*المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : جاسم محمد ، باحث في قضايا الإرهاب ولإستخبارات
تغادر بريطانيا، الاتحاد الأوروبي يوم 31 ديسمبر 2020 بشكل نهائي ، وهذا ما يسط الضوء على الدور المرتقب الى كل من المانيا تحديدا ثم فرنسا في قيادة هذا الاتحاد. فالدور الالماني المرتقب الى جانب فرنسا، في قيادة الاتحاد الاوروبي، مابعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، يلقي بتداعياته، على المانيا اكثر من فرنسا للقيام بدور اوسع، وتحمل المسؤولية ، ضمن مساعي دول الاتحاد الاوروبي، لسد فراغ بريطانيا، خاصة في الجوانب العسكرية والامنية.
وبخروج بريطانيا يفقد الاتحاد الأوروبي 15 في المئة من حجم اقتصاده يتمثل الاقتصاد البريطاني، وواحدة من أكثر الدول الأعضاء به إنفاقا على التسلح، كما سيفقد لندن العاصمة المالية الدولية في عالم اليوم. يبدو إن، المحور الألماني الفرنسي، الذي يمثل العمود الفقري للاتحاد الاوروبي.
مسؤولية المانيا بعد ال “بريكست “
تعترف المانيا، بانها قوة اقتصادية، لكنها مازالت تعتمد على الاخرين، وهي اشارة الى فرنسا ، خاصة في مجال الدفاع، وهذا ماجاء على لسان الرئيس الالماني شتايمر في وقت سابق في حديث له خلال زيارته العاصمة السلوفينية ليوبلينا. ويتزامن قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي مع التحولات الجيواستراتيجية الأساسية التي ستؤثر عميقا على مستقبل أوروبا، فيما سيكون دور ألمانيا حاسما في تشكيل استجابة الكتلة لهذه التحولات. جيش اوروبي موحد
ولكن بعض المراقبين يرون عكس ذلك، ويعتبرون الخروج البريطاني ضربة قوية لألمانيا في ضوء ضعف وتباعد باقي شركائها؛ إذ تراجعت العلاقات الألمانية البولندية، التي كانت قوية في السابق، وتجلت علامات التراجع بعد وصول حزب القانون والعدالة للسلطة في بولندا عام 2015، ولم تنتخب النمسا اليميني المتطرف نوربرت هوفر رئيسا للبلاد، وحتى علاقاتها مع فرنسا ليست على ما يرام، وعليه فقد تعقدت الأمور.
هناك من يعتقد بان ألمانيا لا تستطيع السير بمفردها، ولا تريد ذلك، لكن من دون شريك قوي يشارك في القيادة، فلن يكون أمامها خيار سوى تقاسم القيادة مع عدد من الشركاء غير الموثوق بهم، أو خلق دائرة مقربة جديدة.أكدت مديرة مكتب صندوق مارشال الألماني في برلين، “إن برلين ممكن ان تكون قائدًا في أوروبا لكنها لا تريد أن تفعل ذلك بمفردها” فألمانيا وبريطاينا وفرنسا كانوا فيما مضى أهم اللاعبين الذين بذلوا جهودًا مضنية في أوروبا من أجل تحقيق الوحدة في القارة، وتعرض فرنسا لأزمة اقتصادية وسياسية أدى لتربع بريطانيا وألمانيا على عرش أكبر قوتين في الاتحاد الاوروبي .
وفي هذا السياق، حث وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن ألمانيا يوم28.09.2019 على تحمل مسؤولية أكبر على مستوى السياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي عقب خروج بريطانيا من الاتحاد. وقال أسيلبورن في تصريحات لصحيفة “نويه أوسنابروكر تسايتونغ” الألمانية: “مع خروج بريطانيا من الاتحاد – واستمرار كونها أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن – ستتراجع قوة الاتحاد الأوروبي على المستوى الاستراتيجي والسياسي. لذلك يقع على عاتق ألمانيا المزيد من المسؤولية بخروج بريطانيا من الاتحاد”.
مسؤولية المحور الالماني الفرنسي
وتقع اليوم مسؤولية كبيرة على فرنسا وألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي من جديد وترتيب البيت الداخلي في ضوء احتمال أنفصال دول أخرى عن التكتل الأوروبي. وبات مؤكدا،أن خروج بريطانيا سوف يعزز دور ألمانيا كزعيمة للقارة، وهو الدور الذي لا ترتاح له ألمانيا أو أي دولة أخرى. نادرا ما شعرت ألمانيا بتلك الوحدة رغم وجودها وسط أوروبا. فمع خروج بريطانيا، تفقد ألمانيا شريكا مهما داخل الاتحاد الأوروبي وفي سياستها الخارجية بصفة عامة.
البعض من يعتقد، ان فرنسا، هي الدولة الاكثر ترجيحا لزعامة أوروبا بعد انسحاب بريطانيا كونها عضو دائم في مجلس الأمن، وهي الدولة التي تملك حق النقض “الفيتو”، وأيضاً هي الدولة التي تمتلك السلاح النووي، لكن رغم ذلك التقديرات تقول ان فرنسا ايضا تحتاج المانيا. ألمانيا هي قاطرة أوروبا الاقتصادية فلا بد من العمل المشترك والتعاون بين فرنسا وألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي. إستراتيجية خط الدفاع الاول ـ أوروبا
تعزيز قدرات الاتحاد الاوروبي الدفاعية
تعهد وزراء دفاع تسع دول في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المملكة المتحدة، 25 يونيو 2018 ، بتشكيل قوة تدخل عسكرية أوروبية مشتركة تسمح باستمرار الدعم البريطاني بعد البريكست من الاتحاد.أن الهدف من مبادرة التدخل الأوروبية، هو كجزء من خطط لإنشاء قوة دفاع أوروبية مستقلة تقوم بنشر قوات بسرعة في سيناريوهات الأزمات بالقرب من حدود أوروبا. وتضم المجموعة فرنسا، ألمانيا ،بلجيكا ،المملكة المتحدة ،الدنمارك ،هولندا ،إستونيا ،أسبانيا والبرتغال.
كشفت المفوضية الأوروبية، يوم 7 يونيو 2017، عن خطة غير مسبوقة لتمويل الدفاع الأوروبي المشترك لمساعدة أوروبا على أن تصبح قوة عسكرية عالمية، داعية الولايات المتحدة إلى البقاء على الساحة الدولية. ويأتي اقتراح بروكسل بإنشاء صندوق قيمته 5.5 مليار يورو (6.19 مليار دولار) سنوياً عقب اقتراح فرنسي – ألماني للتركيز على الأمن والدفاع، وتحديد أهدافه مجدداً عقب قرار البريكست الذى اتخذته بريطانيا العام الماضي الذي سبب صدمة في أوروباقوة بحرية في مياه الخليج.
تبقى الدولتان ” فرنسا والمانيا” سجينتين لرؤى ثابتة لعملية التكامل، فلا يوجد عضو في الاتحاد الأوروبي قادر بمفرده على حل مشكلات مثل حماية المناخ والبيئة أو الرقمنة أو الهجرة أو القضايا الأمنية، مؤكدا أنه نظرا إلى التحديات العالمية الكبرى لا يمكن حلّ هذه المشكلات إلا على نحو توافقي ومشترك، وفقا لحديث الرئيس الالماني شتاينماير. وهذا يعني ان كل من فرنسا والمانيا تقوم معا لتوجيه الاتحاد الأوروبي الذي يحتاج للتأقلم مع التحولات الجيواستراتيجية العالمية، ولسد الثغرات الخطيرة في سياسة الأمن والدفاع في أوروبا في اعقاب خروج بريطانيا.
رابط مختصر…https://www.europarabct.com/?p=57969
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات