بون ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI
إعداد : حازم سعيد ـ باحث أقدم في المركز الأوروبي ECCI
يبقى حلف الناتو المظلة الوحيدة القادرة على حماية أعضائه الذين وصل عددهم إلى 32 مع انضمام فنلندا والسويد، لكن تشكل ألمانيا حالة على حدة، فبعد أن كانت ميزانيتها الدفاعية والعسكرية منخفضة ، عمدت إلى دفعها بقوة إلى الأعلى مع تخصيص مبلغ (100) مليار يورو للدفاع، بحيث تحتل ميزانيتها المرتبة الثانية أوروبيا بعد بريطانيا، وتصبح ألمانيا في المرتبة السابعة عالميا.
الإنفاق الدفاعي في ألمانيا
ارتفعت النفقات الدفاعية على الصعيد العالمي لتصل الى (2.2) تريليون دولار وبلغت حصة ألمانيا وفرنسا مجتمعة (50 إلى 52 ) مليار دولار تعود زيادة المصاريف الأوروبية الدفاعية، أساسا، لزيادة الاحتياجات في صناعة الاليات، وخصوصا، تصنيع الذخيرة للتعويض عن الخسارات في أوكرانيا.
تقوم المرحلة الجديدة على تجهيز الجيش الألماني ورفع قدراته وموارده اعتمادا على صندوق تمويل التسليح. ومما يؤكد خطط ألمانيا لزيادة تصنيع الأسلحة، هو بناء شركة الأسلحة الألمانية راينميتال مصنع جديد لزيادة إنتاجها من الذخيرة، كذلك من عام 2014 إلى عام 2023 زادت ألمانيا من نفقاتها العسكرية، حيث ارتفع الرقم بنسبة هائلة بلغت (48% )
أكدت ألمانيا على التزاماتها تجاه الناتو،ووافق البرلمان الألماني على ميزانية عام 2024 التي تسمح بتخصيص (2%) من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع. خصصت الحكومة الألمانية (73.41) مليار دولار من أجل الإنفاق على مجال الدفاع خلال العام 2024، وهذا يعد رقما قياسيا بالنسبة لألمانيا، كما أنه يمثل (2.01% ) من إجمالي الناتج المحلي.
تخصيص حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا
سمحت الحكومة الألمانية بتصدير سلع عسكرية بقيمة لا تقل عن (4.89 )مليار يورو، أي ما يقرب من قيمة الأسلحة التي وافقت برلين على تصديرها في النصف الأول من عام 2023 والتي بلغ إجماليها (5.22 ) مليار يورو. وذهبت نسبة (72%) من قيمة هذه الصادرات (54.3 مليار يورو) لأوكرانيا.أعلن وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني ألكسندر كاميشين انطلاق مشروع مشترك على أراضي بلاده مع ألمانيا يعتبر الأول من نوعه ويهدف لإصلاح وإنتاج المركبات الحربية المدرعة في يونيو 2024.
أفاد تقرير في الثاني من أبريل 2024 أن برلين بصدد شراء (180) ألف قذيفة مدفعية بقيمة (576) مليون يورو من دول ثالثة لأوكرانيا، في إطار ما المبادرة التشيكية لدعم كييف. وكان وزير الدفاع الألماني “بوريس بيستوريوس” قد أعلن تخصيص حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة (500) مليون يورو.
كشفت نتائج استطلاع للرأي في يونيو 2024 حول استخدام أسلحة ألمانية داخل روسيا أن أغلبية نسبية ممن شملهم الاستطلاع بنسبة تقدر بـ (43%) ترى أن هذا القرار خاطئ (إلى حد ما) مقابل (38%) يرون أنه قرار صحيح (إلى حد ما)، فيما لم يبد (8%) اهتماما بالقرار، وقال (8%)آخرون إنهم لا يستطيعون الإجابة على سؤال الاستطلاع فيما أعرب (3%) عن عدم رغبتهم في الرد على السؤال. وردا على سؤال عما إذا كانوا يخشون أن تعرض ألمانيا نفسها لخطر أمني من خلال دعم أوكرانيا، أجاب (58%) من المستطلع آراؤهم بـ نعم (إلى حد ما)، مقابل (28%) أجابوا بـ لا (إلى حد ما)، فيما لم يجد (14%) ردا على السؤال.
هل انقسمت الأحزاب الألمانية بخصوص التسليح؟
تعرضت الحكومة الألمانية لانتقادات من المعارضة بسبب عدم قيامها بفعل الكثير لتعزيز القدرات الإنتاجية في مجال التسلح والدفاع. وقالت الكتلة البرلمانية لحزبي الاتحاد الاجتماعي المسيحي والديمقراطي المسيحي في الخامس من أبريل 2024 إنه في الوقت “الذي تحولت فيه روسيا إلى اقتصاد الحرب، فإن الحكومة الألمانية لم تتخذ بعد خطوات كافية لتعزيز صناعة الدفاع رغم اشتداد الحاجة إليها”.
انقسمت الأحزاب الألمانية بخصوص التسليح، بل كان منها أحزاب كالحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار أولاف شولتز) يطالب بتوجيه الأموال إلى قطاعات أخرى. لكن حرب اوكرانيا غيّر الخطة، وأعلن “أولاف شولتس” غداة اندلاع الحرب إنشاء صندوق خاص لتحديث تسليح الجيش بقيمة 100 مليار يورو وبالرغم من ذلك ترى وزارة الدفاع الألمانية إن الرقم غير كاف بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه الجيش.
لماذا زادت الضغوط على المستشار أولاف شولتس لتعزيز مجال التسلح؟
طلبت ألمانيا أسلحة ومعدات بقيمة (23 ) مليار يورو (24.7 مليار دولار) من الولايات المتحدة الأمريكية، وتم الكشف عن ما مجموعه حوالي (380) عقدا مع شركات أمريكية. يقول “بوريس بيستوريوس” وزير الدفاع الألماني “نتحدث عن حاجة إضافية بقيمة تتراوح بين (5.6 و 7) مليار يورو للعام 2024″. وابتداء من عام 2028، ستكون هناك حاجة ضخمة لإدخال زيادة ملحوظة بقيمة تتألف من رقمين من مليارات اليورو”. يذكر أنه في عام 2028، سيكون قد تم صرف موارد الصندوق الخاص الذي تم إنشاؤه للجيش بقيمة (100) مليار يورو.
دفعت تصريحات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” العديد من السياسيين الألمان إلى زيادة الضغوط على المستشار أولاف شولتس لتعزيز في مجال التسلح والدفاع. تقول مفوضة الجيش الألماني للشؤون البرلمانية، إيفا هوجل، إن القوات المسلحة الألمانية “تحتاج إلى 300 مليار يورو لتلبية احتياجاتها، لأسباب ليس أقلها استنفاد مواردها من أجل المساعدة في تسليح أوكرانيا.” ويقول وقال رافائيل لوس، المتخصص في الشؤون الدفاعية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، “إن الأمر ليس سوى أن تصريحات ترامب الصارخة ذكّرت الناس بالمخاطر التي ينطوي عليها الأمر”. أمن قومي ـ الجيش الألماني وتحديات التحديث والتسلح
متى يتم سد ثغرات تسليح الجيش؟
يعاني الجيش الألماني من مشكلة كبيرة في نقص التجهيزات، وهذه الثغرات لن يتم سدها بالكامل قبل 2030. زادت من ثغرات تسليح الجيش الألماني بحكم أن عددا من الأسلحة المصدرة إلى أوكرانيا جاءت من مخازن الجيش، لكن مشكلة تقادم العتاد ليست جديدة في ألمانيا، ففي عام 2018، نشرت وسائل إعلام محلية وثائق سرية تؤكد أن كثيرا من الآليات العسكرية لا تعمل. وأظهراستطلاع رأي في 20 فبراير 2024 إن فقط (35%) من الألمان المستجوبين لديهم إما ثقة عالية أو عالية جدا في الجيش، وإن (85%) لا ثقة لهم في تسليح الجيش. أمن ألمانيا ـ استراتيجية تعزيز التسلح وسد الثغرات
ما هي أسباب الحصول على أسلحة نووية خاصة؟
تسعى ألمانيا في الحصول على أسلحة نووية خاصة بها، وإنشاء استراتيجية احتياطية للردع النووي بالتعاون مع فرنسا والمملكة المتحدة في حال عدم استعداد الولايات المتحدة للعب هذا الدور.على الرغم من تأكيدها في قرارها التخلي عن الطاقة النووية بشكل كامل. هناك صعوبة في قيام ألمانيا بإنتاج الأسلحة النووية، حيث يقدّر الخبراء أن يستغرق تطوير برلين درعاً نووياً 15 عاماً من العمل على الأقل، وأن يكلف الدولة مليارات الدولارات، ومن ثم فإنها قد تسعى لشراء هذه الأسلحة، إذا اضطرت لذلك.
يرجع السبب لأن المسؤولين الألمان لديهم مخاوف من استمرار التصعيد في حرب أوكرانيا، وتهديد موسكو الوشيك لألمانيا، كذلك تهديد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”بتوقف واشنطن عن كونها رادعاً نووياً يمكن الاعتماد عليه، وأنه قد يشجّع روسيا على مهاجمة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الناتو، التي لا تفي بالتزاماتها المالية.
يقول عالم السياسة “بيتر رودولف” من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في 17 فبراير 2024 “إن أي جدل حول حصول ألمانيا على أسلحة نووية خاصة بها هو أمر غير واقعي على الإطلاق. وتابع “إنه يجب تخزين القنابل النووية حتى لا نكون أهدافا سهلة. وأشار إلى أن “هناك الكثير من المشاكل التي تقف في طريق الأسلحة النووية الألمانية”. أمن قومي ـ الجيش الألماني نقطة إرتكاز الناتو في أوروبا
تقييم وقراءة مستقبلية
– أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس عن “نقطة تحول” في مجال التسلح والانفاق الدفاعي، وبناء على طلب الحكومة الفيدرالية، قرر البوندستاغ الألماني إنشاء صندوق خاص للجيش الألماني بقيمة (100) مليار يورو، بالتزامن مع التغيير الكبير في وضع السياسة الأمنية نتيجة حرب أوكرانيا.
– يمكن القول أن بمقارنة العام 2023، زادت ميزانية الدفاع لعام 2024 بمقدار (1.83) مليار يورو. ومن خلال (51.95) مليار يورو من ميزانية الدفاع وحوالي (19.8) مليار يورو من الأموال الخاصة للجيش الألماني، بات متوقعا القيام باستثمارات مهمة أخرى في أفضل مجال لتسلح.
– تشهد قضية التسليح في ألمانيا تحولا كبيرا وانقساما بين الأحزاب الألمانية، أبرزها الانتقادات المتزايدة بسبب عدم اتخاذ السلطات الألمانية الخطوات الكافية لتعزيز صناعة الدفاع رغم اشتداد حاجة ألمانيا إليها، وتوجيه الأموال إلى تمويل قطاعات أخرى
– أصبح ملف التسلح والانفاق الدفاعي مرة أخرى موضع اهتمام عام أكبر، لأنه يتعلق الأمر بالدفاع عن الجبهة الشرقية والاستعداد لحالات الطوارئ، لأنه إذا حدث هجوم عسكري على أراضي الناتو، فإن ألمانيا ستكون مركزاً لتحركات القوات ونقل المواد إلى الجبهة.
– تسعى ألمانيا في الحصول على أسلحة نووية خاصة بها، يرجع لتهددين محتملين أولهما تهديد موسكو الوشيك لألمانيا، كذلك تهديد واشنطن بالتوقف عن كونها رادعاً نووياً يمكن الاعتماد عليه.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=94908
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI
الهوامش
Scholz Preaches Peace But His Defense Chief Is Preparing Germans for War
https://tinyurl.com/33sanmsa
Germany and nuclear weapons: A difficult history
https://tinyurl.com/89keecpz
Entwicklung und Struktur des Verteidigungshaushalts
https://tinyurl.com/264xzrp5
كم ارتفعت ميزانيات التسليح في العالم؟ وكم تنفق كل دولة كبرى على جيوشها؟
https://tinyurl.com/ynj9vehk