بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (27)
تشهد ألمانيا حالة من الجدل المستمر بشأن امتلاك أسلحة نووية، خاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، وإدراك برلين لحجم المخاطر الأمنية والعسكرية التي تفرضه الحرب على كافة الدول الأوروبية. و بموجب دستورها، تلتزم ألمانيا بعدم امتلاك أو تصنيع أو نشر أسلحة نووية. لكن هذه الاتفاقية تسمح للطائرات الألمانية بإلقاء قنابل نووية أمريكية في حال نشوب حرب. كما يُعتقد أن هناك حوالي 20 رأسًا نوويًا أمريكيًا مخزنًا في قاعدة بوشل الجوية في ألمانيا. يُطالب بعض الأصوات في ألمانيا بأن تمتلك بلادهم أسلحة نووية خاصة بها لردع روسيا. وتُعارض ألمانيا بشدة أي محاولة روسية لنشر أسلحة نووية في كالينينغراد، المنطقة الروسية الواقعة على الحدود مع بولندا وليتوانيا.
كيف تنظر برلين للتهديدات النووية الروسية المحتملة؟
هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب مرارا وتكرارا باستخدام الأسلحة النووية. وأعلن دميتري روغوزين، رئيس وكالة الفضاء الروسية “روسكوزموس”، في مايو 2022 أن بلاده قادرة في حال نشوب حرب نووية على “تدمير دول الناتو في غضون نصف ساعة” فقط. لكن المستشار السابق جيرهارد شرودر في الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يتوقع ذلك. صرح مسؤول من وزارة الخارجية الألمانية الألمانية في مارس 2023 أن بلاده ستظل ملتزمة بشكل واضح بمشاركتها في الحد من التسلح ونزع السلاح وعدم الانتشار (النووي)، حتى في ظل الظروف المتغيرة”.
وأوضح أن “الحكومة الاتحادية وشركاءها يعارضون بشكل قاطع أي تخفيف للمحرمات”، وذلك في إشارة إلى تفاهم غير مكتوب بعدم استخدام الأسلحة النووية، منذ إطلاق الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين ضد اليابان عام 1945، مع ما أدى إليه ذلك من دمار واسع في وقت قياسي لم يتسبب به سلاح بشري من قبل. وقد منحت ألمانيا مايو 2024 لأوكرانيا الإذن باستخدام أسلحة زودتها بها برلين لضرب أهداف داخل روسيا، وفق ما أعلن المتحدث باسم المستشار الألماني أولاف شولتز الجمعة. وكانت برلين، أكبر داعمي كييف بالأسلحة بعد الولايات المتحدة، حتى الآن مترددة في السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الألمانية لضرب أهداف داخل روسيا خوفا من تصعيد النزاع.أمن دولي ـ ما احتمالية المواجهة النووية بين روسيا والناتو؟
دوبرينت ينتقد النقاش حول القنبلة النووية
يعتقد زعيم المجموعة الإقليمية لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ألكسندر دوبريندت أن النقاش حول القنبلة النووية داخل الاتحاد الأوروبي (خاطئ). ويقول “إن تطلع الاتحاد الأوروبي الجديد للقنابل الذرية هو أمر ساذج”. ومن الناحية السياسية والعسكرية، فإن هذا “يتجاوز الخيار الحقيقي”. ويرى أن الأهم هو ضمان أسس مشاركة برلين النووية في الأسلحة الأمريكية المتمركزة في ألمانيا”. ويشمل ذلك استثمار المزيد من الأموال بشكل كبير في القوات المسلحة التقليدية والوفاء بالتزامات التحالف. وقال السياسي في حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي: “كجزء من حلف شمال الأطلسي، تم دمج ألمانيا في نظام الأمن الجماعي. ويجب الحفاظ على هذا”.
وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير 2024 حول الناتو جدلاً كبيراً في أوروبا وألمانيا إذ طالب ساسة وخبراء بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي الألماني بشكل جذري، فيما ذهب آخرون إلى حد المطالبة بإعادة النظر في كسر المحرمات النووية. ودفعت تصريحات ترامب العديد من السياسيين الألمان إلى زيادة الضغوط على المستشار أولاف شولتس لتعزيز الإنفاق الدفاعي عاجلا وليس آجلا رغم أن شولتس قد أعلن عن تدشين صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتحديث منظومة ألمانيا الدفاعية وذلك عقب الحرب الروسية الأوكرانية أواخر فبراير 2022.أمن دولي ـ أوكرانيا تواجه مشكلة تدريب الطيارين على طائرات F-16
اتهامات ضد هابيك بشأن التخلص التدريجي من الأسلحة النووية
يواجه وزير الاقتصاد الاتحادي روبرت هابيك اتهامات بسبب سياسة وزارته الإعلامية بشأن التخلص التدريجي من الأسلحة النووية. يتعلق الأمر في الأساس بالإخفاء المزعوم للحجج التي تم التعبير عنها داخليًا بشأن استمرار تشغيل محطات الطاقة النووية الألمانية. الادعاءات الحالية ليست موجهة ضد هابيك بشكل مباشر، بل ضد موظفي وزارته ووزارة البيئة، التي يديرها حزب الخضر أيضا.
حيث ذكرت تقارير أنه في ربيع عام 2022، تم قمع المخاوف الداخلية بشأن التخلص التدريجي من الطاقة النووية المخطط لها في العام التالي في كل من وزارة الشؤون الاقتصادية ووزارة البيئة. ويقال إن “شبكة حزب الخضر ذات النفوذ” هي التي منعت التخلص التدريجي من الأسلحة النووية. ولم تلعب خبرة الخبراء أي دور، لكن “دائرة الإدارة المكونة من جنود حزب الخضر” في الوزارتين “اتفقت على جميع الخطوات الأساسية فيما بينها”. وترفض الوزارتان ذلك، كما أن هناك شكوكاً كبيرة حول هذا التمثيل. أمن دولي ـ الناتو، أهم التحديات التي ستواجه أمين عام الناتو المقبل
شولتز وليندنر يختلفان بشأن قضية الردع النووي
تسببت تهديدات ترامب ضد حلفاء الناتو إلى مناقشات حول قنبلة نووية للاتحاد الأوروبي. ولم يتفق المستشار ووزير ماليته على هذه القضية. وتثير احتمالات فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 الجدل حول القدرة الدفاعية الألمانية، بما في ذلك الردع النووي المشترك في أوروبا. شككت كاتارينا بارلي، المرشحة الأولى للحزب الاشتراكي الديمقراطي في الانتخابات الأوروبية، في موثوقية درع الأسلحة النووية الأمريكية. وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى قنابل نووية خاصة به. ويشجع وزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر المزيد من التعاون مع فرنسا وبريطانيا افي مجال الردع النووي.
بهذا ينحرف ليندنر عن الخط السابق للمستشار أولاف شولتز الذي رفض المناقشة حول تغيير مسار الردع النووي لحلف شمال الأطلسي . ويعتمد هذا بشكل حصري تقريبًا على الأسلحة النووية الأمريكية. في الوقت ذاته، كان السياسي الدفاعي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي رودريش كيسويتر منفتحًا على زيادة كبيرة في الرهان الخاص بالجيش الألماني. وقال: “من الواضح تمامًا أننا بحاجة إلى 300 مليار بدلاً من 100 مليار حتى يصبح الجيش الألماني جاهزًا للقتال”.
الألمان منقسمون حول ضرورة إمتلاك القنبلة النووية
أظهر استطلاع أجراه معهد أبحاث الرأي (Civey) طُرح السؤال التالي: “برأيك، هل ينبغي لألمانيا أن تمتلك أسلحة نووية خاصة بها (سواء بمفردها أو بالاشتراك مع دول أوروبية أخرى)؟” انقسام الألمان عن رأي منقسم حول هذه المسألة. وقال 45% ممن شملهم الاستطلاع إن ألمانيا يجب أن تمتلك أسلحة نووية. وفي المقابل، 44% يعارضون امتلاك أسلحة نووية خاصة بهم. ولم يحسم أحد عشر بالمائة ممن شملهم الاستطلاع هذا السؤال.
لا يزال العديد من الألمان قلقين من احتمال استخدام الأسلحة النووية، خاصة في ضوء التاريخ النووي للبلاد خلال الحرب العالمية الثانية. كما يخشى البعض من مخاطر الحوادث النووية أو انتشار الأسلحة النووية. ويعتقد البعض الآخر أن ألمانيا محمية بشكل كافٍ من قبل حلفائها في الناتو، ولا تحتاج إلى أسلحة نووية خاصة بها. كذلك يرى بعض المؤيدين للطاقة النووية أنها مصدر طاقة خالٍ من الانبعاثات يمكن أن يساعد في مكافحة تغير المناخ.
ألمانيا تناقش إنشاء مظلة نووية أوروبية
برزت فكرة “المظلة النووية الأوروبية” مؤخرًا كخيار محتمل لتعزيز الأمن في القارة، خاصة في ظل التوترات المتزايدة مع روسيا والحرب في أوكرانيا. وقد أدت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو إلى مخاوف في بعض الدول الأوروبية، مما دفع البعض إلى البحث عن خيارات أمنية بديلة. كما عززت الحرب في أوكرانيا المخاوف الأمنية في أوروبا، ودفعت بعض الدول إلى إعادة النظر في قدراتها الدفاعية.
وتمتلك فرنسا، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، ترسانة نووية، بينما تسعى دول أخرى، مثل بولندا، إلى امتلاك أسلحة نووية. بينما تبدو ألمانيا منقسمة حول الفكرة، مع معارضة الحكومة الألمانية الحالية لها، بينما يدعمها بعض المسؤولين والمواطنين. قد تواجه إنشاء مظلة نووية أوروبية معارضة من قبل بعض الدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي، وربما يُنظر إلى المظلة النووية على أنها استفزاز من قبل روسيا، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات. تكلفة التطوير والصيانة: ستكون تكلفة تطوير وصيانة مظلة نووية أوروبية باهظة الثمن. كذلك تُثير الأسلحة النووية مخاوف دائمة بشأن السلامة والأمان، خاصة مع مخاطر الانتشار أو الحوادث.
تقييم وقراءة مستقبلية
تثير فكرة امتلاك ألمانيا للسلاح النووي نقاشًا ساخنًا في ألمانيا وخارجها، فمن ناحية، يرى بعض المؤيدين أن امتلاك هذه الأسلحة ضروري لتعزيز الأمن الوطني الألماني وردع العدوان، خاصة في ظل التوترات المتزايدة مع روسيا والحرب في أوكرانيا. بينما يعارض البعض الآخر بشدة فكرة امتلاك ألمانيا لأسلحة نووية، مستشهدين بمخاطر الانتشار النووي والآثار الكارثية المحتملة للحرب النووية، بالإضافة إلى التزامات ألمانيا التاريخية بعدم امتلاك أسلحة نووية.
يرى بعض المؤيدين أن امتلاك ألمانيا للسلاح النووي سيُعزز الأمن الوطني الألماني ويُردع أي عدوان محتمل، خاصة من قبل روسيا، ويعتقد البعض الآخر أن امتلاك ألمانيا للسلاح النووي سيُعزز من مشاركتها في صنع القرار الدولي ويُتيح لها مزيدًا من النفوذ على المسرح العالمي. كما يؤكد المؤيدين أن امتلاك ألمانيا للسلاح النووي سيُقلل من اعتمادها على حلفائها، خاصة الولايات المتحدة، في مجال الأمن.
بالمقابل يخشى معارضو امتلاك ألمانيا للسلاح النووي من أن يؤدي ذلك إلى زيادة خطر الانتشار النووي في أوروبا والعالم، وهمريدركون امتلاك ألمانيا للسلاح النووي تمامًا الآثار الكارثية المحتملة للحرب النووية، ولا يريدون المخاطرة بوضع ألمانيا في موقف يمكنها من استخدام أو التعرض لهجوم نووي.
تُشير ألمانيا إلى التزامها التاريخية بعدم امتلاك أسلحة نووية، كما هو مُنصوص عليه في دستورها ومعاهدة عدم الانتشار النووي، فضلً عن ذلك ستكون تكلفة تطوير وصيانة ترسانة نووية ألمانية باهظة الثمن، مما قد يُشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الألماني.
قد تؤدي التوترات المتزايدة مع روسيا أو ظهور تهديدات نووية جديدة إلى زيادة الدعم لامتلاك ألمانيا للسلاح النووي، لكن ستظل آراء الجمهور الألماني حول هذه القضية عاملاً هامًا في أي قرار حكومي بامتلاك أسلحة نووية. ومن المحتمل أن تُواجه ألمانيا ضغوطًا من حلفائها أو من المجتمع الدولي للامتناع عن امتلاك أسلحة نووية.
إنّ نقاش “المظلة النووية الأوروبية” معقد ويثير العديد من التساؤلات والمخاوف. بينما يرى بعضها أنها قد تُعزز الأمن الأوروبي، يخشى آخرون من عواقبها السلبية على الاستقرار والسلامة. يمكن لأوروبا التركيز على تعزيز قدراتها الدفاعية التقليدية وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، كما يمكن السعي إلى حلول دبلوماسية وحوارية لتخفيف التوترات مع روسيا وتعزيز الأمن في أوروبا.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=94814
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
هوامش
Germany and nuclear weapons: A difficult history
Germany debates nuclear weapons, again. But now it’s different.
Trump triggers Germany’s nuclear nightmare
Germany’s Nuclear Choices: Disarm or Proliferate?