خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI، وحدة الدراسات والتقارير “1”
أمن دولي ـ الأوروبيون يوجهون إنذارًا لبوتين بشأن وقف إطلاق النار
اجتمع في كييف أبرز حلفاء أوكرانيا الأوروبيين في قمة رفيعة المستوى يوم الاشر من مايو 2025، وذلك في محاولة لإطلاق مبادرة دبلوماسية كبيرة تهدف إلى إنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وقد جاء رد الكرملين على هذا اللقاء بعدوانية واضحة. أطلقت أربع دول أوروبية كبرى ـ هي ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وبولندا ـ يوم العاشر من مايو 2025 بدعم من الولايات المتحدة، لأول مرة، مبادرة دبلوماسية واسعة النطاق لإنهاء الحرب الروسية. فقد توجه كل من المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الحكومة البولندية دونالد توسك إلى كييف، حيث وجهوا من هناك إنذارًا إلى روسيا بضرورة القبول بوقف إطلاق نار شامل وغير مشروط.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي:”إذا رفضت روسيا وقفًا كاملًا وغير مشروط لإطلاق النار، فيجب فرض عقوبات جديدة، عقوبات مشددة ضد قطاع الطاقة والنظام المصرفي الروسي”. وقبل ذلك، كان زيلينسكي وقادة “تحالف الراغبين” الموجودين في كييف قد أجروا مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب . وقال زيلينسكي:”نحن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعمنا”.
الكرملين يرد
حتى قبل انعقاد القمة، كانت الدول الأوروبية الحليفة لكييف قد هددت بفرض عقوبات جديدة على موسكو في حال رفضت الالتزام بوقف إطلاق النار. الرئيس الأمريكي ترامب بدوره أيد هذا التوجه. ومع ذلك، جاء رد الكرملين يوم التاسع من مايو 2025 حذرًا على مطالب الهدنة غير المشروطة، فيما استخدم رئيس الوزراء الروسي السابق ديمتري ميدفيديف يوم العاشر من مايو 2025 لغة نابية ومهينة في رفضه للمطالب الأوروبية. وأكد ميرتس بعد اللقاء قائلاً:” يجب أن يكون واضحًا: إذا رفضت روسيا وقف إطلاق النار هذا، والذي يمكن أن يشكل أساسًا لبدء مفاوضات فورية، فسندافع عن أوكرانيا بشكل أكبر وسنواصل تصعيد الضغط على روسيا”.وأضاف السياسي من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) عبر قناة ZDF الألمانية: “هذه أكبر مبادرة دبلوماسية شهدناها منذ شهور، وربما منذ سنوات، لإنهاء الحرب في أوكرانيا. أعود بشعور أن هناك ربما فرصة صغيرة للنجاح”.
ماكرون: الولايات المتحدة ستراقب الهدنة مع الأوروبيين
من جانبه، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك:”لأول مرة منذ زمن طويل، نشعر بأن العالم الحر بأسره متحد فعليًا”. وأوضح أن فكرة إعلان هدنة بدءًا من يوم 12 مايو 2025 وبدء مفاوضات سلام فورًا تحظى بدعم مشترك من الرئيس الأمريكي ترامب، وأوكرانيا، و”تحالف الدول” التي تدعم أوكرانيا في سعيها للحفاظ على وحدة أراضيها واستقلالها وحريتها. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهّد بدوره بتقديم ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، وقال:” لقد تمكنا من التحدث عن كل هذه القضايا مع جميع رؤساء الدول والحكومات المنضوين تحت “تحالف الراغبين”.”
وأضاف ماكرون أن الولايات المتحدة وافقت أيضًا على مراقبة الهدنة في أوكرانيا إلى جانب الأوروبيين، دون أن يكشف عن المزيد من التفاصيل.
روسيا تضع شروطًا لوقف إطلاق النار
من جهته، اشترط الكرملين لوقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا أن توقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تسليح أوكرانيا. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في مقابلة مع شبكة ABC الأمريكية: “وإلا سيكون هناك ميزة لأوكرانيا”، مضيفًا أن أوكرانيا ستستغل وقف إطلاق النار لمواصلة “التعبئة العامة” وجلب قوات جديدة إلى الجبهة، وتدريب الجنود الجدد، ومنح المقاتلين الحاليين فرصة لالتقاط الأنفاس. وأكد بيسكوف أن روسيا لن تنثني أمام التهديدات بالعقوبات، مشيرًا إلى أن موسكو قد تأقلمت بالفعل مع العقوبات الغربية. وقال في مقابلة مع التلفزيون الروسي الرسمي:” نحن نتصور بالفعل ما الذي سنفعله بعد فرض هذه العقوبات، وكيف سنقلل من آثارها. محاولة إخافتنا بالعقوبات أمر غير مجدٍ”.
جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد فرضوا بالفعل العديد من العقوبات على روسيا بهدف تقويض قدرتها الاقتصادية على مواصلة الحرب. إلا أن خبراء غربيين يقرّون بأن الاقتصاد الروسي أظهر صلابة غير متوقعة. ورغم بروز العديد من المشاكل الاقتصادية نتيجة نقص الوصول إلى التكنولوجيا الغربية، لا تزال روسيا، كقوة كبرى في مجال الموارد الطبيعية، تحقق عائدات بمليارات الدولارات من مبيعات النفط والغاز، مما يدعم استمرار اقتصاد الحرب. وكانت روسيا قد أعلنت عن وقف إطلاق نار أحادي الجانب لمدة ثلاثة أيام بمناسبة الاحتفالات بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، على أن ينتهي عند منتصف الليل (23:00 بتوقيت وسط أوروبا). لكن أوكرانيا رفضت الانضمام إلى الهدنة المؤقتة، وروسيا لم تلتزم بها أصلًا، حيث واصلت قصف المناطق السكنية الأوكرانية، لا سيما في مدينة سومي شمال شرقي البلاد.
**
الدور الأوروبي في المفاوضات: من تابع إلى شريك رئيسي؟
يمكن القول بإن قمة كييف يمثل تحولًا لافتًا في أداء أوروبا، إذ انتقلت من حالة “التبعية السياسية” للولايات المتحدة إلى محاولة لعب دور قيادي مستقل نسبيًا في رسم مسار التسوية. التحالف الأوروبي الرباعي (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، بولندا) بقيادة دعم أمريكي، يسعى إلى تشكيل كتلة تفاوضية فعّالة، وليس فقط داعمة لأوكرانيا بالسلاح. هذا التحول قد يكون بداية دور تفاوضي مباشر لأوروبا في أي محادثات سلام محتملة. يمكن اعتبار أوروبا، المتضرر الاقتصادي الأول من الحرب، تدرك أن الحل السلمي يخدم مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية أولًا. لكن ضعف الردع الأوروبي وعدم امتلاك أدوات ضغط مباشرة على موسكو (مقارنة بواشنطن) قد يُبقي الدور الأوروبي رهينًا بموافقة أميركية ضمنية أو صريحة.
ماذا عن الضمانات الأمنية الأوروبية؟ هل هي واقعية؟
إن إعلان ماكرون عن “ضمانات أمنية قوية” لأوكرانيا يحمل رمزية أكثر من مضمون حالي، لكنه يؤسس لسردية استراتيجية فرنسية – أوروبية. فرنسا قد تقترح ترتيبات دفاعية خارج إطار الناتو، مثل نشر قوات أوروبية رمزية، أو دعم بالمعدات الدفاعية بعيدة المدى، أو حتى اتفاقات ثنائية دفاعية. ألمانيا وبريطانيا مترددة أكثر في تقديم التزامات أمنية مكتوبة تجرّها إلى مواجهة مباشرة مع روسيا. ما لم يُترجم ذلك إلى ضمانات أمنية ملزمة قانونًا ، بمثابة “مادة 5” أوروبية، فستبقى هذه التعهدات ذات طابع سياسي ـ أخلاقي أكثر منها رادعة.
هل تستمع واشنطن إلى الشروط الروسية؟ وماذا عن طلب موسكو ضمانات أمنية؟
الولايات المتحدة لن تقبل بالشروط الروسية بشكل مباشر، خاصة وقف تسليح أوكرانيا، لكنها قد تلوّح بهدنة مؤقتة أو تخفيف نوعي للدعم كجزء من صفقة شاملة. وتطلب روسيا عمليًا ضمانات تحول دون تمدد الناتو، وضمانات بتجريد أوكرانيا من القدرة الهجومية ـ وهي مطالب قد تضعف السيادة الأوكرانية، وبالتالي ستُقابل برفض مبدئي أميركي وأوروبي. ومع ذلك، إدارة ترامب تحديدًا قد تكون أكثر مرونة من إدارة بايدن في القبول بتفاهمات غير مكتوبة مع موسكو إذا رأت فيها مدخلًا لإنهاء الحرب. من المرجح، أن تستجيب واشنطن لأي شرط روسي يرتبط بوقف النار المؤقت أو عدم انضمام أوكرانيا للناتو خلال فترة محددة قد يُطرح على الطاولة، لكن ليس بصورة رسمية.
إن أوروبا تتحرك لتكون “ضامن تفاوضي” لا مجرد ممول للحرب، لكن قدراتها وحدودها لا تزال مرهونة بالتنسيق مع واشنطن. أما الضمانات الأمنية الأوروبية فهي في مرحلة التشكل، وقد تُساهم في “طمأنة أوكرانيا” أكثر من ردع روسيا. ولاتخفي واشنطن رفضها شروط موسكو، لكنها قد تدخل في مفاوضات غير مباشرة عبر أطراف أوروبية لتبريد النزاع أو دفعه نحو تجميد مرحلي.