خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI.
رغم التسليح المكثف لدول البلطيق، لا يزال الحديث مستمراً عن احتمال هجوم محتمل من موسكو، حتى أن هناك خطة إخلاء جديدة وضعتها سلطات مدينة فيلنيوس. منذ حرب أوكرانيا في فبراير 2022، تزايد القلق في دول شمال وشرق أوروبا بشأن من سيكون الهدف التالي لفلاديمير بوتن. غالبا ما تُذكر مولدوفا وجورجيا كدول محتملة لأن تكون هدفا لهجوم روسي، في حين انضمت فنلندا والسويد إلى حلف الناتو استجابة لهذا التهديد القادم من الشرق. أما دول البلطيق الثلاث “ليتوانيا، إستونيا، ولاتفيا” فهي أعضاء في كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لا يشعر المسؤولون في فيلنيوس بالأمان التام.
يرجع هذا جزئيا إلى أن لا أحد يعرف ما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيلتزم، في حال وقوع هجوم روسي، بالمادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، التي تلزم جميع أعضاء الحلف بمساعدة أي دولة عضو تتعرض للهجوم. ولم تُغير جهود إعادة التسلح الضخمة التي تبذلها ليتوانيا هذا الواقع، كما لم تُغيره النداءات المستمرة التي وجهتها الحكومة إلى المجتمع الدولي لأخذ التهديد الروسي على بلدان أخرى غير أوكرانيا على محمل الجد.
أوضح نائب وزير الدفاع الليتواني كاروليس أليكسا: “روسيا تُجري استعداداتها وتُوسّع قدراتها العسكرية”. ويضيف أليكسا: “أن العالم الغربي يجب أن يدرك ما يسعى إليه بوتين، وهو استعادة روسيا الكبرى”. وتابع: “عشتُ في بروكسل ثلاث سنوات حتى عودتي العام 2024، ورأيتُ بنفسي أن المجتمعات هناك تؤمن بإمكانية التوصل إلى حل سلمي مع موسكو”. يقتنع أليكسا بأن الأمر ليس كذلك، وأن روسيا لن تستسلم حتى تحقق هدفها. ويؤكد: “من مسؤوليتنا منع نشوب صراع كبير، وأنه سيكون هناك المزيد من التصعيد إذا لم نُظهر قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا”.
قرر مجلس الدفاع الليتواني في يناير 2025، الذي يتألف من ممثلين عن القيادة السياسية والعسكرية في البلاد، زيادة ميزانية الدفاع من حوالي 3% إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا من عام 2026 إلى عام 2030، أي ما يعادل 10 مليارات يورو إضافية إلى 14 مليار يورو. انضمت ليتوانيا إلى إستونيا ولاتفيا وبولندا وفنلندا في الانسحاب من معاهدة أوتاوا التي تحظر الألغام المضادة للأفراد. برّر الخبراء خطوتهم بالتهديد العسكري الذي تُشكّله روسيا المجاورة، مُشيرين إلى أن موسكو لم تُوقّع قط على معاهدة أوتاوا، وأنها استخدمت ألغاما مضادة للأفراد في حرب أوكرانيا.
السبب هو أن الألغام ستشكل جزءا من ” خط دفاع البلطيق ” المتفق عليه بين إستونيا ولاتفيا وليتوانيا في يناير 2024. وسيؤدي ذلك إلى نشر الألغام والمتفجرات بسرعة على الحدود في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى بناء حواجز خرسانية وأسوار وخطوط إمداد وحوالي 600 ملجأ.
نقطة ضعف الناتو
رغم كل التحركات والتعزيزات العسكرية، لا تزال هناك نقطة ضعف استراتيجية واضحة تُقلق قادة حلف شمال الأطلسي، وهي ما يُعرف بـ”نقطة ضعف الناتو”. هذه النقطة تتمثل في فجوة “سووالكي“، ذلك الشريط الضيق من الأرض الذي لا يتجاوز طوله 65 كيلومترا، والذي يربط دول البلطيق ببولندا، وبالتالي بسائر أراضي حلف الناتو. ووُصِفَت هذه المنطقة بإنها “أخطر مكان في العالم”، وهو وصف لا يبدو مبالغا فيه بالنظر إلى موقعها الجغرافي الحرج، فهي تقع بين منطقة كالينينغراد الروسية غربا، وبيلاروسيا الموالية لموسكو شرقا.
فإذا قرر بوتين مهاجمة هذه المنطقة، فسيكون بإمكانه، نظريا، عزل دول البلطيق عن باقي أعضاء الناتو بسرعة نسبية، مما يصعّب مهمة تقديم الدعم العسكري لها، ويضع التحالف الغربي أمام اختبار خطير وغير مسبوق.
حذّر معهد دراسات الحرب الأميركي من أن موسكو بدأت بالفعل في الاستعداد بشكل تدريجي لاحتمال شن هجوم على دول البلطيق. وقد استند المعهد إلى تقرير مشترك نُشر في الثاني من مايو 2025عن الوكالتين الروسيتين المستقلتين “ميدوزا” و”أجنستفو”، وجاء فيه أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كتب مقدمة لكتاب عن تاريخ ليتوانيا، ادّعى فيها أن دول البلطيق تتبنى “روايات تاريخية مزورة” تهدف إلى تأجيج المشاعر المعادية لروسيا بين مواطنيها.
ونقل معهد دراسات الحرب عن وزير خارجية ليتوانيا، كيستوتيس بودري، قوله إن هذا الكتاب يُعد أداة دعائية بامتياز، تهدف إلى تزويد الكرملين بأدبيات علمية تدعم إنكاره لوجود دولة مستقلة وتاريخ لجيران روسيا. وحذّر بودري من أن مثل هذه السردية قد تُستخدم لاحقا كذريعة لروسيا للمطالبة بحقها في السيطرة على جميع الدول التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق، بما في ذلك ليتوانيا.
التدريب على البقاء في المدارس
على هذه الخلفية، فليس من المستغرب أن تبدأ المدارس الليتوانية بالفعل في تدريس مهارات البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك كيفية تقديم الإسعافات الأولية واستخدام السلاح. وفي هذا السياق نشرت ليتوانيا في ابريل 2025 خطة إخلاء لمدينة فيلنيوس، والتي ستُنقل سكان العاصمة، الذين يزيد عددهم عن 500 ألف نسمة، إلى أماكن آمنة عبر 150 طريقا مختلفا في حال تفاقم الوضع. تقع المدينة على بُعد حوالي 30 كيلومترًا من الحدود البيلاروسية. مهما بدت فيلنيوس مثالية، فإن الاستعدادات لأسوأ الاحتمالات تجري على قدم وساق في الخفاء. ويؤكد نائب وزير الدفاع أليكسا مجددا: “التهديد حقيقي. نعرف ذلك من تاريخنا”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=104642