أدوار حلف الناتو في شرق المتوسط بين الخلافات الداخلية و فعالية الأداء الميداني
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات-ألمانيا و هولندا
إعداد: وحدة الدراسات و التقارير”8″
ركز حلف الناتو منذ تأسيسه سنة 1989 على فكرة التوسع داخل أوروبا نظرا لظروف الحرب الباردة و التهديدات التقليدية التي كانت موجودة في تلك المرحلة التاريخية. لكن مع ظهور فاعلين جدد و تهديدات أمنية حديدة و كذلك التوسعة التي عرفها الحلف، أصبحت منطقة شرق المتوسط أحد أهم محاور الإهتمام و الإرتكاز التي وضعها حلف الناتو ضمن استراتيجيته الراهنة و المستقبلية، لما تعطيه هذه المنطقة من أهمية حيوية و استراتيجية أدت غالبا إلى ظهور “صراعات” بين مختلف الفاعلين الدوليين في المجال الأورومتوسطي للاستحواذ على القيم المادية كالغاز و القيم المعنوية كالنفوذ.
الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة شرق المتوسط.. صراع الغاز والنفوذ
اشتدت النزاعات في شرق المتوسط أحياناً للحصول على شروط مفضلة لتتطور وتشمل نزاعاً بين دول الشركات المتنافسة (الدول الصناعية الكبرى) و.امتدّت أوجه النزاعات هذه طوال القرن العشرين لتبرز مؤخراً في الصناعة الغازية الفتية في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ إذ شجع اكتشاف الغاز في المياه المصرية شمال ميناءي الإسكندرية وبورسعيد، الدول والمناطق المطلّة على شرق المتوسط (فلسطين، وإسرائيل، وقبرص، ولبنان، وسوريا، وتركيا) التي تشكو من شح مصادر الثروة البترولية في أراضيها، على محاولة الاستفادة من الاكتشافات المصرية لبدء المسوحات الزلزالية في مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، للتعرف على جيولوجية مناطقها البحرية، وإمكانية اكتشاف حقول بترولية فيها، حسب ما ذكره تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” في 12 يناير 2020. تركيا .. جملة خلافات مع الناتو ودول الاتحاد الاوروبي
كتب الباحث سايمون هندرسون تقريرا نشره موقع “الحرة” في 28 مايو 2020 أن في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ككل، لم تؤد عمليات الاستكشاف الأولية للغاز التي تتزعمها فرنسا قبالة سواحل بيروت في وقت سابق من سنة 2020 سوى إلى إنتاج آثار للموارد الهيدروكربونية، في حين قد يتمّ إرجاء أي تنقيب مستقبلي في منطقة أقرب إلى الخط الملاحي المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل إلى أجل غير مسمى. ومن الناحية النظرية، تتمتع هذه المنطقة باحتمالات جيدة نسبيا للاكتشافات نظرا لقربها من حقلي “تمار” و “ليفياثان”. ومع ذلك، تقع أفضل الاحتمالات قبالة سواحل مصر، التي يقل إجمالي احتياطاتها من النفط والغاز عن احتياطات إسرائيل (إلا أن احتياطات كلا الدولتين لا تزال ضئيلة مقارنة باحتياطات دول الخليج العربي).
التواجد العسكري لـ”حلف الناتو” في شرق المتوسط
نشر معهد الدراسات الاستراتيجية و الدولية دراسة حول الناتو في 17 يوليو 2020، و ذكرت الدراسة أن التواجد العسكري للناتو في شرق المتوسط يقوم على المبادئ التالية: وتنص ديباجة ميثاق حلف شمال الاطلسي على ان اعضاء الحلف يتعهدون “بتعزيز الاستقرار والرفاهية في منطقة شمال الاطلسي”. وعلى جميع حلفاء الناتو، بما في ذلك تركيا، تعزيز الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط. وينبغي أن تكون الخطوة الأولى هي وضع مجموعة متفق عليها من المبادئ تشمل:
– ضمان أن يجني جميع الشركاء الإقليميين فوائد استكشاف الطاقة في المنطقة، مع إيجاد طريق نحو التقاسم العادل لإيرادات الطاقة، باعتبار ذلك تدبيرا لبناء الثقة من أجل استئناف عملية السلام في قبرص؛ – ضمان أن يكون هناك اتفاق على أن يكون هناك اتفاق على أن يكون هناك اتفاق على تحقيق السلام في المنطقة.
– احتواء النفوذ الروسي و وجوده في المنطقة؛
– ضمان حرية عمل حلف شمال الأطلسي من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط؛
– العمل على تحقيق الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك جهود مكافحة الإرهاب؛
– التمسك بالمعايير القانونية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، مثل حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا والجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فضلاً عن السلامة الإقليمية أو البحرية للبلدان (بغض النظر عن النزاعات القائمة)؛
– مضاعفة الجهود لتجنب الحوادث البحرية المستقبلية في شرق البحر الأبيض المتوسط بين حلفاء الناتو من خلال وضع إجراءات جديدة. الجيش الأوروبي مقابل مظلة الناتو ،إحتمالات النجاح و الفشل ؟
الخلافات داخل حلف الناتو
ذكر تقريرحول الخلافات داخل الناتو نشره موقع BBC في 3 ديسمبر 2019 أن التركيز على قضية التمويل يحجب مشكلات أخرى. فالإحباط يتزايد داخل أروقة الحلف وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واصفا الناتو بأنه يعاني من “موت دماغي”. و أضاف الرئيس الفرنسي أن الحلف يحتاج من أعضائه التوقف عن الحديث حول التمويل طوال الوقت وبذل الكثير من الوقت للتعامل مع المشكلات الاستراتيجية العميقة التي يعاني منها الحلف. و ناقش الناتو في قمة 2019 مشكل الأحادية الأمريكية والتركية في التصرف بعيدا عن الرجوع للحلف، والجدل حول حصص التمويل. و يضيف التقرير أن حلف الناتو على مفترق طرق حيث يعاني من كثير من مشكلات النجاح. فكثير من القرارات التي اتخذت – لاسيما توسعة الحلف ليضم مزيدا من الأعضاء- كان الدافع وراءها السياسة أكثر من الاستراتيجية.
أفاد مسؤول في الرئاسة الفرنسية أن باريس تريد إجراء محادثات مع دول أعضاء حلف شمال الأطلسي الناتو من أجل مناقشة دور تركيا الذي وصفه بالعدواني وغير المقبول على نحو متزايد، واتهم المسؤول الفرنسي أنقرة بخرق حظر توريد السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، و بتعزيز الوجود البحري قبالة سواحلها والتدخل الذي سبب الكثير من المشكلات. وكان مستشار الرئيس التركي اعتبر في وقت سابق أن المتغيرات الميدانية الأخيرة في ليبيا دفعت لاعبين دوليين إلى مراجعة مواقفهم، في حين أشار إلى أن موقف فرنسا متناقض مع النهج الأوروبي. كما أنه وفق مراقبين، الخلافات الفرنسية الإيطالية لم تنتهي بعد، ولم يتضح بعد موقف واشنطن التي قلصت قواتها في ألمانيا حتى تدفع الأخيرة، حسب ما نشره موقع “روسيا اليوم” في 16 يونيو 2020.
في قمة الناتو في واتفورد، بالمملكة المتحدة في ديسمبر 2019، كانت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا لا تزال في أوجها، لأن الرئيس رجب طيب أردوغان قرر على الرغم من جميع التحذيرات من واشنطن شراء نظام الصواريخ الروسية S400، ما أحدث ضجة كان يمكن تجنبها. ومنذ ذلك الحين كان هناك شكوك حول ولاء أنقرة. وأعطت المغازلة السياسية مع موسكو الانطباع بأن أردوغان يسعى إلى تغيير شركائه، تبعا لما ذكره موقع “دوتشه فيلله” في 28 فبراير 2020.
تقييم فاعلية حلف لناتو في مواجهة الخلافات الداخلية و التهديدات الإقليمية
بشكل عام، يعترف قادة الناتو أن الحلف فقد فعاليته إلى حد ما في السنوات الأخيرة، خاصة مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي انتهج استراتيجية انسحابية من مختلف الأدوار المنوطة للحلف المذكورة في ديباجته. لا يمكن انكار الدور الأمريكي المحوري داخل حلف الناتو من ناحية التمويل و القيادة، لكن و كما يسمى “بالفاعلين المزعجين” في أي تكتل اقليمي سواءا كان اقتصاديا او سياسيا أو أمنيان فإن تركيا تعتبر كذلك نظرا للأنشطة التي ارتأت القيام بها مؤخرا و التي تتعارض مع استراتيجية حلف الناتو في توافق الرؤى و المقاربات الأمنية و العسكرية في المنطقة.
تركيا كفاعل مزعج جديد أربكت دول حلف الناتو و عمّقت من الخلافات الموجودة داخل الحلف حتى أصبح الحديث عن مدى استمرار “ثقة” أعضاء الحلف بتركيا و التي تعتبر عضوا مهما داخله. لذلك سقط حلف الناتو بين معضلتين: معضلة وقف تركيا عن الاستمرار في خروقاتها لميثاق الحلف و هنا ربما يخاطر الحلف بفقدان تركيا على اعتبار أن الجيش التركي هو الثاني بعد الجيش الأمريكي في حلف الناتو، و أيضا معضلة “الطموح المتسارع” للتوسع التركي داخل مناطق نفوذ تقليديا ترجع الى حلفائها في حلف الناتو.
إن استمر الأمر كذلك، فالحلف يخاطر بمزيد من فقدان بريقه و فعالية أنشطته في الميدان خاصة مع تنامي التهديدات الأمنية في المنطقة المتوسطية كالإرهاب و الهجرة غير الشرعية، و أيضا التغلغل العسكري الروسي في منطقة البحرالأبيض المتوسط، الأمر الذي ينذر بظهور فواعل دولية جديدة قد تزحزح نفوذ الناتو في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
التوصيات
حلف الناتو ملزم بتجديد نظامه الداخلي المتعلق بالتمويل و القيادة، فكلما كان الحلف منظما داخليا ينعكس ذلك على أدائه ميدانيا. بالإضافة إلى أن الحلف ملزم بتجاوز خلافاته “و لو مؤقتا” حتى يتسنى له التفرغ إلى احتواء النفوذ الروسي المتصاعد في البحر المتوسط، و كذا أن يكون للناتو دور فعال و فق القوانين الدولية فيما يتعلق بتسوية النزاع في ليبيا و الخروج بنتيجة رابح-رابح بين مختلف الأطراف بما فيها الأعضاء الفاعلين في الحلف ( الولايات المتحدة، تركيا، فرنسا، ألمانيا، ايطاليا ).
رابط مختصر…https://www.europarabct.com/?p=70946
* جميع حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات
الهوامش
How NATO Can Avoid a Strategic Decoupling in the Eastern Mediterranean
مأزق تركيا ـ روسيا غدرت بها و”الناتو” يشك في ولائها؟
خلافات الناتو.. هل تنذر بتفكك الحلف؟
حلف الناتو يواجه مشكلات جذرية في ذكراه السبعين