المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد : داليا عريان
أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على أوروبا وروسيا
منذ بداية الحرب الأوكرانية أصبحت العقوبات الاقتصادية أداة الغرب للرد على الخطوة الروسية تجاه أوكرانيا، حتى طالت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة كيانات وأشخاص وبنوك إضافة إلى بعض السلع والصناعات الروسية. ولم يتوقف تأثير تلك العقوبات المشددة على الاقتصاد الروسي فقط، بل امتد إلى دول الغرب التي يصل نصف استهلاكها من النفط والبنزين ومصادر الطاقة الأخرى من روسيا. ومع تزايد أسعار السلع والطاقة تبحث أوروبا عن بديلة لـ 3.5 مليون برميل من النفط الروسي يوميا، خاصة مع تصاعد الرد الروسي على هذه العقوبات باشتراط دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي وإيقاف صادرات 200 سلعة للدول الغربية حتى نهاية 2022.
حزمة العقوبات منذ بداية الحرب
قبل أن تطرح المفوضية الأوروبية في 11 أبريل 2022، حزمة العقوبات السادسة المتعلقة بحظر واردات الطاقة الروسية وإقصاء مصارف روسية من نظام ” سويفت” للمناقشة بين الدول الأعضاء، حظرت أوروبا بإجماع الأعضاء الـ 27 في الاتحاد واردات الفحم الروسي في إطار حزم العقوبات الـ 5 المفروضة على موسكو. وطبقت أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة في 25 فبراير 2022، عقوبات على كيانات اقتصادية ومؤسسات مالية روسية لفرض قيود على احتياطات روسيا من العملات الأجنبية والذهب المقدرة بنحو 630 مليار دولار.
وتتبنى كل من واشنطن ولندن موقف متشدد في العقوبات ضد موسكو مقارنة بأوروبا، حيث صعدت الأولى بحظر النفط والغاز الروسيين في 9 مارس 2022، كما أعلنت لندن وقف الاعتماد على واردات النفط الروسي تدريجيا بحلول نهاية عام 2022. ومنعت الدول الغربية الشركات والمواطنين لديها من إجراء أي تعامل مالي مع البنك المركزي الروسي ووزارة المالية وصندوق الثروة السيادي بروسيا، بجانب تجميد أصول البنك المركزي الروسي وإبعاد بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” لإعاقة موسكو من تحصيل عائدات بيع الغاز والنفط، وفقا لـ “شبكة بي بي سي” البريطانية.
واستهدف الاتحاد الأوروبي بعقوباته 70% من الأسواق المصرفية بروسيا والشركات الكبرى المملوكة للدولة الروسية، وشددت المملكة المتحدة قيود إيداع الروس أموالهم في البنوك البريطانية مع تجميد كافة أصول البنوك الروسية ومنع الشركات والحكومة بموسكو من الحصول على أموال من أسواق بريطانيا. وامتدت العقوبات إلى تجميد الغرب أموال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف إضافة إلى 8 مسؤولين روس وأكثر من 300 عضو بالبرلمان الروسي.
واتفقت بروكسل وواشنطن في 11 مارس 2022، على إلغاء وضع روسيا التجاري ” الدولة الأولى بالرعاية” التي تتمتع به في منظمة التجارة العالمية، بحسب وكالة ” الأنباء الألمانية” وردا على أحداث بوتشا الأوكرانية التي اتهمت فيها موسكو بارتكاب جرائم حرب، فرض البيت الأبيض في 6 أبريل 2022، عقوبات على أكبر مصرف روسي حكومي ” سبيربنك” وأكبر مصرف روسي خاص ” ألفا بنك”، مع منع كافة الاستثمارات الأمريكية في روسيا.
انعكاسات العقوبات على اقتصاديات أوروبا وروسيا
تأثرت أوروبا كثيرا بالعقوبات التي فرضتها على موسكو بارتفاع التضخم 7.5% لشهر مارس 2022، و5.9% لشهر فبراير 2022، وارتفعت أسعار المواد المستهلكة 7.5% في أبريل 2022 في منطقة اليورو، ما يدفع البنك المركزي الأوروبي لرفع سعر الفائدة، بحسب مكتب الإحصاء الأوروبي.وقال نائب المستشار ووزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، في منتدى دافوس الذي انطلق في 23 مايو 2022، ” لدينا 4 أزمات ما بين تضخم مرتفع وأزمة طاقة وفقر غذائي ومناخ” محذرا من حدوث ركود عالمي، لاسيما وأن الأزمة لم تلقي بصداها فقط على أسعار الطاقة والسلع الغذائية بل طالت أيضا قطاع السلع الفاخرة نظرا لأن الروس كانوا يشكلون ما بين 2%- 3% من عملائه.
ويعد الاقتصاد المجرى نموذجا لتضرر أوروبا من الوضع الراهن، حيث حذر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في 6 مايو 2022، من حزمة عقوبات جديدة بشأن الطاقة الروسية نظرا لعواقبها الوخيمة على اقتصاد بلاده. وردا على العقوبات الغربية حظرت روسيا في 9 مارس 2022، الفوائد عن المستثمرين الأجانب الذين يحملون سندات حكومية ومنعتهم من بيع الأسهم والسندات الروسية، ودفعت بعض الأثرياء الروس لتحويل مدخراتهم من الروبل للعملات المشفرة مثل ” البيتكوين” هربا من تداعيات العقوبات.
وامتد التصعيد بين الغرب وروسيا إلى وقف شركة غازبروم الروسية في 26 أبريل 2022، إمدادات الغاز إلى بلغاريا وبولندا لعدم التزامهما بشرط الدفع بالروبل، ما يزيد المخاوف من أن يشمل القرار دول أوروبية أخرى أو تخضع لشرط روسيا.ورغم تجميد نحو 300 مليار دولار من احتياطات روسيا بالعملات الصعبة بالخارج، أشارت وكالة ” بلومبيرغ الأميركية” في 12 مايو 2022، إلى أن الروبل الروسي أفضل عملة عالمية من حيث درجة التعزيز مقابل الدولار خلال عام 2022، منوهة إلى نمو الروبل بنسبة 11%، نتيجة الإجراءات التي اتخذتها موسكو للتصدي لمخاطر العقوبات واشتراطها دفع ثمن الغاز بالروبل.
بينما حذر معهد ” كيل للاقتصاد العالمي” من انخفاض في الناتج المحلي لروسيا بنسبة 3% في حال توقف تجارة الغاز، وانخفاض 1% في حال توقف تجارة النفط، وتسببت العقوبات في مارس 2022 في هبوط الروبل إلى أدنى مستوياته ما أدى لرفع معدل الفائدة إلى 20%، مع توقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي الروسي إلى 11.2% خلال عام 2022.
قراء مستقبلية في العقوبات الاقتصادية
مع تصاعد الضغوط على الغرب لتشديد العقوبات الاقتصادية على موسكو لاسيما وأن البعض يرى أن حزم العقوبات التي وقعت على الاقتصاد الروسي لم تحقق المرجو منها حتى الآن، وأن العقوبات المنتظرة من أوروبا هي حظر واردات الطاقة الروسية بشكل كامل، يطرح السؤال نفسه إلى أي مدى تتجه العقوبات الأوروبية؟
وتصبح مسألة تشديد العقوبات أمر غير وارد في ظل معطيات المشهد الراهن من زيادة أسعار الطاقة والركود التضخمي، وصعوبة تخلي أوروبا عن النفط والغاز الروسيين في هذا التوقيت لعدم وجود مصدر بديل للطاقة الروسية بشكل دائم وارتباط بعض الشركات الأوروبية بعقود مع شركات روسية في مجال الطاقة، كما أن وقف إمدادات الطاقة فورا قد يضر ببعض الصناعات التي تقوم عليها خاصة بعد منع دول البلطيق ” إستونيا ولاتفيا وليتوانيا” استيراد الغاز بداية من أبريل 2022.
كما تتجنب ألمانيا وفرنسا فرض عقوبات صارمة رغبة في تهدئة الأوضاع بين الغرب وروسيا، نظرا لأن هذا القرار يعد تصعيد نوعي في الأزمة بعد أن شملت العقوبات مصادر بنكية روسية ومنعت تصدير بعض المنتجات الأوروبية إلى روسيا، الأمر الذي يهدد موسكو بالعزلة على المدى البعيد من جانب ويضر باقتصاديات دول الاتحاد بشكل غير مسبوق من جانب آخر. لذا ربما تكتفي أوروبا بإدراج أشخاص جديدة مقربة من الرئيس الروسي على قائمة العقوبات وإقصاء مصارف روسية جديدة من نظام “سويفت” والتلويح بورقة وقف إمدادات الطاقة الروسية كوسيلة ضغط فقط.
التقييم
تعيش أوروبا تحديات خطيرة خلال عام 2022، بداية من الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع الزيادة المتوقعة في الأسعار والتضخم في منطقة اليورو، مرورا بإدارة ملف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو وأبعادها، وصولا إلى تغيير سياساتها في ملف الطاقة وإيجاد بدائل سريعة للغاز والنفط الروسيين نظرا لأن الحرب الأوكرانية بدأت في أخذ منحى جديد تجاوز حدود العلاقات بين كييف وموسكو.
وتتوافق رؤية الدول الأوروبية على الإجراءات الواجب اتباعها من رفع سعر الفائدة، خاصة وأن برلين وباريس المحركان الرئيسيان بالاتحاد يتبعان سياسات حاسمة لمراعاة الفرق بين الأجور والأسعار.
بينما يظهر التباين في التعامل مع حزمة العقوبات السادسة على روسيا وحظر استيراد النفط والغاز منها، فألمانيا قاطرة الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي تتحفظ على هذه الاستراتيجية التي تهدد أمن الطاقة في القارة العجوز وتزيد من التوتر بين الغرب وروسيا، وتنضم إليها في الموقف كل من المجر والتشيك وسلوفاكيا خوفا من التداعيات السلبية على الاقتصاد الأوروبي ما يعرقل إقرار هذه العقوبات.
كما يصبح ملف استبدال الوقود الأحفوري الروسي ببدائل من مصادر متنوعة والاتجاه نحو الطاقة المتجددة، مهمة التكتل الأوروبي المرحلة المقبلة تفاديا لتكرار خطأ الاعتماد على موزع محدد للطاقة، رغم العراقيل التي تواجه هذه الخطوة فيما يخص بتمويل إعادة تشغيل بعض خطوط الغاز بين دول أوروبا وشروط العقود المتوقع إبرامها لاستيراد الغاز من مصادر جديدة.
حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والإستخبارات
رابط مختصر ..https://www.europarabct.com/?p=82326
الهوامش
الاتحاد الأوروبي يبحث عن توافقات لحظر شراء النفط الروسي والمجر ترفض الاقتراحات
روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات المفروضة على موسكو؟
“عقوبات مدمرة” على روسيا. واشنطن تستهدف ابنتي بوتين أيضا
عقوبات أوروبية جديدة ضد روسيا ومساعدات عسكرية لأوكرانيا
الاتحاد الأوروبي يسعى للحفاظ على وحدة الصفّ في عقوباته الجديدة على روسيا
تقرير أداء الروبل الروسي أمام 31 عملة يثير تفاعلا مع تجاوزه حاجز الـ64 للدولار
توقعات بانهيار دفاعات روسيا الاقتصادية تحت ضغط العقوبات
ما هي تبعات العقوبات الاقتصادية على روسيا؟