الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

آخر المشاركات التلفزيونية

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

أمن دولي ـ الترويكا الأوروبية والملف النووي الإيراني، بين الدور التفاوضي والتبعية لواشنطن

e3
سبتمبر 22, 2025

بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI ـ وحدة الدراسات (3)

أمن دولي: الترويكا الأوروبية والملف النووي الإيراني ـ بين الدور التفاوضي والتبعية لواشنطن

يعتبر الملف النووي الإيراني واحدًا من أكثر الملفات تعقيدًا في النظام الدولي المعاصر، إذ يتجاوز كونه قضية تقنية تتعلق بالتخصيب أو إنتاج الطاقة النووية، ليغدو رهانا استراتيجيا يرتبط مباشرة بالأمن الإقليمي والدولي. فمنذ أكثر من عقدين، ظل هذا الملف محطّ سجال سياسي ودبلوماسي متواصل بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، مع حضور واضح لدور الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) بوصفها طرفًا تفاوضيًا يسعى إلى منع انزلاق المنطقة إلى مواجهات مفتوحة، والحفاظ على ما تبقى من مصداقية الاتفاقيات الدولية.

خلفية تاريخية للترويكا الأوروبية في المفاوضات منذ 2003

لعب الاتحاد الأوروبي والدول الثلاث الأوروبية فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة “الترويكا الأوروبية”، دورًا محوريًا في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني منذ العام 2003، حيث قادت الدول الثلاث الأوروبية جهودًا دبلوماسية أقنعت إيران مؤقتًا بتعليق تخصيب اليورانيوم، إلا أن هذه الجهود تعثرت. تعززت الشكوك حول النوايا الإيرانية بعد اكتشاف منشآت نووية سرية في 2002، وتقارير لاحقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت وجود أنشطة مشبوهة تعود لفترة ما قبل 2003. فرض الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ردًا على ذلك، سلسلة عقوبات شاملة شملت الأسلحة، والاستثمارات، وقطاع النفط، وفرض حظرًا نفطيًا كاملًا، واستهدف الضغط الاقتصادي على إيران لإعادتها إلى طاولة المفاوضات.

انسحاب “ترامب” من الاتفاق النووي وتداعياته المستمرة

كان لانسحاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” من الاتفاق النووي في العام 2018، خلال ولايته الأولى، أثرٌ على نظام المتابعة والتفتيش التابع لخطة العمل الشاملة المشتركة “JCPOA”، والذي من شأنه قلل من شفافية إيران تجاه برنامجها النووي، والذي بدوره زاد من قلق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من انسحاب إيران نهائيًا من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وبالفعل بدأ البرلمان الإيراني في أغسطس 2025 صياغة مشروع عاجل للانسحاب الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي. عادت المخاوف بشأن الانتشار النووي التي سادت قبل خطة العمل الشاملة المشتركة، وحذر القادة الأوروبيون آنذاك من تزايد التصعيد الإقليمي، ما عرّض الأمن القومي الأوروبي لاستهداف العواصم الأوروبية من قبل أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

تنامت الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين بعد الخطوة الأحادية التي اتخذها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في العام 2018، ولم يعودوا يرون في الولايات المتحدة شريكًا موثوقًا به، في حين أدى ذلك إلى اقتراب إيران من الصين وروسيا. يقول “إنريكي مورا”، المسؤول الأول عن الملف النووي الإيراني في الاتحاد الأوروبي من عام 2015 إلى أوائل عام 2025: “إذا اختارت إيران عسكرة قدراتها النووية، وإذا قررت إيران المضي قدمًا نحو تخصيب اليورانيوم لمستوى تمتلك من خلاله قنبلة نووية، فستفعل طهران ذلك وفقًا لمنطق استراتيجي واضح، لا أحد يقصف عاصمة دولة مسلحة نوويًا”.

هل خسر الغرب ورقة لندن في مواجهة طهران؟

أعطى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصًا استراتيجية لطهران، أبرزها إضعاف النفوذ البريطاني داخل الاتحاد الأوروبي، باعتبار لندن أكثر الدول الأوروبية تقاربًا مع السياسات الأمريكية ضد إيران. كما أدى “البريكست” إلى إضعاف تماسك “المحور الأوروبي”، وفتح المجال أمام تعزيز نفوذ روسيا والصين في إيران. تراجعت فعالية العقوبات الغربية، إذ لعبت بريطانيا دورًا محوريًا في صياغتها وتنفيذها، إلى جانب الاتحاد الأوروبي. كما دفعت الضغوط الاقتصادية التي عانت منها بريطانيا بعد الخروج إلى تقليص تركيز لندن على السياسات العقابية تجاه إيران. وبسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انخفض تدفق الاستثمارات الأجنبية عالميًا، وهو ما أرمى بظلاله على الاقتصاد الإيراني الذي واجه بالفعل صعوبات جذب الاستثمارات بسبب العقوبات.

أوروبا وإيران: دبلوماسية مقيدة أم تبعية استراتيجية؟

بدأ انهيار مصداقية أوروبا في الملف النووي الإيراني منذ سنوات، لا سيما بعد انسحاب “ترامب” عام 2018 من الاتفاق النووي، ووعدت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث بحماية طهران من صدمة تجديد العقوبات الأمريكية. كان حل هذه المعضلة الرئيسية هو آلية “INSTEX” المالية، وهي قناة بديلة للتجارة مع إيران. لكن آلية “INSTEX” لم تُوفِ بهذه الوعود الأوروبية. فعلى مدار وجودها، لم تُجرِ سوى معاملة واحدة، وهي شحنة إنسانية من الإمدادات الطبية عام 2020، وحتى تلك المعاملة كانت تندرج تمامًا ضمن فئات السلع المعفاة أصلًا من عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية.

لم يكن هناك اختبار حقيقي لاستعداد أوروبا لتحدي قيود واشنطن، ولا تحدٍّ للخنق المالي المفروض على قطاعي النفط والمصارف الإيرانيين. كشفت هذه الحادثة عن “لفتة رمزية” صُممت لإبراز الاستقلال الاستراتيجي، لا لممارسته. وبحلول عام 2023، فُكِّكت الآلية، ولم تعد القوى الأوروبية تسعى إلى موازنة مصالحها؛ بل كانت تُطبّق استراتيجية واشنطن. كانت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على قطاع الطيران وأسطول الطائرات المدنية في إيران، في نوفمبر 2024، إشارةً واضحةً إلى أن بروكسل قد انحازت تمامًا إلى حملة “الضغط الأقصى” الأمريكية.

أكد (3) دبلوماسيين أوروبيين أن الولايات المتحدة لم تُطلع الدول الأوروبية على المحادثات النووية في سلطنة عُمان خلال العام 2025، على الرغم من أنها تحمل ورقة رابحة تتمثل في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. يقول “بليز ميستال”، نائب رئيس السياسات في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي: “كانت تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية دبلوماسية منسقة مع حلفائها الأوروبيين قبل خوض هذه المفاوضات مع إيران”. أضاف ميستال: “إن هذا التنسيق كان ضروريًا لضمان أقصى قدر من الضغوط، وأن يكون لأي خيار دبلوماسي فرصة للنجاح”.

واشنطن تفقد ثقة الترويكا الأوروبية

أكد دبلوماسي أوروبي أن “الترويكا الأوروبية” باتت لا تثق بالولايات المتحدة لأنها تتخذ مبادرات دون التشاور معها. وبسبب انسحابها من الاتفاق النووي الذي أُبرم عام 2015 مع إيران، فإن واشنطن لا تستطيع تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات بمجلس الأمن الدولي. هذا يجعل الترويكا الأوروبية الدول الوحيدة المشاركة في الاتفاق القادرة على السعي إلى إعادة فرض العقوبات والراغبة في ذلك، مما يجعل تحالف واشنطن مع هذه الدول مهمًا.

تشير بيانات دراسة أُجريت في 23 يونيو 2025 إلى أن عودة “ترامب” لم تُغيّر النظام السياسي الداخلي للولايات المتحدة فحسب، بل غيّرت نظرة الأوروبيين إلى أمنهم ومصالحهم. وقد حوّل هذا أوروبا من “مشروع سلام” إلى مشروع يتوسع بسرعة، استعدادًا للاستقلالية عن واشنطن، حيث تُعدّ جماهير عدد من الدول الأطلسية الرائدة، بما في ذلك “الدنمارك وألمانيا والمملكة المتحدة”، من بين الأكثر ثقةً بضرورة أن تهتم أوروبا بأمنها ومصالحها بعيدًا عن واشنطن.

كيف تستطيع أوروبا كبح الطموح النووي الإيراني؟

تمتلك الترويكا الأوروبية فرصة لمنع الأزمة الإيرانية من أن تتحول إلى أزمة انتشار نووي في منطقة الشرق الأوسط بأكملها من خلال آلية “سناب باك”. فمن خلالها تستطيع إقناع إيران بأن برنامجها النووي المدني لا يمكن أن يتضمن سوى تخصيب اليورانيوم محليًا، وأن تمنع تحوّل الأزمة مع إيران إلى أزمة انتشار نووي في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. تقول “جين كينينمونت”، الخبيرة في قضايا الصراع والأمن في منطقة الشرق الأوسط: “إن آلية سناب باك هي آلية متطورة اقترحها وزير الخارجية الروسي في عام 2015، خلال المفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران. مع تفعيل آلية “سناب باك”، تُعاد تلقائيًا جميع عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران، والتي رُفعت بموجب ما يُسمى خطة العمل الشاملة المشتركة، بعد 30 يومًا، وتتميز آلية سناب باك بعدم قدرة أي طرف في الاتفاق على نقض تفعيلها”.

تقييم وقراءة مستقبلية

– تواجه أوروبا خيارًا حاسمًا، إما إعادة تأكيد دورها كوسيط نزيه للدبلوماسية المتعددة الأطراف التي تهدف إلى منع الانتشار النووي، أو اتباع النزعة العسكرية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة، والسير نحو مواجهة لن تؤدي إلا إلى المزيد من تصدع الأمن العالمي.

– يُظهر الملف النووي الإيراني كيف أن الاتحاد الأوروبي، وخاصة الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة)، لعبت أدوارًا محورية ولكن متقلبة في إدارة هذا التحدي الجيوسياسي منذ 2003. رغم جهودها الدبلوماسية الناجحة مؤقتًا، فقد تراجعت فعالية أوروبا تدريجيًا أمام ضغوط السياسة الأمريكية الأحادية. انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 شكّل نقطة تحول، ليس فقط على مستوى الاتفاق نفسه، بل على مكانة أوروبا كفاعل مستقل في السياسة العالمية.

– أثبتت تجربة “INSTEX” فشل أوروبا في تقديم بدائل حقيقية للمصالح الإيرانية، ما كشف عجزها البنيوي عن ممارسة “استقلال استراتيجي” حقيقي. كما أدى البريكست إلى تآكل وحدة الموقف الأوروبي وأضعف النفوذ الأوروبي الجماعي. وبحلول 2025، باتت أوروبا تتعامل مع إيران من موقع دفاعي لا مبادرة، لا سيما في ظل غموض الموقف الأمريكي وتعاظم التقارب الإيراني مع روسيا والصين.

– يبدو أن أوروبا أمام مفترق طرق استراتيجي. فالتطورات الأخيرة، خصوصًا عودة ترامب للسلطة وارتفاع منسوب التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، تجعل من الضروري أن تتحرك أوروبا بسرعة لتثبيت أدوات الردع الدبلوماسي، وعلى رأسها آلية “سناب باك”. هذه الآلية قد تشكل آخر أوراق الضغط الممكنة قبل انزلاق المشهد نحو سباق تسلح إقليمي مفتوح.

– يمكن القول أن مع تصاعد الشكوك في نوايا إيران بشأن التسلح النووي، وتراجع الثقة الأوروبية في الولايات المتحدة كشريك موثوق، فإن مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة بات مرهونًا بإرادة أوروبية جماعية في قيادة مبادرة جديدة، تجمع بين استعادة أدوات الضغط وفتح نافذة لحوار مباشر غير مشروط مع طهران، مع إشراك الصين وروسيا بصيغة محدثة

– من المرجح إن لم تُفعّل أوروبا أدواتها سريعًا، وتضع استراتيجية مستقلة تتجاوز الحسابات الأمريكية الإسرائيلية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تحول الملف النووي الإيراني إلى صراع متفجر جديد في الشرق الأوسط، ستكون له تداعيات مباشرة على أمن العواصم الأوروبية واستقرار النظام الدولي برمّته.

رابط مختصر..  https://www.europarabct.com/?p=109539

*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات 

الهوامش

EU Action ـ on Iran in Security
https://tinyurl.com/3v5s63ep

Europeans sidelined in US-Iran nuclear talks despite holding key card
https://tinyurl.com/2fbzhshh

A decade after its landmark deal, Europe faces a defining test in Iran
https://tinyurl.com/5dmmu6vh

Iran and European ministers make little progress as renewed UN sanctions loom, diplomats say
https://tinyurl.com/sf9uh8rz

الإشتراك في نشرتنا الإخبارية المجانية

 

تابعنا على تويتر

تابعنا على فيسبوك

استطلاع رأي

هل المركز مصدر موثوق في البحث ؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...