خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
لا تبدو الأمور جيدة بالنسبة لأوكرانيا. ففي معظم خطوط المواجهة، يقف الجيش الأوكراني في موقف دفاعي؛ فبعد أكثر من عامين ونصف العام من الصراع، أصبحت العديد من الوحدات منهكة ومستنزفة وفقدت فعاليتها. ويقول الرئيس فولوديمير زيلينسكي إنه يحتاج إلى 14 لواءً جديدًا. ولتحقيق هذه الغاية، يحتاج إلى المزيد من الأفراد والأسلحة والدبابات والمدفعية والذخيرة. ومرة أخرى، يعتمد على الغرب، وخاصة ألمانيا.
ولكن المساعدات العسكرية التي تقدمها برلين لا تزال بطيئة. ويرجع هذا التأخير إلى نقص التمويل ومجموعة من العقبات البنيوية: التحديات المستمرة التي تواجهها القوات المسلحة الألمانية، والقيود المفروضة على صناعة الأسلحة الألمانية، وعمليات الشراء.
في مؤتمر المانحين في رامشتاين في يناير2023، طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي قائلا: “إذا كان لديكم دبابات ليوبارد، فأعطوها لنا”. لكن ما وصل لم يكن كافيا لتحويل مجرى الأمور ضد القوات الروسية.ويقدر خبراء عسكريون مثل ضابط هيئة الأركان العامة النمساوي ومحلل الحرب ماركوس رايزنر أن أوكرانيا تحتاج إلى ما لا يقل عن 300 دبابة إضافية لتشكيل الألوية الأربعة عشر الجديدة المطلوبة لصد القوات الروسية. ولكن لاستعادة كل الأراضي التي احتلتها روسيا، يقترح رايزنر أن أوكرانيا ستحتاج إلى ما يصل إلى 3000 دبابة ومركبة مدرعة.
وهذا رقم مذهل، بالنظر إلى حجم الإمدادات التي تسلمتها الدول الغربية حتى الآن. فقبل عام ونصف العام على سبيل المثال، سلمت القوات المسلحة الألمانية 18 دبابة قتال رئيسية من طراز ليوبارد 2A6 إلى أوكرانيا. وكان هذا عدداً صغيراً بالنسبة لأوكرانيا، ولكنه عدد كبير بالنسبة للجيش الألماني.بعد عقود من تقليص حجم الجيش الألماني، يواجه الجيش الآن نقصاً في مختلف المجالات. وفي الوقت نفسه، تتزايد توقعات ألمانيا والتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي. فبالإضافة إلى الألوية العسكرية التسعة الحالية، سوف تكون هناك حاجة إلى ستة ألوية أخرى في السنوات المقبلة. وبالتالي فإن ألمانيا تحتاج إلى كل دبابة على حدة.
في الوقت الحالي، لم يتبق لدى الجيش الألماني سوى القليل لإرساله. ويمتد النقص إلى ما هو أبعد من الدبابات إلى أنظمة الأسلحة والمعدات والذخيرة الحيوية الأخرى. ورغم أن عملية إعادة الإمداد جارية، فإن العملية تسير ببطء.
الاختيارات السياسية وراء النقص العسكري في ألمانيا
وتوضح دراسة حديثة أجراها المجلس الألماني للعلاقات الخارجية جذور هذه القضية: إذ يتعين على الحكومة إعادة التفاوض مراراً وتكراراً على أسعار المعدات العسكرية في السوق، الأمر الذي يعقد أي جهد لتأمين إمدادات مستقرة. وفي غياب العقود طويلة الأجل، تفتقر شركات الدفاع إلى الحافز للاستثمار في أفراد إضافيين أو توسيع خطوط الإنتاج لتلبية الطلب.
وإضافة إلى هذا التحدي، هناك افتقار واضح إلى الثقة بين الدولة وصناعة الدفاع. فقبل سنوات، قرر صناع السياسات الألمان أن الأسلحة لا ينبغي أن تُصنَّع بغرض التخزين؛ بل لابد أن تكون كل دورة إنتاج مرتبطة بطلب محدد. وتعود هذه القواعد إلى أوقات أكثر سلماً، عندما كان الطلب أقل وكانت آفاق التخطيط أطول تبعاً لذلك.
وبحسب ورقة بحثية أعدها المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، فإن الدولة الألمانية شريك لا يمكن التنبؤ بسلوكه بالنسبة لصناعة الدفاع. ففي العام 2024، جفت أموال الاستثمار في ميزانية الدفاع العادية. ولا تزال الصناعة غير متأكدة بشأن الطلبات القادمة أو تخصيصات الميزانية للعام 2025.
وفي المقابل، لا تنتج شركات تصنيع الأسلحة الألمانية إلا ما تتوقع أن تكون هناك حاجة إليه في الأمد القريب. والعواقب وخيمة: إذ تنتهي عروض الأسعار، وتغلق خطوط الإنتاج أو تعاد توجيهها لخدمة عملاء آخرين.
نظام شراء الأسلحة يحتاج إلى إصلاح
وباعتبارها أكبر اقتصاد في أوروبا، تتحمل ألمانيا مسؤولية استقرار القدرات الدفاعية للقارة. ولاستعادة القدرة على إنتاج الأسلحة، يتعين على صناع السياسات الألمان أن يأخذوا في الاعتبار الخطوات التالية:
برنامج الاستثمار الأمني: لا يستطيع نموذج الإيرادات العامة الحالي حل مشاكل الإمدادات. وحتى مع الصندوق الخاص البالغ 100 مليار يورو المخصص للجيش الألماني، فإن ميزانية الدفاع لا تكفي لتمويل التحديث الضروري للقوات المسلحة. وسوف يتطلب الأمر إنفاق المزيد من الأموال على مدى العقد المقبل.
الإطار القانوني الجديد: لقد أدت حرب أوكرانيا وتهديداتها للغرب إلى دفع ألمانيا إلى منطقة غامضة بين السلام والصراع. وتحتاج القيود المفروضة في أوقات السلم، مثل حظر تخزين الأسلحة، إلى تعديلات قانونية لتعكس هذا الواقع الجديد.
الإدارة المركزية: ينبغي لألمانيا أن تنشئ منسقاً للأسلحة لتبسيط احتياجات الجيش الألماني مع متطلبات حلفاء الناتو وسياسات التصدير في الصناعة. ومن الناحية المثالية، ينبغي أن يكون هذا الدور داخل المستشارية، مما يتيح إشرافاً أفضل على الوزارات المعنية (الدفاع، والاقتصاد، والشؤون الخارجية، والمالية) وتخصيص الموارد بسرعة.
إعطاء الأولوية للكمية: يتعين على ألمانيا أن تحول تركيزها من تطوير أكثر الأنظمة تقدماً في العالم إلى إعطاء الأولوية للكمية. ويتعين على ألمانيا أن تعتمد على الأنظمة المجربة والمختبرة التي يمكن إنتاجها بسرعة وبكميات كبيرة. وهذا من شأنه أن يعود بالنفع على الجيش الألماني والحلفاء وأوكرانيا على وجه الخصوص.
ترامب والصين.. تهديد جديد لإمدادات الأسلحة
وبعيدا عن سياسة الدفاع الحذرة التي تنتهجها برلين، هناك عامل آخر قد يشكل تهديدا أكبر لقدرة ألمانيا وأوكرانيا على الوصول إلى الإمدادات العسكرية: وهو العداء المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، والذي من المرجح أن يتصاعد في عهد الرئيس دونالد ترامب. وإذا تعلق الأمر بصراع جيوستراتيجي، فسوف يطالب ترامب بولاء شركائه الأوروبيين.
إن اعتماد أوروبا على الصين يمتد إلى ما هو أبعد من السلع المدنية إلى الإنتاج العسكري الحيوي. خذ الذخيرة على سبيل المثال ــ تحصل أوروبا على معظم النيتروسليلوز الأساسي، من الصين، مع وجود عدد قليل من البدائل الميسورة التكلفة المتاحة. وأوكرانيا ليست الدولة الوحيدة التي تواجه اعتماداً كبيراً.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=98486