المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
Ω إعداد : جاسم محمد ، باحث في الأمن الدولي والإرهاب ـ بون
تبرز أهمية دعم صانع القرار من قبل أجهزة الإستخبارات، تحديدا وكالة الإستخبارات المركزية ال CIA في الأزمات ومناطق النزاع والحروب، وهذا ماقامت به الإستخبارات المركزية الاميركية في عهد بايدن وسلفه ترامب واسلافهم في البيت الابيض عبر عقود.
لقد كشفت ازمة الولايات المتحدة مع حركة طالبان في افغانستان 2021، عن أهمية تحليل المعلومات وبناء السيناريوهات المحتملة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الى الادارة الاميركية، وهنا الحديث عن إدارة بايدن. ويبدو ان الاستخبارات المركزية قامت بواجباتها بشكل مهني، وحذرت الرئيس الاميركي بايدن من سيناريو محتمل وهو اجتياح طالبان الى افغانستان، رغم ان تقديرات الاستخبارات المركزية ربما اخفقت في عامل الزمن ليس أكثر في أغسطس 2021.
لكن السؤال: هل كان بايدن يعلم علم اليقين، بان السيناريوهات المحتملة ستتحقق، وهذا ماكان يهدف له بايدن، اي ترك أفغانستان، ان تكون بؤرة صراع تستقطب اطراف أقليمية ودولية وتقوض نفوذ الصين و روسيا و “تطحن” داعش والقاعدة وطالبان”؟ ام انه أغفل تقارير وكالة الإستخبارات المركزية، وهذا يمكن اعتباره سوء تقدير لصانع القرار ؟ يبقى دور الإستخبارات المركزية في حالة أفغانستان فاعلا خاصة بعد الانسحاب الاميركي من افغانستان يوم 31 أغسطس 2021.
لقاء رئيس الإستخبارات المركزية مع طالبان ـ آليات صنع القرار
التقى رئيس وكالة المخابرات المركزية سرا زعيم طالبان بينما يواجه بايدن ضغوطا بشأن الموعد النهائي لإجلاء أفغانستان بسبب الضغوط المتزايدة بشأن الموعد النهائي لمغادرة أفغانستان ، وأرسل الرئيس جو بايدن رئيس المخابرات للقاء زعيم طالبان . وعقد مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز اجتماعا سريا مع المؤسس المشارك لطالبان والزعيم السياسي عبد الغني بارادار في الدوحة وفي كابول خلال شهر أغسطس 2021 . وامتنعت وكالة المخابرات المركزية عن التعليق على الاجتماع ، مستشهدة بسياسة الوكالة المتمثلة في عدم مناقشة أسفار واجتماعات مديرها.
وقال مصدر في الكونجرس إن بيرنز وبارادار ناقشا الموعد النهائي في 31 أغسطس آب2021 للانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان . وقال متحدث باسم طالبان إنه لا يعلم ما إذا كان بارادار قد التقى برئيس وكالة المخابرات المركزية. وامتنع البيت الأبيض وممثل وكالة المخابرات المركزية عن التعليق على الاجتماع..
سياسة فاشلة لصانع القرار ـ آليات صنع القرار
حذرت وكالة المخابرات المركزية البيت الأبيض من استيلاء طالبان السريع على السلطة، وقال رئيس مكافحة الإرهاب السابق في وكالة المخابرات المركزية ، دوجلاس لندن ، إن بايدن قد تم تحذيره من أن القوات الأفغانية قد تستسلم في غضون أيام حذرت المخابرات الأمريكية كل من إدارتي ترامب وبايدن من أن مقاومة الجيش الأفغاني لطالبان يمكن أن تنهار “في غضون أيام” بعد انسحاب مفرط في التسرع ، وفقًا لرئيس مكافحة الإرهاب السابق في وكالة المخابرات المركزية.
أشارت التقاريرالصحفية حول عملية صنع القرار في البيت الأبيض في الأيام الأخيرة إلى أن جو بايدن كان يقود إلى الاعتقاد بأن سقوط حكومة كابول وأشرف غني قد يستغرق 18 شهرًا. ذلك وفق ماكشفته صحيفة الجارديان يوم 18 أغسطس 2021 في نسختها الانكليزية. وقال مارك بوليمروبولوس ، مسؤول سابق آخر في وكالة المخابرات المركزية عمل في وقت سابق في أفغانستان : “هناك مجموعة واسعة من التحذيرات التحريرية ، و الوكالة لديها مجموعة عميقة من الخبراء الأفغان الذين كانوا واضحين للغاية منذ سنوات وشهور وأسابيع في اكتشاف الحقيقة لكن ماحدث في أفغانستان يعتبر فشل كبير من قبل صناع السياسة القرار.
آلية صنع القرار
ألية صنع القرار
يبادر صانعو السياسة – الرئيس ومساعدوه ومجلس الأمن القومي والإدارات والوكالات الحكومية الرئيسية الأخرى – بطلبات للحصول على معلومات استخبارية. 2
جمع المعلومات : هو جمع المعلومات الأولية اللازمة للمعلومات الإستخباراتية.
مصادر مفتوحة : هناك العديد من مصادر المعلومات بما في ذلك المصادر المفتوحة مثل البث والصحف والدوريات والكتب. تعد التقارير مفتوحة المصدر جزءًا لا يتجزأ من القدرات التحليلية لوكالة المخابرات المركزية.
مصادر سرية : هناك أيضا مصادر سرية للمعلومات، يقوم ضباط العمليات في وكالة المخابرات المركزية بجمع هذه المعلومات من وكلاء في الخارج ومن المنشقين الذين يقدمون معلومات لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى.
جمع المعلومات فنيا : تلعب المجموعة الفنية : الإلكترونيات والتصوير عبر الأقمار الصناعية – دورًا لا غنى عنه في الاستخبارات الحديثة ، مثل مراقبة اتفاقيات الحد من الأسلحة وتقديم الدعم المباشر للقوات العسكرية.
معالجة المعلومات : يتضمن تحويل الكم الهائل من المعلومات التي تم جمعها إلى نموذج يمكن للمحللين استخدامه من خلال فك التشفير.
كيفية تقديم الدعم لصناع القرار ـ آليات صنع القرار
اعتاد فيليب مود على اتخاذ قرارات صعبة بصفته النائب السابق لمدير مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة المخابرات المركزية وفرع الأمن القومي التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي ، فقد جمع معلومات وقدم توصيات حول بعض أكبر التهديدات التي يتعرض لها العالم للسلامة الوطنية خلال 25 عامًا من العمل في الحكومة ، طور مد نظامًا لتحليل البيانات المعقدة وتقييم المخاطر. في حين أن بعض القرارات التي اتخذها كانت مصيرية، فهو يؤكد أن جميع القرارات المعقدة – الحكومية والمدنية – هي قرارات رئيسية.
وفي كتاب فيليب مود لعبة الرأس : اتخاذ القرارات التحليلية عالية الكفاءة وفن حل المشكلات المعقدة بسرعة ، يقسم مود عملية اتخاذ القرار باتخاذ الخطوات التالية :
ـ البحث عن السؤال الحقيقي غالبًا ما يركز الباحثين على السؤال الخطأ لأنهم يفترضون أن الأسئلة بديهية.
ـ إستثمار الوقت في تحليل المشكلات من خلال القفز مباشرة إلى البيانات والإستنتاجات ، ويمكن العدول عن الأستمرار بالتفكير والاستننتاجات والعودة الى البداية من جديد، اي يمكن التراجع عن الاستنتاج .
ـ تقسيم الأسئلة المعقدة إلى خصائص أو “دوافع” هذه الطريقة تمنح القدرة لإدارة البيانات.
على سبيل المثال عندما كان مود يعمل لدى وكالة المخابرات المركزية ، كان يفرز البيانات الخاصة بالقاعدة في سلال معلومات تتضمن الأموال والمجندين والقيادة والاتصالات والتدريب والوصول إلى الأسلحة. عندما تتدفق المعلومات ، بدلاً من إضافتها إلى مجموعة واحدة لا يمكن التحكم فيها ، وفرزها بشكل دوري .
ـ تحديد المقاييس ، بمجرد تحديد السؤال والعوامل المحركة ، حدد المقاييس التي ستستخدمها لقياس كيفية تطور المشكلة والحل بمرور الوقت. يقترح مود مقارنة عملية تفكيرك بعملية تدريب عداء أولمبي يقيس النجاح في مئات من الثانية، يقول: “إذا لم نفعل ذلك ، فإن التحليل الذي نقدمه سيعاني نفس مصير العداء الذي يعتقد أنه رائع ولكنه لم يمتلك أبدًا ساعة توقيت، إن توفر المقاييس تعطي نتائج واحكام او تقييم الى القرارات والاستنتاجات الى من يقوم بدعم صانع القرار.
ـ جمع البيانات ، بمجرد إنشاء إطار العمل الذي يساعد عميل الإستخبارات على اتخاذ القرار الصعب ، فهذا يعني ان الوقت مناسب لجمع البيانات. وهنا يجب التغلب على البيانات الزائدة عن طريق توصيل البيانات في فئات برامج التشغيل الخاصة بها واستبعاد أي شيء غير مناسب ، يقول مود: “قد توفر الكثير من البيانات إحساسًا زائفًا بالنجاح ، لكنها في الحقيقة لا تؤدي بالضرورة إلى اتخاذ قرارات الصحيحة.
ـ البحث عن ما هو مفقود، يقول عميل ال CIA مود إن التحليل المعقد ليس بالأمر السهل يجب التتحقق من الثغرات والأخطاء، ودائما تواجه عملية تحليل المعلومات ، ثلاث عوائق هي : التحيز والاعتماد على المعلومات المتراكمة أو ما تم عرضه مؤخرًا في الأخبا وشطب الصفات السلبية والانحياز الى الصفات الإيجابية .
ـ إعتماد المنهجيات التحليلية : إن اتخاذ قرارات معقدة هو مهمة غير سهلة إنه لأمر سهلاأن تكون خبيرًا يبني أفكاره على التاريخ ولكن ليس من السهل أن تكون محللًا إستخباريا، والقيام بتيقيِّم السيناريوهات المحتملة.
دور الإستخبارات في محاربة الجماعات المتطرفة في أفغانستان
تعتمد أجهزة الاستخبارات قواعد اساسية بدون شكك في محاربة الجماعات المتطرفة لكن هنا نتحدث عن جزئية، ايجاد انشقاقات داخل الجماعات المتطرفة، يذكر ان احدى القواعد التي تعتمدها تحديدا وكالة الاستخبارات المركزية، هو “تغيير مسار” التنظيمات المتطرفة، وهذا بحد ذاته يعتبر انجاز كبير اكثر من اغتيال قيادات ميدانية على الارض. وإحداث انشقاقات في التنظيمات المتطرفة من الداخل، خاصة داخل قيادات الصف الاول، وهذا يعني ايجاد جهد إستخباراتي لاحداث خروقات داخل التنظيمات من الداخل، على سبيل المثال في حالة طالبان، يكفي تسريب خبر ان ادارة بايدن اجرت اتصالات مع احد امراء الحرب داخل طالبان وليكن نجل الملا عمر مؤسس حركة طالبان، هذا الخبر من شانه يثير ضجة اعلامية ويصعد الخلافات داخل الحركة.
من المتوقع ان يبرز دور الإستخبارات المركزية الامريكية في أفغانستان وفي دول الجوار، جنوب و وسط آسيا في أعقاب الانسحاب الاميركي، ويبدو السيناريو المحتمل هو : الفوضى في أفغانستان، وهنا يظهر دور الإستخبارات المركزية، باستخدام الاطراف المحلية في افغانستان، اوراق بعضها ضد الاخر، لتدخل أفغانستان بدوامة الفوضى وإستنساخ السيناريوهات التقليدية في مناطق النزاعات والمناطق غير المستقرة.
بات ضروريا ان يكون هناك تحالف دولي جديد لمحاربة الإرهاب والتطرف دوليا وإقليميا.
نشر في رؤية
*حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
رابط نشر مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=77213