أزمة الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي … المانيا خلافات داخل الائتلاف الحكومي
إعداد المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا وهولندا- وحدة الدراسات والتقارير “2”
يواجه التحالف الحكومي في ألمانيا خطراً بالغاً قد يصل إلى انهياره وفُقدان الأغلبية البرلمانية بسبب الخلاف على ملّف اللاجئين والهجرة ،ويرغب هورست زيهوفر وزير الداخلية الألمانى في إغلاق الباب أمام جلّ طالبي اللجوء القادمين من أوروبا،و تتذرع خُطط هورست باتفاقية دبلن، لكنها تفتح نقاشاً حول احترام حقوق الإنسان والتزامات ألمانيا نحوها .
الخلافات داخل الائتلاف الحكومى
كشف تقرير فى أغسطس 2017 عن زيادة عدد اللاجئين في ألمانيا لتصبح نسبته (22.5% )من مجموع سكان البلاد ، وأشار معطيات مكتب الإحصاءات الاتحادي الألماني التي أعدها على أساس التعداد الجزئي إلى أن زهاء (18.6) مليون شخص يعيشون الآن في ألمانيا مهاجرين. وارتفع هذا المؤشر بنسبة (8.5%) بالمقارنة مع عام 2016 ، ليسجل بذلك مستوى قياسا جديدا،وحسب هذه الأرقام فإن (2.3) مليون شخص من المقيمين في ألمانيا لهم جذور تمتد إلى الشرق الأوسط ، وحوالي (740) ألف شخص لهم أصول إفريقية.
وتعد نقطة الخلاف الرئيسية بين ميركل وزيهوفر ليست حول اللاجئين و الهجرة جميعا، بل “معاملة المهاجرين الذين يصلون إلى ألمانيا لكنهم مسجلون في الأصل في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. ويريد وزير الداخلية إبعادهم لكن ميركل ترفض ذلك حتى “لا تنتقل العدوى” إلى أوروبا”،ووصل الخلاف إلى إعلان زيهوفر نيته الاستقالة من منصب وزير الداخلية، ثم علق القرار لإجراء محادثات أخيرة مع أنغيلا ميركل، وقام زيهوفر بالتهديد بفرض إجراءات جديدة على الحدود، وهو ما تعارضه المستشارة “أنغيلا ميركل”. لكن رغم ذلك توصلا الطرفان الى انهاء الخلاف، رغم انه من المتوقع ان لايكون الاخير.
تفاصيل الخلاف بين الائتلاف الحكومى
اتهم “هورست زيهوفر” رئيس حكومة ولاية بافاريا السابق ووزير الداخلية الحالى فى أكتوبر 2015 المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بأنها تسببت في “استسلام دولة القانون” في أزمة اللاجئين و الهجرة الحالية، وجاءت هذه التصريحات ردا على تصريح لميركل قالت فيه إن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ليست محمية بصورة فعالة.
وكانت ميركل قد اتخذت قرارا منذ 3 سنوات يقضى باستقبال ألمانيا مئات الآلاف من طالبي اللجوء، وفي عام 2016 خلال اجتماع للحزب الاجتماعي المسيحي طالب زيهوفر لأول مرة بتحديد عدد المهاجرين، بحيث تستقبل الدولة (200) ألف لاجئ سنويا فقط، وهو ما اعترضت عليه ميركل وقتها، رغم تهديد زيهوفر برفع دعوى أمام محكمة الدستور الاتحادية ضد سياسة اللجوء التي تنهجها ميركل”.
وبدأ خلاف يتجدد بين ميركل ووزير الداخلية “زيهوفر”، منذ شهر يونيو 2017، حين أراد زيهوفر أن يشدد سياسة اللجوء إلى ألمانيا، بحيث يتم منع اللاجئين من الدخول إلى ألمانيا وهو الأمر الذى تصدت له ميركل، ما جعل الخلاف يتصاعد في الائتلاف الذي كونته حين شكلت حكومتها مع الحزب الاجتماعي المسيحي.
أعلنت ميركل فى يونيو 2018 أنها أبرمت اتفاقات مع (14) دولة جديدة لإبعاد المهاجرين اليها، بينها تشيكيا والمجر ، وعرضت ميركل على شريكيها في الحكم سلسلة من الاجراءات لتعزيز مراقبة تدفق المهاجرين، بحسب وثيقة وجهتها اليهما عشية اجتماعات مهمة جدا لجهة استمرار الحكومة.
انتقد وزير الداخلية الألماني “هورست زيهوفر” بشدة النتائج التي توصلت إليها المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” مع شركائها الأوروبيين في بروكسل، وقال زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري إن هذه النتائج لا تتمتع بتأثير مماثل لنجاعة مراقبة الحدود وإرجاع اللاجئين المسجلين في دول أخرى من الاتحاد الأوروبي.
ورفض زيهوفر مقترح ميركل بإيواء اللاجئين المسجلين في دول أخرى من الاتحاد الأوروبي في “مراكز المرساة” المخطط لإقامتها، ويعد ذلك بمثابة اعتراض مباشر من زيهوفر على ميركل، التي تأمل في أن تنجح نتائج اجتماعها مع زعماء الاتحاد الأوروبي ،ويستند وزير الداخلية الألمانية إلى اتفاقية دبلن الثالثة لتحقيق مسعاه.
واقترح حزب المستشارة إنشاء مناطق خاصة على الحدود الألمانية مع النمسا بحيث يتم احتجاز المهاجرين المسجلين في بلدان أوروبية أخرى قبل إعادتهم إليها،وهو الحل جعل الخلاف ينتهى مبدئيا بعد أن وافق عليه الطرفان، وأعلن زيهوفر بقائه في منصبه وقال بعد ساعات قضاها في المحادثات مع المستشارة: لقد اتفقنا، وتراجع ” هورست زيهوفر” عن نيته بالاستقالة من منصب وزير الداخلية، بعدما توصل لاتفاق مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بشأن قضية المهاجرين.
انعكاس الخلافات على الهجرة و اللاجئين
أعلنت منظمة “برو أزول” الألمانية المعنية بالدفاع عن حقوق اللاجئين فى يوليو 2018 أن خطة وزير الداخلية الألماني “هورست زيهوفر”، تهدف بصفة خاصة إلى تحويل ألمانيا إلى دولة ترحيل للاجئين،وقال المدير التنفيذي للمنظمة “جونتر بوركارتإن”أن زيهوفر يقوم بتحويل ألمانيا من دولة استقبال إلى دولة ترحيل.
وكشف المدير التنفيذي خطر إصدار قرارات خاطئة بالنسبة لطالبي اللجوء إذا تم اتخاذ قرار بشأن وضعية حماية الأشخاص الذين ليس لديهم مستندات هوية في إطار “إجراءات معجلة”، مثلما هو منصوص في الخطة،وأرجع “جونتر بوركارت” ذلك إلى أنه لا يمكن فحص أسباب اللجوء لهؤلاء الأشخاص وتقييمها بشكل كافي في هذه الإجراءات القصيرة.
وحذر وزير الخارجية الألماني السابق “زيغمار غابرييل” فى يونيو 2018 من حدوث عواقب غير محسوبة بالنسبة لألمانيا وأوروبا حال انهيار حكومة ميركل، وإنني لا يمكنني سوى أن آمل في أن تبقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (في الحكم)، وأوضح سبب ذلك بأنها تشعر بالثقل الألماني في أوروبا، وكذلك بالثقل الأوروبي بالنسبة لألمانيا.
مخالفة”زيهوفر” للإتفاقيات الدولية
أشار المعهد الألماني لحقوق الإنسان، فى يونيو 2018 إلى أن استنجاد زيهوفر باتفاقية دبلن لتبرير خطته غير ممكن، ونشر المعهد رأياً على موقعه الإلكتروني يتحدث من خلاله عن أن وضع الاستقبال في عدد من دول الاتحاد الأوروبي “كارثي”، وأن ترحيل طالبي اللجوء إلى هذه البلدان غير ممكن من الناحية الحقوقية، خاصة وأن محكمة العدل الأوروبية تعطي الحق بالطعن في قرارات بالترحيل إلى بلدان أوروبية حيث يوجد خطر كبير بـ”سوء معاملة” طالبي اللجوء.
وكشف استطلاع للرأي فى يوليو 2018 أن زيهوفر لا يحظى بدعم غالبية أنصار حزبه في مطلبه باتخاذ إجراءات قومية منفردة في سياسة اللجوء، وأظهر الاستطلاع أن (48%) فقط من أنصار الحزب يدعمون وزير الداخلية في مطلبه، بينما يدعم (49%) من أنصار الحزب المستشارة ميركل في تمسكها بالتوصل لحل أوروبي بشأن سياسة اللجوء.
وبحسب الاستطلاع، فإن (69%) من الألمان بوجه عام يدعمون ميركل في موقفها. كما بلغت نسبة الدعم لها بين أنصار حزبها المسيحي الديمقراطي (83%) بالمائة، وأنصار الحزب الاشتراكي الديمقراطي 85 (85%) ، وحزب الخضر (95%)، وحزب “اليسار” (79%) بالمائة، والحزب الديمقراطي الحر (66%) بالمائة. وفي المقابل دعمت غالبية أنصار حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي موقف زيهوفر (88 %).
تعاني الحكومة الألمانية برئاسة المستشارة “إنغيلا ميركل” من أزمة بسبب اللجوء، وإصرار وزير الداخلية “هورست زيهوفر” على تشديد إجراءات اللجوء و الهجرة إلى ألمانيا في وقت ما زالت فيه رئيسة الحكومة الألمانية متمسكة بسياسة “الأبواب المفتوحة” أمام اللاجئين ولو بشكل متحفظ عما سبق.
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
رابط مختصر https://wp.me/p8HDP0-c3G