في أفغانستان عبئًا على الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن. وأثبت التواجد العسكرى في أفغانستان أنه غير قادر على حل الصراع و تغيير الوضع السياسي في أفغانستان. ونرى أن الإدارة الأمريكية باتت تفضل زيادة إنفاق مواردها تجاه الصين وروسيا واصبحت من من الأولويات الإستراتيجية الأكثر أهمية.
تبقي قدرة الدول الأوروبية في حلف الناتو محدودة على التصرف بشكل مستقل عن واشنطن في أفغانستان. كون أن الدول الأوروبية في حلف الناتو تعتمد بشكل كبير على البنية التحتية للولايات المتحدة ، والخدمات اللوجستية والدعم في أفغانستان.
لا يمكن لواشنطن والدول الأوروبية في حال مشاركة حركة طالبان في العملية السياسية المستقبلية وتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية الوثوق في حركة طالبان. كذلك سيصعب من تعزيز التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي معهم.
نجد أن الانسحاب غير مشروط من أفغانستان وعدم التوصل اتفاق سياسي بين طالبان والحكومة الأفغانية قد يؤدي إلى اندلاع إلى حرب أهلية. والسيناريو الأقرب حين عودة طالبان إلى السلطة أن لن تتغير العلاقة بشكل جوهري بين طالبان وتنظيم القاعدة وستستمر العلاقة بينهما لضمان توسيع طالبان نفوذها في أفغانستان.
وفي حين اندلاع حرب أهلية في أفغانستان ستتيح لتنظيم القاعدة إعادة تجميع صفوفه وصعود لتنظيم داعش من جديد. ما يترتب عليه تداعيات أمنية دولية وإقليمية لا سيما على أوروبا وأمريكا من خلال تدبير هجمات إرهابية وتنفيذها على الأراضي الأوروبية. بالإضافة إلى نشوب أزمة لجوء جديدة يصعب السيطرة عليها. كذلك تمهيد الطريق لقوى إقليمية كالصين وروسيا وباكستان والهند لزيادة نفوذها في أفغانستان لتحقيق بعض المصالح الاقتصادية والاستراتيجية.
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
رابط نشر ..https://www.europarabct.com/?p=76723
أخر تحديث يوم 26 ..https://www.europarabct.com/?p=77009
الهوامش
الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ـ الفوضى تلوح في الأفق!
معادلات أفغانستان: المدن بيد الحكومة والريف لـ”طالبان”
What We, the Taliban, Want
Whether America Stays or Goes, the Taliban Will Control Afghanistan
أنشطة الجماعات الإرهابية في أفغانستان خلال 2020
الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ـ بؤرة فوضى أمنية جديد
الحرب في أفغانستان: كم كلف ذلك الصراع الولايات المتحدة؟
NATO and Afghanistan
Biden will withdraw all U.S. forces from Afghanistan by Sept. 11, 2021
الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ـ الأسباب والتداعيات
China and Russia Are the X-Factors in Biden’s Afghanistan Withdrawal
UK troops to begin ‘drawdown’ in Afghanistan
انسحاب بلا شروط.. هل ستترك أمريكا أفغانستان لحركة طالبان؟
خاص انسحاب بايدن المتعجل من أفغانستان.. حسابات الربح والخسارة