المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير “2”
الاستخبارات الصينية تُصعد أنْشِطَتها داخل ألمانيا
تميزت العلاقات السياسية والاقتصادية بين ألمانيا والصين بـ”التنوع والعمق” لكن بعد تنامي الأنشطة التجسسية في ألمانيا والتهديدات التي تطلقها الصين تجاه تايوان وقضايا حقوق الإنسان وسياسات بكين في بحر الصين الجنوبي، بدأت السياسة الألمانية تتحول وأصبحت أكثر تشدداً تجاه الصين. ودعا العديد من الأحزاب السياسية في ألمانيا إلى مزيد من البقظة الحذر الشديد بالعلاقات السياسية والاقتصادية مع الصين.
توتر العلاقات الألمانية الصينية
تعد الصين من أكبر الشركاء التجاريين لألمانيا خارج الاتحاد الأوروبي، وتعتبر الأسواق الصينية مهمة بالنسبة إلى ألمانيا حيث تصدر ألمانيا للصين الأجهزة الإلكترونية والسيارات التي تستهلكها الطبقة المتوسطة المتنامية في الصين. وتفوقت الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر شريك تجاري لألمانيا حيث شكلت ما يقرب من (10%) من التجارة الخارجية للبلاد البالغة (2.6) تريليون يورو العام 2021. ورغم ذلك توترت العلاقات بين برلين وبكين لا سيما فيما يتعلق بالعديد من القضايا منها تهديداتها المتصاعدة تجاه تايوان ومخاوف حول “حقوق الإنسان” بالإضافة إلى تنفيذ الصين لـ”عمليات تجسسية معقدة” على المؤسسات الألمانية خاصة المؤسسة العسكرية الألمانية منذ سنوات، وأصبح التباعد السياسي يعكس نفسه على العلاقات الاقتصادية.
تنامي عمليات التجسس
تزايد تهديد التجسس الصناعي على الشركات الألمانية العاملة في الصين بواسطة وكالات حكومية صينية، وأصبحت الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة الحجم في مرمي وكالات الاستخبارات الصينية ،هذه الوكالات تتمتع بموارد ضخمة تتيح لها التجسس الصناعي، حيث يعمل لدى وكالة الاستخبارات الصينية المتخصصة في الجوانب الفنية بمفردها (100) ألف موظف.
فحصت الأجهزة الأمنية الألمانية في 29 أكتوبر 2022 إمكانية إقامة الصين مكتب غير مرخص من أجل دعم عمل الشرطة الصينية في مدينة “فرانكفورت” الألمانية، وأجرت السلطات الألمانية التحقيقات فيما إذا كانت الحكومة الصينية تدير مركز شرطة غير قانوني.
زود سياسي ألماني الاستخبارات الصينية بين عامي 2010 و2019 بمعلومات “حصل عليها بشكل رئيس بفضل غلاقاته السياسية رفيعة المستوى” في إطار إدارته مجموعة الدراسات، وتلقى تمويلاً للتوجه إلى الاجتماعات مع ضباط الاستخبارات الصينية” و”تقاضى مكافآت مالية في 6 يوليو 2021.
وجه الادعاء الألماني في 2 أغسطس 2021 الاتهام لمواطنة ألمانية تحمل الجنسية الإيطالية بالتجسس لصالح الاستخبارات الصينية، متهمة بدعم أنشطة زوجها التجسسية منذ العام 2010″.
تبين بعد فحص (26) سيرة ذاتية لكبار الباحثين الصينيين الذين أقاموا في ألمانيا لفترة طويلة في السنوات العشر الماضية يعملون في مجال أبحاث الرياضيات، وعلوم الكمبيوتر والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، وجميع أصحابها يعملون في جامعات النخبة التي تتعاون بشكل وثيق مع الجيش الصيني. وهناك (22) من الذين تم اختيارهم أعيدوا إلى الصين عبر برنامج (1000) موهبة حيث حصل (12) منهم على منحة دراسية من مؤسسة “هومبولت” الألمانية، وحوالي “ثلث” جميع المناصب الإدارية العلمية في الصين يشغلها أشخاص تم تدريبهم وتأهيلهم في ألمانيا، بما في ذلك بعض النتخصصين الذيي يقودون أبحاث المواد العسكرية ويؤهلون الشباب للصناعات العسكرية. تجسس ـ عملاء الصين يخترقون ألمانيا!
تحذيرات الاستخبارات الألمانية من التهديدات الصينية
حذرت الاستخبارات الألمانية العسكرية في 30 أكتوبر 2022 من مخاطرمتنوعة مصدرها أنشطة أجهزة استخباراتية خارجية خاصة من أجهزة الاستخبارات الصينية التي تهدد القوات المسلحة الألمانية، وأضافت الاستخبارات الألمانية أن تلك الدول تستخدم كل الوسائل المتوافرة لديها من أجل الوصول لمعلومات ولتوسيع النفوذ داخل ألمانيا، وسجلت الاستخبارات الألمانية العديد من محاولات التجسس بـ “مستوى عال” عبر عمليات متكررة بطائرات بدون طيار فوق مواقع عسكرية تابعة للجيش الألماني ومراكز تدريب للجنود الأوكرانيين.
أخبر “برونو كال” رئيس المخابرات الخارجية الألمانية برلمانيين في 17 أكتوبر 2022 أنه يرى السماح للجهات الفاعلة الصينية بالمشاركة في مشاريع البنية التحتية الألمانية مثل حصة مقترحة بنسبة (35٪) من شركة الشحن العملاقة “كوسكو” في محطة الحاويات في هامبورغ “أمر بالغ الأهمية”. وأكد “بالطبع الميناء على سبيل المثال ، هو نوع البنية التحتية الحيوية التي يتعين عليك فحصها بعناية فائقة قبل الدخول في التزام”. وفي إشارة إلى التهديد الذي تشكله “الصين الصاعدة عالمياً”. أمن سيبراني: ألمانيا ماذا بعد إقالة مدير الأمن السيبراني، لوجود شبهات حول علاقته بالاستخبارات الروسية ؟
مخاوف من تمدد الصين اقتصادياً في ألمانيا
يسمح قانون التجارة الخارجية في ألمانيا للحكومة الألمانية مراجعة ما إذا كان استحواذ مستثمر أجنبي على شركة ألمانية يمثل خطراً على النظام العام أو أمن ألمانيا، ففي عام 2020 أوقفت الحكومة الألمانية استحواذ مجموعة تسلح صينية على شركة ألمانية متخصصة في مجال تقنيات شبكة الجيل الخامس والأقمار الصناعية والرادار، وفسرت الحكومة الألمانية القرار بأن هذه الخطوة ستسفر عن “أخطار فعلية وشديدة” على أمن ألمانيا.
سعت بعض الشركات الألمانية في مشاريع مشتركة مع شركات صينية بقيمة (2.4) مليار يورو (2.3 مليار دولار) مما دفع الساسة في ألمانيا في 21 أكتوبر 2022 إلى انتقاد تمسك ديوان المستشارية في برلين بخطط استحواذ الصين على حصة من ميناء حاويات في “هامبورغ” ورفضوا بيع البنية التحتية الحيوية للصين لأنه بعد خطأ فادح ويجب إيقافه لتأثيراته السلبية على مسار اتخاذ القرار والسياسة الأمنية لألمانيا، فضلاً عن تأثيره على الاقتصاد الألماني.
دعت وزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بربوك” في 12 أكتوبر 2022 إلى المزيد من الحذر في العلاقات التجارية مع الصين وأضافت “بربوك” “يجب علينا مواءمة سياستنا، ولكن قبل كل شيء العلاقات الاقتصادية مع الصين الموجودة اليوم”. ونوهت الوزيرة إلى أن الدولة الأوروبية صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا يجب أن تتعلم من انهيار علاقاتها مع روسيا وأن أن الدرس المستفاد من سياسة ألمانيا مع روسيا هو أننا يجب “ألا نعتمد وجودياً على أية دولة لا تشاركنا قيمنا”.
حذّرت المفوضية الأوروبية الحكومة الألمانية من مشروع استثمار صيني في محطة في ميناء “هامبورغ” وواجه المستشار الألماني “أولاف شولتز” وابلاً من الانتقادات عقب الاتهامات والانتقادات التي اتهمته بالتخطيط للدفع قدماً بمشروع استثمار صيني لشركة “كوسكو” للشحن في مرفأ هامبورغ رغم تحفظات من حكومته. وأصدرت المفوضية الأوروبية رأياً سلبياً باعتبار أن استثماراً كهذا قد يتسبب بتسريب معلومات حساسة عن نشاط الموانئ إلى الصين لكن يبقى رأي المفوضية الأوروبية استشارياً فقط إذ إن القرار النهائي في يد الحكومة الاتحادية الألمانية. ملف أمن سيبراني ـ مخاطر الهجمات السيبرانية، التضليل الإعلامي وانتهاك الخصوصية
تقييم وقراءة مستقبلية
– تعد الصين شريكاً تجارياً رئيسياً لألمانيا خاصة في مجال صناعة السيارات، واستثمرت الشركات الألمانية بكثافة في الصين على الرغم من المخاوف بشأن تجسس الصين الصناعي على التكنولوجيا الألمانية وتأثيراته السلبية على وضع ألمانيا الاقتصادي.
– كشفت التقارير الصادرة من الاستخباراتية الألمانية عن تنامي أنشطة التجسس الصينية عبر ممثلي الشركات والأكاديميين و الطلاب. وتعرضت البنى التحتية الألمانية للعديد من الهجمات بالإضافة إلى تجسس عملاء الاستخبارات الصينية على طالبي اللجوء من أقلية الإيغور المتواجدين في ألمانيا.
– بات تنامي أنشطة الصين التجسسية على ألمانيا تمثل إشكالية لألمانيا، إذ أن العمليات التجسسية تنعكس بالنسبة لألمانيا بأنه أهم شريك اقتصادي في أوروبا لبكين. الاستخبارات الألمانية كشفت عن العديد من محاولات التجسس على المؤسسات العسكرية في البلاد.
– دفعت المساعي الصينية للاستحواذ على حصة في ميناء هامبورغ والتوترات بشأن تايوان والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان إلى تصاعد دعوات الساسة الألمان إلى تبنى نهج سياسي جديد تجاه الصين وعدم تكرار خطأ برلين مع روسيا حتى لا تعتمد مرة أخرى على دول لا تشارك برلين سياستها.
– تصاعدت الخلافات داخل ألمانيا بين “ديوان المستشارية” والعديد من أحزاب المعارضة وعدد من الوزارات في ضوء خطط استحواذ الصين على حصة من ميناء حاويات في “هامبورغ” وطالبت المعاضة الألمانية أن تظل في أيدي القطاع العام كجزء من البنية التحتية الحيوية.
– بالرغم من تحذيرات الاستخبارات الألمانية، إلا أنه من المحتمل أن تعمل الحكومة الألمانية على تعزيز العلاقة الاقتصادية مع الصين، خصوصاً في وقت تعاني برلين من تبعات أزمة الطاقة عالمياً ويتجه اقتصادها، الأكبر في أوروبا، نحو الركود. ما يعزز هذا السيناريو هو زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز لبكين في 04 نوفمبر 2022 بصحبة وفد من كبار رجال الأعمال والمستثمرين الألمان، من بينهم الرؤساء التنفيذيون لـ”دويتش بانك” وشركة الصناعات التكنولوجية “سيمنز” وعملاق صناعة السيارات “بي إم دابليو”، وهي تعد أول زيارة لزعيم أوروبي من مجموعة السبعة للصين منذ أزمة كورونا، وسط انتقادات غربية واسعة بأنه “يكرر خطأ ميركل بتعزيز العلاقات السياسية مع روسيا”، فيما رد شولتز على الانتقادات بأن “على أوروبا نهج سياسة جديدة مع الصين”. وأبلغ المستشار الألماني الرئيس الصيني بأنه يرغب بـزيادة تطوير التعاون الاقتصادي مع الصين رغم وجهات النظر المختلفة بين البلدين.
ـ بات متوقعاً أن يمثل انفتاح ألمانيا على العلماء الصينيين في ألمانيا خطراً كبيراً على الأمن القومي الألماني. ومن المرجح أن تحجم الأجهزة الأمنية الألمانية متمثلة في الاستخبارات الألمانية وأجهزة مكافحة التجسس عن قبول بيع البنية التحتية الحيوية إلى الصين.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=85075
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات
الهوامش
تحذيرات ألمانية من تهديدات أجهزة استخباراتية “معادية”
https://bit.ly/3STEV8M
China spying on Germany, say intelligence chiefs
https://bit.ly/3STZNwA
ألمانيا- انتقادات لخطط استحواذ الصين على حصة بميناء بهامبورغ
https://bit.ly/3SUeZKv
ألمانيا تحقق في قيام الصين بإدارة مركز شرطة غير مرخص على أراضيها
https://bit.ly/3TPNQJM
ألمانيا تدعو لمزيد من الحذر في العلاقات مع الصين
https://bit.ly/3UaHqEQ
تمويلاً للتوجه إلى الاجتماعات مع ضباط الاستخبارات الصينية” و”تقاضى مكافآت”.
https://bit.ly/3NmqcSE