المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
إعداد : إكرام زيادة – باحثة في المركز الدولي لدراسات مكافحة الإرهاب
أمن دولي ـ أسباب زيادة الصين إنفاقها العسكري؟
كشفت الصين عن زيادة ميزانيتها العسكرية السنوية لعام 2023، وهي ثاني أعلى ميزانية في العالم بعد الولايات المتحدة، يأتي ذلك في مرحلة يشهد فيه العالم إنفاق عسكري ضخم ولا سيما بعد الحرب في أوكرانيا. في مؤشر على ما يمكن أن نسميه “سباق تسلح دولي”، وهو ما قد يدفع الأمن والسلم الدوليين لحالة من عدم الاستقرار.
زيادة الإنفاق الدفاعي الصيني
أعلنت الصين في مارس 2023 عن ميزانية دفاع سنوية تبلغ ما يقارب (224.8) مليار دولار، مما يمثل زيادة بنسبة (7.2%) عن ميزانية عام 2022. كانت النسبة (6.8%) في عام 2021 و(6.6%) في المائة في عام 2020. حافظت الصين على نمو من رقم واحد في ميزانيتها الدفاعية السنوية منذ عام 2016.
وفي حين ان الصين تصدر ميزانية دفاع رسمية، فإن مقدار ما تنفقه الصين فعليا على جيشها موضع نقاش على نطاق واسع. يقدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) الرقم الإجمالي لعام 2022 بمبلغ (292) مليار دولار ، ويقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) الرقم بـ (319) مليار دولار. فيما أشارت وزارة الدفاع الأميركية في عام 2021 إلى أن الإنفاق العسكري الحقيقي للصين قد يكون أعلى بحوالي (1.1 – 2) مرة مما هو مذكور في ميزانيتها الرسمية.
نما الإنفاق الدفاعي الصيني بنحو خمسة أضعاف على مدى العقدين الماضيين، حيث قفز من (62) مليار دولار في عام 2002 إلى (298) مليار دولار في عام 2022. وقد كان لهذا تأثير كبير على توازن القوى العسكرية على مستوى العالم، ولكن بشكل خاص داخل جوار الصين. في عام 2000 ، كانت الصين ثاني أكبر منفق دفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بعد اليابان. وفي عام 2022 ، أنفقت الصين على الدفاع أكثر من الاقتصادات الـ (17) التالية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مجتمعة. أمن دولي – الناتو وأوروبا.. سياسية دفاعية جديدة
الدوافع الرئيسية للإنفاق العسكري الصيني
تتماشى ميزانية الدفاع المتزايدة في الصين مع جهودها نحو التحديث العسكري منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من أن الزيادة كانت متوقعة، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من المجتمع الدولي بسبب ارتباطها بالسياسة الخارجية والدفاعية الحازمة المتنامية للصين. وكان هذا الاتجاه ملحوظا بشكل خاص على مدى العقد الماضي تحت قيادة الرئيس شي.
التحديث العسكري وبناء جيش قوى
يتوافق الإنفاق الدفاعي المتزايد للصين مع أكثر من عقدين من جهود التحديث. بدأت الصين التحديث العسكري بشكل جدي بعد أزمة مضيق تايوان 1995- 1996، والتي كشفت عن نقاط ضعف أساسية في قدرة الصين على ردع التدخل الأجنبي في النزاعات السيادية.
يتمثل هدف الصين من الزيادات المستمرة في الميزانيات العسكرية بناء جيش قوي يتناسب مع مكانتها الدولية المتنامية وأمنها القومي ومصالحها الإنمائية. ووفقاً للاستراتيجية العسكرية المتمثلة في “كسب الحروب المحلية المعلوماتية” دعا الرئيس الصيني شي جيش التحرير الشعبي إلى متابعة تطور التكنولوجيا والحرب والمنافسين عن كثب، ومضاعفة الجهود لتحسين الجمع بين التدريب والعمليات القتالية؛ وتعزيز التدريب المنهجي واستخدام التقنيات لتطوير قوة النخبة القادرة على خوض الحروب وكسبها.
تتمثل خارطة الطريق الحالية لجيش التحرير الشعبي في ظل الخطة الخمسية (2021-2025) في اتخاذ “خطوات كبيرة في تحديث الدفاع الوطني والقوات المسلحة”. يتضمن جدول الأعمال تكثيف الجهود لتحديث اللوجستيات العسكرية وأنظمة إدارة الأصول، وبناء نظام حديث لإدارة الأسلحة والمعدات ، وتعزيز الابتكار في علوم وتكنولوجيا الدفاع، وتدريب الموظفين الأكفاء في العصر الجديد ، وتعزيز التنمية الشاملة عالية الجودة للجيش . وفيما يتعلق بالمعدات العسكرية، من المرجح أن تطلق الصين حاملة طائراتها الثالثة، وتزيد من إنتاج الطائرة المقاتلة الشبح J-20، وتواصل تحديث ترسانتها النووية.
وتتماشى الزيادات في ميزانية الدفاع مع تحقيق الهدفين المئويين اللذين حددهما شي للجيش من أجل تحقيق النهضة الوطنية. في خطابه في أكتوبر 2017، حدد الرئيس الصيني شي هدفاً مفاده أنه بحلول عام 2035 ، سيتم “الانتهاء بشكل أساسي” من تحديث جيش التحرير الشعبي، وأنه بحلول منتصف القرن ، سيتم “تحويل جيش التحرير الشعبي بالكامل إلى قوى من الطراز العالمي” مدفوعة بالمنطق القائل بأن “الجيش مبني للقتال”. بالإضافة إلى ذلك، في عام 2020 ، أضاف الحزب الشيوعي الصيني معياراً جديداً قصير الأجل ليتزامن مع الذكرى المئوية لجيش التحرير الشعبي في عام 2027، وهو ضمان أن الجيش يسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف التحديث في وقت لاحق من القرن.
تمتلك الصين بالفعل أكبر قوات مسلحة في العالم ، مع حوالي (2) مليون فرد نشط. كما أن قواتها البحرية هي الأكبر في العالم، حيث يقدر عدد السفن النشطة بـ (355) سفينة مقارنة بـ(296) سفينة أمريكية. أمن دولي ـ بحر الصين الجنوبي بؤرة التوتر الدولي (ملف)
مواجهة التحديات الأمنية الخارجية
تواجه البيئة الأمنية في الصين من وجهة نظر شي، “ثلاثة اتجاهات” و”ثلاثة مخاطر كبرى”. تتمثل الاتجاهات الثلاثة في: البيئة الخارجية، والحالة الدولية المتغيرة باستمرار، والفرص والتحديات الناشئة باستمرار. في حين أن المخاطر الثلاثة الرئيسية هي “غزو الصين وإسقاطها وفصلها” بخسارة تايوان والتبت و شينجيانغ.
تستند حسابات بكين الاستراتيجية في دفع زيادة كبيرة أخرى في ميزانية الدفاع في عام 2023 إلى تقييم أن الصين تتنقل في بيئة أمنية خارجية صعبة بشكل متزايد. وبالنظر إلى التوقيت، تتزامن زيادة الميزانية مع ثلاثة تطورات تتحدى بكين:
– أولاً، تنص استراتيجية الولايات المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ التي صدرت مؤخراً بشكل قاطع على أن “منطقة المحيطين الهندي والهادئ تواجه تحديات متزايدة، لا سيما من جمهورية الصين الشعبية”، ونتيجة لذلك، ستبقى المسرح الرئيسي للتركيز الاستراتيجي لواشنطن . كما حصلت الولايات المتحدة على انضمام اليابان والهند وأستراليا إلى الحوار الأمني الرباعي . وأقنعت أستراليا والمملكة المتحدة بالانضمام إلى اتفاقية AUKUS الأمنية لتطويق الصين، وفي 13 مارس 2023 ، اتفقت الدول الثلاث على زيادة زيارات موانئ الغواصات النووية (SSN) والتدريب في أستراليا. كما أجرت الولايات المتحدة مناورات عسكرية مكثفة بالقرب من الصين، في حين أرسلت إشارات خاطئة إلى الانفصاليين في تايوان من خلال بيع الأسلحة إلى الجزيرة، إذ أعلن البنتاغون في 7 أبريل 2023 عن صفقة بقيمة (1.7) مليار دولار مع شركة بوينغ للحصول على (400) صاروخ هاربون مضاد للسفن. مع تكهنات إن المشتري هي تايوان.
– ثانياً، كان الصراع الروسي الأوكراني بمثابة حافز للصين وكذلك العديد من البلدان الأخرى مثل ألمانيا وبولندا والسويد ورومانيا والدنمارك لتعزيز الإنفاق الدفاعي.
– ثالثاً، تعمل القوة العسكرية المتزايدة للصين على تعزيز قدرتها على حماية مطالباتها الإقليمية والبحرية في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، وعلى طول حدود الهيمالايا مع الهند، والتي كانت تشكل أولوية رئيسية بالنسبة لشي.
ووفقاً للإعلام الصيني الرسمي فإن تصور بكين بأنها تعيش في بيئة أمنية دولية صعبة بشكل متزايد يكثف المطالب بتعزيز قدرات الدفاع الوطني ومواصلة زيادة ميزانيتها من أجل تحقيقها . نتيجة لذلك ، وفقا للخبير العسكري في جمهورية الصين الشعبية Song Zhongping ، لا ينبغي اعتبار الزيادة في الإنفاق العسكري بنسبة (7.1%) للعام 2023 رقماً كبيراً نظراً للعدد والنطاق الكبير للجيش الصيني، والاحتياجات الضخمة لتحديث الأسلحة والمعدات، والتهديد الخارجي المتزايد الذي تواجهه الصين . أمن دولي ـ “اتفاقية أوكوس” التحديات الأمنية في المحيطين الهندي والهادئ. بقلم رشا عمار
مجاراة الزيادة في الإنفاق العسكري العالمي
على الرغم من الزيادات الكبيرة على مدى العقدين الماضيين، لا يزال الإنفاق العسكري الصيني أقل بكثير من إنفاق الولايات المتحدة، التي أنفقت حوالي (2.7) ضعف ما أنفقته الصين في عام 2022، عند (877) مليار دولار في عام 2022، وهو ما يمثل (39%) من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وثلاثة أضعاف المبلغ الذي أنفقته الصين ، ثاني أكبر منفق في العالم.
نما الإنفاق العسكري العالمي للعام الثامن على التوالي في عام 2022 إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند (2240) مليار دولار. وإلى حد بعيد، وبلغ الانفاق العسكري في أوروبا (+13%)، وهي أعلى نسبة من الناحية العالمية وتجاوزت المستوى لأول مرة في عام 1989 عندما انتهت الحرب الباردة. وفقاً لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في 6 مايو 2023.
يمكن أن نرى من البيانات العامة أنه في السنة المالية 2023 ، قفزت ميزانية الدفاع الأمريكية إلى (857.9) مليار دولار أمريكي من (753) مليار دولار أمريكي في عام 2022 ، بزيادة تقارب (14%) عن عام 2022. تم تحديد ميزانية الدفاع في المملكة المتحدة بمبلغ (63) مليار دولار أمريكي بزيادة قدرها (17%) . وتم تحديد ميزانية الدفاع لفرنسا بمبلغ (48.7) مليار دولار أمريكي ، بزيادة قدرها (7.4%) عن عام 2022. وتم رفع ميزانية الدفاع السنوية لليابان إلى (50) مليار دولار أميركي، أي (1.26) مرة من الميزانية الأولية لعام 2022.
يقول الدكتور نان تيان ، كبير الباحثين في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. “تعزز الدول قوتها العسكرية رداً على البيئة الأمنية المتدهورة، والتي لا تتوقع تحسنها في المستقبل القريب.. إن الارتفاع المستمر في الإنفاق العسكري العالمي في السنوات الأخيرة هو علامة على أننا نعيش في عالم غير آمن بشكل متزايد” .
حذرت كريستينا جورجييفا مديرة صندوق النقد الدولي الأخير ، من أن “عائد السلام” ، الذي يتمتع به الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب الباردة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين ، يختفي. “لا يمكننا بعد الآن أن نأخذ السلام كأمر مسلم به”.
تقييم
– أعلنت الصين زيادة ميزانيتها للدفاع للعام 2023 في ظل التوتر مع الدول الآسيوية المجاورة والولايات المتحدة وحتى حلف شمال الأطلسي على خلفية تصاعد نفوذها.
– تسعى الصين لسياسة خارجية أكثر استباقية عبر تعزيز نفوذ الصين العالمي وحماية المصالح الاستراتيجية للبلاد، على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ومما لا شك فيه أن استمرار الصين في زيادة حجم إنفاقها العسكري إنما يدل على التوسع في الطموحات العالمية لبكين؛ وذلك في ظل التهديدات المتنامية التي تعاني منها الصين من القوى الغربية مؤخراً، لا سيما رغبتها الحثيثة في مواكبة القوة العسكرية الأمريكية.
– زيادة الانفاق العسكري في الصين يرفع الأعلام الحمراء لجيران الصين والولايات المتحدة بالنظر إلى التوترات المتزايدة حول تايوان وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والنزاع الحدودي الصيني الهندي في جبال الهيمالايا. ومع ذلك، في نظر الصينيين فإن الميزانية مناسبة ومعقولة وتتماشى مع المستوى العام للتنمية الاقتصادية.
– مع عدم وجود مجال للتنازل عن الإنفاق الدفاعي، فمن المرجح أن تستمر الصين في زيادة نفقاتها العسكرية بشكل مطرد في السنوات المقبلة.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=88537
*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
China boosts defense budget by 7.1% for 2022 amid complex global situation
https://tinyurl.com/59c64asf
الصين تعلن عن زيادة الإنفاق العسكري على الرغم من انخفاض النمو الاقتصادي
https://tinyurl.com/yk2yk795
Full Text: Report on the Work of the Government
https://tinyurl.com/ynhh3s76
China’s war chest: Beijing’s ‘great wall of steel’ faces obstacles to military supremacy
https://tinyurl.com/5h7btkhe
How Fearful is China’s Military Rise?
https://tinyurl.com/3t3nzbby
Increasing military expenditure exacerbates world security situation
https://tinyurl.com/vfmr6x9f
TEN-YEAR REVIEW OF CHINA’S DEFENCE BUDGET: STEADILY TOWARD MODERNISATION
https://tinyurl.com/jeb54c59