المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
ستوكهولم.ـ آندي فليمستروم Andie Flemström ، باحثة في المركز الأوروبي ECCI ـ الأمن الدولي والإرهاب
ماجستير آداب – علاقات دولية – جامعة ستوكهولم ـ رئيسة المركز السويدي لدراسات الأمن الدولي والإرهاب – https://scists.com/
تشكّل العلاقة بين روسيا وإيران تحالفاً جيوسياسياً مهماً يؤثر على الأمن العالمي وتوازن القوى. على الرغم من التنافس التاريخي بينهما، اتحدت الدولتان في معارضة الولايات المتحدة والنظام العالمي الليبرالي. تشارك الدولتان في صراعات مدمرة في أوكرانيا وسوريا، وتتعاونان في مجالات مثل الطاقة، والتكنولوجيا العسكرية، والحرب السيبرانية، ونشر المعلومات المضللة. يقوم هذا الشراكة على الحاجة المتبادلة للبقاء والرغبة المشتركة في تحدي النفوذ العالمي للولايات المتحدة. لكن يبقى السؤال: هل سيستمر هذا التحالف أم سينقسم في المستقبل؟
أعداء تاريخيون، حلفاء حديثون
على الرغم من أن روسيا وإيران كانتا تاريخياً متنافسين جيوسياسيًا لهما مصالح متضاربة وتاريخ من انعدام الثقة، فقد تعاونتا عبر السنين ضد أعداء مشتركين مثل الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية. في الوقت الحاضر، تعززت شراكتهما من خلال التصور المشترك بأن الولايات المتحدة تسعى إلى تطويقهما عسكرياً وتقويض أنظمتهما السياسية. أمن دولي ـ أسباب قلق إيران من تحالف أذربيجان وإسرائيل؟
ويعارض كلا البلدين النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط والنظام العالمي الليبرالي. ويعتبران أن توسع الناتو شرقاً ووجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تهديداً مباشراً لأمنهما وسيادتهما. وبالنسبة لكل من روسيا وإيران، يتعلق التعاون بمواجهة الهيمنة الأمريكية وضمان بقاء أنظمتهما.
جبهة موحدة ضد التهديدات والتأثيرات
عززت المخاوف الروسية والإيرانية بشأن الاستقرار الداخلي والمحاولات الأمريكية المزعومة لتقويضهما شراكتهما. ويخشى كل من بوتين وخامنئي مما يسمى بالثورات الملونة، واستخدما العنف لإخماد الانتفاضات الشعبية. وهما يعتبران تركيز الولايات المتحدة على حقوق الإنسان ليس سوى غطاء للتدخل في شؤونهما الداخلية، خاصة بعد تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011.
وقد أقنعت عملية ليبيا، التي أدت إلى سقوط القذافي، روسيا وإيران بمخاطر التدخل الغربي، مما أثر على دعمهما لنظام الأسد في سوريا. وفي الوقت نفسه، ربط بوتين بين الاحتجاجات في روسيا في 2011-2012 والثورات الملونة وتغيير الأنظمة المدعوم من الغرب. وعند عودته إلى الرئاسة عام 2012، عزز بوتين العلاقات مع إيران، بما في ذلك رفع الحظر السابق الذي فرضه ميدفيديف على بيع منظومة صواريخ ”إس-300“ لإيران في عام 2015.
وأصبحت إيران وروسيا تعتمدان بشكل متزايد على بعضهما البعض من أجل الأمن والبقاء. وتبادلا الأساليب في قمع المعارضة، وأبرمتا اتفاقات بشأن الأمن السيبراني والمعلوماتي لتبرير القمع، مما عزز مقاومتهما للتدخل الغربي ودفاعهما عن السيادة الوطنية.
التعاون في سوريا وتبعاته على المدى الطويل
هددت الاحتجاجات في العالم العربي عام 2011، استقرار نظام الأسد في سوريا، وهو ما اعتبرته إيران تهديداً وجودياً، نظراً لأن الأسد كان حليفها الوحيد وحلقة الوصل الوحيدة مع حزب الله. قدمت إيران دعماً عسكرياً ومالياً، بينما قامت روسيا بحماية الأسد دبلوماسياً من خلال عرقلة قرارات الأمم المتحدة. ومع تعزيز قوة المعارضة في سوريا عام 2014 وتهديد سلطة الأسد، كثفت روسيا وإيران تعاونهما ونفذتا حملة عسكرية مشتركة ضمنت بقاء نظام الأسد. أدىت الحرب الأهلية السورية إلى إنشاء لجنة عسكرية مشتركة بين روسيا وإيران، والتي أصبحت فيما بعد حاسمة بالنسبة لروسيا خلال الحرب ضد أوكرانيا. أمن دولي ـ ما حقيقة مظلة نووية فرنسية لأوروبا ؟
الحرب في أوكرانيا: تعميق التعاون العسكري
أدى اجتياح روسيا للأراضي الأوكرانيا في فبراير 2022 إلى تغيير الشراكة بين روسيا وإيران. ولدعم ”عمليتها العسكرية الخاصة“، لجأت موسكو إلى طهران للحصول على الدعم العسكري، لا سيما في شكل طائرات بدون طيار وذخيرة. وقدمت إيران طائرات مسيّرة مثل ا ”شاهد-131“ و”شاهد-136“ و”مهاجر-6“، مما عزز قدرة روسيا على استهداف الدفاعات الجوية الأوكرانية. وتم إرسال مستشارون إيرانيون إلى شبه جزيرة القرم لتدريب الجيش الروسي على استخدام هذه الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت إيران في إنشاء خطوط إنتاج محلية للطائرات المسيّرة، وزودت روسيا بأكثر من 300 ألف قذيفة مدفعية ومليون طلقة ذخيرة. في الآونة الأخيرة، قدمت إيران مئات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى لروسيا، على الرغم من التحذيرات الغربية.
وتمثل هذه التطورات تغيرًا كبيرًا في العلاقة بين روسيا وإيران. فقد زادت الحرب من وتيرة تبادل الوفود السياسية والتجارية بين موسكو وطهران. وفي مقابل الدعم، عززت روسيا قدرات إيران العسكرية في عدة مجالات. وأحرزت إيران تقدماً كبيراً في الحصول على أسلحة متطورة من روسيا. وقّعت طهران في نوفمبر 2023،عقودًا لشراء طائرات مقاتلة من طراز سو-35، وطائرات تدريب من طراز ياك-130، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز مي-28، ولكن حتى الآن لم يتم تسليم سوى طائرة ياك-130.
طموحات لتحقيق توازن قوى عالمي جديد
تعارض روسيا وإيران الهيمنة الأمريكية على العالم وتسعيان إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب مع نفوذ أمريكي محدود. وعلى الرغم من تحديهما للمعايير الغربية، إلا أنهما حققتا نجاحاً محدوداً في تأسيس نظام بديل. خلقت التجارب المشتركة مع العقوبات الغربية تضامناً بينهما ودفعتهما إلى تطوير أنظمة مالية بديلة. بعد الحرب في أوكرانيا، سعت الدولتان بشكل نشط إلى طرق للالتفاف على العقوبات وتعزيز الروابط الاقتصادية بينهما وكذلك مع دول أخرى غير غربية مثل الصين.
وتعمل روسيا وإيران على بناء تحالفات مع الدول النامية ودعم الأنظمة الاستبدادية مثل كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا. ويُظهر حضورهما المتزايد في مجموعة بريكس+ ومنظمة شنغهاي للتعاون طموحهما في خلق توازن جديد في القوى العالمية. أمن دولي ـ العقيدة النووية عند روسيا والناتو وأهمية قواعد الأشتباك. آندي فليمستروم Andie Flemström
البراغماتية في العلاقة
على الرغم من القرب الجغرافي بين روسيا وإيران، فإنهما منقسمان تاريخياً، مما يجعل علاقتهما براغماتية ومحكومة بالمصالح. يتعزز تعاونهما بسبب معارضتهما المشتركة للولايات المتحدة واعتماد إيران على التكنولوجيا والأسلحة الروسية. تستفيد روسيا من عزلة إيران عن الغرب، مما يمنعها من استغلال مواردها الطاقوية بشكل كامل.
يشير خبير روسي إلى أن احتمال تحالف إيران مع الغرب سيكون أكثر تهديدًا لروسيا من كونها دولة نووية، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار روسيا. يعتبر كلا البلدين شراكتهما استراتيجية للبقاء، إلا أن مستقبل هذه العلاقة يبقى غير واضح في غياب السيطرة التي يفرضها القادة الحاليون.
وقد عززت الحرب في سوريا وأوكرانيا العلاقات بين البلدين، ولكن لا تزال هناك خلافات كبيرة بينهما، لا سيما في الشرق الأوسط. فقد واصلت روسيا الحفاظ على علاقاتها مع خصوم إيران، بما في ذلك دول الخليج وإسرائيل، مما أثار قلق طهران، على الرغم من ضعف العلاقات مع إسرائيل بعد الحرب في أوكرانيا وهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.
وعلى الرغم من القيود الاقتصادية، لا تزال الدولتان منتجتين كبيرتين للنفط، لكنهما تتنافسان في سوق النفط السوداء، حيث تهدد تسعيرة روسيا موقع إيران في الصين والهند. ورغم هذه الخلافات، يستمر التعاون بينهما بدافع التهديدات المشتركة والحاجة إلى مواجهة التأثير الخارجي. هذا يعزز عقلية الحصار التي تحافظ على شراكتهما، حتى مع وجود توترات كامنة.
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ لم تنشأ العلاقة بين روسيا وإيران من خلال استراتيجية مدروسة أو مصالح مشتركة، بل آلية دفاعية ضد ما تراه كلا النظامين تهديدات وجودية لبقائهما.
ـ على عكس التحالفات التي تعتمد على القيم المشتركة والمصالح المتبادلة، تتميز الشراكة بين إيران الثيوقراطية وروسيا وغالبًا بمصالح متضاربة. وفي المستقبل القريب، يمكن أن تكون علاقتهما متماسكة ضد عدو مشترك.
ـ لقد نجحت روسيا وإيران في تحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة والتحايل على العقوبات المفروضة عليهما.
ـ تتسم رؤيتهما لنظام عالمي بديل بالسيادة الانتقائية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وعدم الاستقرار الاقتصادي. وعلى الرغم من أن هذا النموذج قد يجذب غيره من المستبدين الذين يسعون لتعزيز سلطتهم، إلا أنه لا يعود بالفائدة على شعوبهم، التي تعاني من القمع والصعوبات الاقتصادية. وتخلق استراتيجيتهم عالماً يتميز بالانقسام والصراع بدلاً من التعددية القطبية العادلة التي يدّعون دعمها.
ـ لقد عززت الحرب في أوكرانيا من تصميم بوتين وخامنئي على خلق نظام عالمي متعدد الأقطاب يتحدى الهيمنة الغربية. ويعتبر الصراع فرصة لإعادة تشكيل ديناميكيات القوة العالمية وحشد الدول غير الغربية حول رؤيتهما البديلة للعلاقات الدولية.
ـ على الرغم من بعض الخلافات، إلا أن التحالف لا يزال قويًا طالما أن كلا البلدين يتشاركان في نفس التهديدات والأهداف الرامية إلى إضعاف النفوذ الغربي. إن مستقبل هذه الشراكة غير مؤكد ويعتمد على بقاء القادة ومصالحهم المشتركة. وطالما أن خامنئي وبوتين في السلطة ويرون النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة كمصدر للتهديد، فمن المحتمل أن تستمر شراكتهما. وتشكل هذه العلاقة القائمة على التحدي والبقاء تحديًا كبيرًا للاستقرار العالمي والنفوذ الغربي.
ـ على المدى القصير، قد تواصل روسيا وإيران تعزيز علاقاتهما من خلال المصالح المشتركة في النزاعات مثل أوكرانيا وسوريا، حيث لديهما خصم مشترك هو الولايات المتحدة. ومع ذلك، على المدى الطويل، قد تؤثر التغيرات في توازن القوى العالمي أو التحالفات الجديدة، على سبيل المثال مع دول مثل الصين أو في العالم العربي، على العلاقة بينهما. وقد يدفع ظهور حلفاء جدد إيران أو روسيا إلى إعادة تقييم لخياراتهما الاستراتيجية.
ـ يمكن القول بأنمستقبل العلاقة بين روسيا وإيران يعتمد على تفاعل معقد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية المحلية والتكنولوجية، بالإضافة إلى كيفية استجابة هذين البلدين للضغوط الخارجية.
رابط مختصر … https://www.europarabct.com/?p=97950
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI